العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ

الحرب على لبنان خطة أميركية

تسلل مقاتلو حزب الله إلى داخل «إسرائيل» في 12 يوليو/ تموز 2006 وأسروا اثنين من الجنود الإسرائيليين. إنه الحادث الذي انتظرته «إسرائيل» ليخرج من الدرج خطة موضوعة منذ وقت لمهاجمة لبنان.

على الصعيد السياسي كان رد فعل إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش مغايرا لرد فعل الذين سبقوه في البيت الأبيض. لم يدع لوقف عاجل لإطلاق النار. تبعه بذلك رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. منذ تسلم ميركل منصبها في نهاية العام الماضي دخلت في منافسة خفية لمنافسة بلير على التقرب من بوش. عند مشاركته في قمة مجموعة الثماني قال بوش: «تبين لنا سبب عدم حلول السلام في منطقة الشرق الأوسط». وصف العلاقة بين سورية وإيران بعد قوله إنهما يدعمان حزب الله، بأنها أصل عدم الاستقرار في المنطقة وأوضح: «أنها مسئولية البلدين في إنهاء الأزمة». وعلى رغم أن الحكومات الأميركية السابقة كانت تطالب فورا بوقف لإطلاق النار والتفاوض فإن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس صرحت بعد يومين على بدء المعارك: «سيحتاج الأمر إلى بعض الوقت حتى تكتمل شروط وقف إطلاق النار»، لكن في الحقيقة أن العدوان الإسرائيلي على لبنان تبلغت به واشنطن منذ وقت وجرى نقاش بشأنه، وأن الحرب ضد حزب الله خطوة أولى تمت بعلم بوش لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.

هذا ما يكشف عنه الصحافي الأميركي سيمور هيرش البالغ 69 سنة والذي فضح الجيش الأميركي عندما ارتكب مجزرة ماي لاي قبل 35 سنة في فيتنام ثم كشف فضيحة تعذيب المعتقلين العراقيين في سجن أبوغريب، في مقال نشر في مجلة «دير شبيغل».

قال سيمور: في الحقيقة، فإن دور إدارة بوش في العدوان على لبنان أكبر مما أشير له حتى الآن. فقد أبلغ هيرش موظفون سابقون في الاستخبارات ودبلوماسيون أن بوش ونائبه ديك تشيني كانا على يقين بأن الضربات الإسرائيلية ستكون ناجحة ضد مكاتب قيادة حزب الله ومواقع الصواريخ وأن تدميرها سيحقق متطلبات «إسرائيل» الأمنية. أكثر من ذلك، فإن مثل هذه الضربة تكون تمهيدا لهجوم وقائي تشنه الولايات المتحدة لتدمير المنشآت النووية في إيران وبعض أقسامها الموجود تحت الأرض، بعدما استجابت الولايات المتحدة لرغبة «إسرائيل» بضرب العراق وتغيير نظامه لأنه كان يشكل خطرا عليها، كما كانت تقول.

ونقل هيرش عن خبير أميركي في قضايا الشرق الأوسط أن خطة العدوان الذي بدأ يوم 12 يوليو على لبنان كانت الحكومتان الإسرائيلية والأميركية على علم مسبق بها وأن بعض أعضاء إدارة بوش تبلغوا بها وقال الشاهد: إن حزب الله لم يجر (إسرائيل) إلى مصيدة الحزب كما قيل فالبيت الأبيض كان واثقا أن الإسرائيليين سيهاجمون لبنان عاجلا أم آجلا.

كما ذكر الخبير أيضا أسباب الدعم الأميركي للهجوم بقوله: «المهم للبيت الأبيض قبل كل شيء تدمير صواريخ حزب الله وإذا كان لابد من هجوم أميركي على إيران فينبغي أولا تدمير صواريخ حزب الله كي لا تتعرض (إسرائيل) لعمل انتقامي من حزب الله». وأضاف: «كان بوش يريد الأمرين، أن يصيب إيران لأن هذا البلد دولة مارقة بنظر الرئيس الأميركي وبسبب برنامجها النووي وأراد أيضا ضرب حزب الله لأنه يتعارض مع مشروعاته».

لكن مستشارين في واشنطن حذروا من عدم تحقق هذه الشروط بواسطة ضربات الطيران الحربي الإسرائيلي. منذ سنوات تبادل الإسرائيليون والأميركان معلومات مخابراتية علاوة على التعاون العسكري المكثف بينهما. وقال موظف سابق في الاستخبارات الأميركية: «تحت ضغط البيت الأبيض قام مسئول كبير في سلاح الجو بإجراء مشاورات مكثفة مع مسئولين في سلاح الجو الإسرائيلي بهدف وضع خطة لضرب المنشآت النووية الإيرانية». السؤال المهم كان: «كيف يكتب النجاح لضرب الأهداف في إيران؟ ومن أهم شريك للولايات المتحدة في التخطيط لهذا الهجوم؟ طبعاً ليس الكونغو وإنما (إسرائيل). لأن (إسرائيل) قدمت معلومات للولايات المتحدة تقول إن مهندسين إيرانيين ساعدوا حزب الله في حفر أنفاق وبناء خنادق ومواقع لرمي الصواريخ تحت الأرض. وتم طلب تبادل معلومات بين الطرفين عن إيران ولبنان بعلم وزارة الدفاع الأميركية».

وسبق أن نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج وصف خلال الولاية الأولى لدبليو بوش العام 2002 حزب الله بأنه منظمة إرهابية. أما اليوم فإنه يقول إن المصاعب التي واجهتها الحملة العسكرية على لبنان تعد تحذيرا للبيت الأبيض من القيام بمغامرة ضد إيران. وأضاف: «إذا لم تحقق (إسرائيل) أقوى قوة عسكرية في المنطقة انتصارا عسكريا على بلد صغير مثل لبنان فإنه لا يمكن تحقيق انتصار عسكري على إيران». واستنتج أرميتاج أن الشيء الوحيد الذي حققته القنابل الإسرائيلية أنها وحدت الشعب اللبناني ضد «إسرائيل».

ويقول المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية بواشنطن ديفيد زيغل إن «إسرائيل» لم تخطط للعملية وقال مسئول في الحكومة: «تعين على أولمرت اتخاذ قرار إما القيام برد محدود على حزب الله أو حل المشكلة التي اسمها حزب الله بصورة نهائية». لم يفلح أولمرت لا بهذا ولا بذاك.

أحد مستشاري الإدارة الأميركية الذي له صلات وثيقة بـ «إسرائيل» أبلغه أن «إسرائيل» أبلغت الأميركيين على تفاصيل ضرب لبنان قبل أسابيع وقامت مجموعة استراق السمع الإسرائيلية المعروفة بفرقة 8200 في نهاية الربيع ومطلع الصيف بسماع مكالمات هاتفية أجراها عضو المكتب السياسي في «حماس» خالد مشعل الذي يعيش مع قادة في حزب الله تم الاتفاق خلالها على تصعيد عسكري مع «إسرائيل». وفي مكالمة أخرى استطلع الإسرائيليون أن تحفظ «حماس» على استخدام القوة ضد «إسرائيل» - وكانت عمليات «حماس» تراجعت بعد تسلمها السلطة - لم يجد نفعا وأنها بدأت تفقد التأييد الشعبي بين الفلسطينيين وكان لابد للعودة للكفاح المسلح لإجبار «إسرائيل» على تقديم تنازلات. أضاف هيرش أن المستشار أبلغه عن اتفاق إسرائيلي - أميركي للقيام معا بحملة عسكرية إذا قامت «حماس» وحزب الله بعمليات ضد «إسرائيل».

وأوضح المستشار أنه خلال مطلع الصيف زار واشنطن مستشارون إسرائيليون للحصول على موافقة واشنطن للقيام بضرب لبنان والاطلاع على موقف أميركا تجاه الحرب. وأضاف: «بدأت (إسرائيل) بالحديث مع تشيني لأنها أرادت ضمان تأييده وتأييد قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي». بعد ذلك لم تكن هناك ضرورة للحديث مع بوش ورايس فالكل واثق أنهما سيقفان إلى جانب «إسرائيل». إذ قضت الخطة بأن تنتظر «إسرائيل» أول عملية لحزب الله كي ترد بعمل عسكري شامل والبدء برمي القنابل على لبنان.

وفي مشاورات سابقة مع الأميركان قال هيرش إن خبراء الشرق الأوسط ومستشاري إدارة بوش أبلغوه أن الإسرائيليين تحدثوا كثيرا عن مثال حرب كوسوفو وقالوا إن «إسرائيل» تريد من وراء الغارات الجوية تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية. وكانت قوى تابعة لحلف شمال الأطلسي تحت قيادة الجنرال الأميركي ويزلي كلارك قامت بالإغارة على مواقع عسكرية في كوسوفو وصربيا. لم يكتف هؤلاء بضرب أهداف عسكرية بل ضربوا أهدافاً مدنية مثل الجسور والأنفاق والشوارع وبعد 78 يوما أصبح الصرب على استعداد للانسحاب من كوسوفو. درست «إسرائيل» حرب كوسوفو جيدا وقال الإسرائيليون لرايس: «احتجتم إلى يوم ونحن بحاجة إلى 35 يوما».

منذ بدء العدوان على لبنان جرت مناقشة مثال حرب كوسوفو نظراً إلى العدد المرتفع للضحايا بين المدنيين اللبنانيين وخصوصاً احتجاج المنظمة الأميركية «هيومان رايتس ووتش». وأيد مكتب تشيني الخطة وأيضاً المسئول في مجلس الأمن القومي أليوت أبرامز. وكانت وجهة النظر الأميركية أن تبدأ الهجمات الجوية ضد حزب الله بأسرع وقت ممكن وقال المستشار الأميركي: «حين تفعلون ذلك سنقف إلى جانبكم ولكننا نعتقد أنكم ستقومون بذلك عاجلا أم آجلا وكلما انتظرتم قل لدينا الوقت لتحليل النتائج والتخطيط تجاه إيران والأفضل أن يكون ذلك قبل نهاية عهد بوش». ونقل موظف استخباراتي عن تشيني قوله: «لو انتصرت (إسرائيل) سيكون هذا رائعا لأن انتصارها سيساعدنا على التصرف تجاه إيران لكن أولا يجب التفرج على ما سيفعله الإسرائيليون في لبنان». لكن الخطة كانت تقضي بأن تنتصر «إسرائيل» ولا تنتهي بالفشل كما حصل، كما كتب هيرش نقلا عن المستشار الأميركي.

هنا أثبت حزب الله كفاءته العالية حتى توقفت الحرب على رغم الغارات الجوية المركزة وظل يقصف شمال «إسرائيل» بالصواريخ. هذه الكفاءة كانت صدمة لأولئك الذين أيدوا العدوان الإسرائيلي على لبنان ويؤيدون عملاً عسكرياً ضد إيران ولأولئك الذين قالوا إن ضرب حزب الله سيؤدي إلى احتجاجات شعبية والانقلاب على النظام في طهران. وعلى رغم ذلك فإن كثيراً من الضباط الأميركيين يعتريهم القلق بسبب الثقة الجارفة بـ «إسرائيل» واعتبار أن غاراتها الجوية حققت النجاح، وكتب هيرش: «حالما يهدأ الدخان سيسارع تشيني ورامسفيلد للقول إن (إسرائيل) انتصرت في الحرب وسيدافعان عن خطة الهجوم على إيران».

كما قال أحد كبار العسكريين الأميركيين: «يمكن ان يلحقوا بنا جروحاً في مواقع كثيرة بالمنطقة. علينا تدارس نتائج عمل عسكري ضد إيران. هل سيكون بوسعنا إذا ضربنا إيران دفع أكثر من مئة دولار ثمنا لبرميل النفط؟». وأضاف: «مجرد الاعتقاد بأنه يمكن إنهاء العمل من الجو مسألة مثيرة للضحك. المشكلة أن القيادة السياسية الأميركية لا تفكر أبدا بأسوأ سيناريو». وقال: «هؤلاء الصبية يريدون سماع أفضل الإمكانات».

تصريحات وزير الدفاع الأميركي نادرة عن لبنان. وقد أضعفته الانتقادات القوية بشأن حرب العراق. قال هيرش إن المستشارين العسكريين والاستخباراتيين الذين تحدث إليهم وحصل منهم على معلومات عن حرب لبنان يعتقدون أن رامسفيلد له رأي آخر بشأن الحرب، مقارنة ببوش وتشيني. وقال دبلوماسي غربي إن رامسفيلد يشعر بقلق كبير على الجنود الأميركيين في العراق. موظف آخر في وزارة الدفاع الأميركية قال إن رامسفيلد مسرور لأن «إسرائيل» أضعفت حزب الله، لكنه كان يرجو لو استخدمت «إسرائيل» عددا أقل من القنابل علاوة أنه سعيد لأنها أرنب تجارب للولايات المتحدة. كما أن موقف وزيرة الخارجية الأميركية يترك أسئلة كثيرة. وأضعفها تأييدها للغارات الجوية الإسرائيلية ضد حزب الله. يقول مستشار وزارة الدفاع إنها حاولت في مطلع أغسطس/آب إقناع البيت الأبيض بإجراء مفاوضات مع سورية، لكن جهودها لم تنجح.

كما نقل هيرش عن دبلوماسي غربي قوله إن أبرامز بات مهما في السياسة الأميركية تجاه إيران وأصبح ينافس رايس على منصبها. وأشار هيرش إلى أن محدثه قال له إن الأزمة الحقيقية ستبدأ فصولها في نهاية أغسطس حين تنتهي المهلة التي منحتها الأمم المتحدة لإيران كي توقف تخصيب اليورانيوم إذ من المتوقع أن ترفض العرض الدولي.

في نهاية مقاله يقول هيرش: حتى الذين أيدوا الحرب ضد حزب الله يعترفون بأن الحرب فشلت في تحقيق أهدافها الرئيسية بتأليب اللبنانيين على حزب الله فمنذ 90 سنة دلت استراتيجيات القصف على فشلها وعلى رغم ذلك كما يقول الخبير العسكري الأميركي في أكاديمية البحرية جون أركيلا، يتمسك البعض بسلاح الجو ضد مواقع الفدائيين وهذا تعريف يؤمن به الأغبياء فقط

العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً