تواصل الصحف الأميركية رصد تداعيات العدوان الإسرائيلي بعد انكفائه عن لبنان. أما الدرس المستقى من هزيمة جيش الاحتلال الإسرائيلي لكن بعد فوات الأوان فهو أن الحل لكل مشكلات منطقة الشرق الأوسط يكون باتباع المسار السياسي لا العسكري، لذلك كشف أحدهم أن الإدارة الأميركية تعد العدة لإعادة سكة المفاوضات بين أطراف الصراع العربي - الإسرائيلي.
أما الهزيمة التي مني بها الجيش الإسرائيلي فهي ببساطة واختصار، تعود إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تعوّل بشدة على أن ينقلب الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية ضد حزب الله، فلم يأت حساب الحقل الإسرائيلي مطابقاً لحساب بيدر لبنان، لكن هناك من يرصد الساحة اللبنانية التي بدأت الصراعات السياسية تلوح في أفقها.
وحاول ديفيد إغناطيوس في «واشنطن بوست» قراءة ما بعد مرحلة القنابل إذ يأتي، برأيه، دور السياسة، فقد تسببت الحرب في لبنان في إحداث أضرار لـ «إسرائيل» والولايات المتحدة ولبنان على وجه الخصوص. ولكن إغناطيوس رأى إيجابيات في الوقت نفسه فقد كشفت عن درس مهم عن مستقبل الشرق الأوسط وعلى الجميع الاتعاظ منه وهو أن حلول مشكلات منطقة الشرق الأوسط تأتي باتباع المسار السياسي لا العسكري. ولهذا أشاد بتوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ورئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة نحو السياسة، ملاحظاً أن الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله جنح إلى هذا السبيل أيضاً وقبل بالقرار الدولي، معتبرا ذلك نصراً كبيراً إذا ما التزم حزبه بذلك القرار وسحب مقاتليه من جنوب لبنان.
وعلى رغم أنه وجه انتقادات للرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرته رايس، لأنهما كانا وراء إطالة أمد الحرب، فقد رحب بما توصلوا إليه في نهاية المطاف من اتفاق الهدنة، محذرا من أن الشرق الأوسط سيتحول إلى أكثر خطورة إذا ما تفاقمت المشكلات من دون حل.
وخلص إلى أن السبيل للخروج من الفوضى التي تعم الشرق الأوسط لن يأتي إلا عبر الاتفاقات السياسية وتجنب السياق الأحادي أو الهجمات العسكرية. وبعد أن ألقى بموعظة عن التاريخ الذي يعلمنا أن أبواب السلام تفتح بسرعة أكثر بعد أي حرب، كشف عن وجود مبادرة أميركية أوسع لتحريك حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومساعدة اقتصاد لبنان، واجتذاب الحكومات العربية، والعمل على إحلال الأمن والاستقرار في العراق، والتشجيع على التوصل إلى اتفاق سلام أوسع بين «إسرائيل» والعرب.
ونشر أنطوني شديد في «واشنطن بوست» تقريراً مطولاً، من بلدة الخيام في الجنوب اللبناني، ليلفت النظر إلى أن مقاتلي حزب الله تحولوا بعد وقف الحرب إلى مساعدة أهالي القرى على بناء بيوتهم المهدمة وأنهم تحولوا إلى جنود للإغاثة فقد شرع رجال ومقاتلي حزب الله بالمساعدة في عمليات إعادة السكان إلى بيوتهم وترميم الطرقات، ونقل عن أحد مقاتلي حزب الله الذي كان لمدة 34 يوماً أحد جنود حزب الله، وتحول عمله إلى عامل إغاثة، قوله سنعمل حتى نفتح جميع الطرقات في المدينة، وسنعمل على توفير كل ما يحتاجه الناس.
ولاحظ أنه بعد يوم واحد فقط من وقف إطلاق النار، شرع حزب الله في فتح ما أسماها الجبهة الثانية في هذه الحرب وهي بحسب زعمه إعادة بناء موقعه كدولة داخل دولة في ضواحي بيروت الفقيرة والقرى الجنوبية، ولكن شديد انتقل من رسم صورة رجال حزب الله بعد العدوان إلى رسم صورة الوضع السياسي في لبنان إذ لاحظ انطلاق الصراعات السياسية الداخلية، وأوحى بأن من أشعل السجال هو السيدنصرالله لأنه أمر ببدء عمليات الإغاثة وإعادة البناء من دون التنسيق مع الحكومة اللبنانية أو حتى موافقتها، ما اعتبره أول مواجهة واختبار للحكومة اللبنانية التي وصفها بأنها ضعيفة والتي تتوجه إليها أنظار العالم الآن لمد نفوذها حتى الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
واعتبر بيل كيرتس في «واشنطن تايمز» أن الموساد الإسرائيلي أخفق في تقدير خطر تهديد حزب الله في جنوب لبنان فقد نقل عن مسئولين أميركيين، أن القتال الذي وقع بين «إسرائيل» وحزب الله كشف عن أخطاء رئيسية في معلومات الموساد عن المواقع الدقيقة لقادة حزب الله ومنصات إطلاق الصواريخ. ونسب إلى مسئول أميركي ذي خبرة في القضايا الاستخباراتية أن «هذا يعتبر إخفاقاً في المخابرات، ولكن لم يصل إلى الحجم الذي ارتكبته الولايات المتحدة قبيل حوادث 11 سبتمبر/ أيلول».
في حين نقل عن محلل استخباراتي سابق في الخارجية الأميركية أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تعول بشدة على أن ينقلب الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية ضد حزب الله، ولكن الحكومة اللبنانية بدت مترددة في نزع الشرعية عن حزب الله، ولكنه عزا الإخفاقات الإسرائيلية إلى إخفاقات في الاستراتيجيات السياسية أكثر منها إخفاقات استخبارية للموساد الإسرائيلي
العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ