حققت الحكومة العراقية إنجازاً مهماً باستضافة القمة العربية على الرغم من غياب زعماء الوزن الثقيل ماسحة عنها عار سنوات صدام، إلا أن هدف بغداد المعلن بالعودة إلى الحضن العربي واستعادة دورها الإقليمي لن يتحقق بسهولة.
وقال وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري للصحافيين عشية انعقاد القمة «العراق لا يبحث عن الدور ولا يحتاج إلى الدور ... لكن العراق عاد وبقوة إلى ما كان عليه بل أقوى لأن قوة العراق ستكون للخير وليس للشر كما كانت تستخدم في السابق»، في إشارة إلى حكم الديكتاتور صدام حسين.
وشدد على أن العراق «كسب الرهان بتنظيم القمة في مكانها وزمانها»، بعد أن شككت وسائل الإعلام ومسئولون عراقيون وعرب بقدرة بغداد على استضافة قمة العرب، هي التي شهدت قبل أكثر من أسبوع سلسلة تفجيرات قتلت 50 شخصاً بينها انفجار بالقرب من وزارة الخارجية.
إلا أن غياب قسم كبير من زعماء الدول العربية، لا سيما دول الوزن الثقيل سياسياً مثل السعودية وقطر ومصر والإمارات، يذكر بأن الريبة بين العراق وجيرانه لم تنته.
وقال المحلل السياسي، عبدالوهاب بدرخان لـ «فرانس برس» أن «الحكومة العراقية أرادت أن تستفيد حتى النهاية من انعقاد القمة، وبالفعل سجل نوع من العودة، سواء من العراق إلى العرب أو من العرب إلى العراق». وبحسب بدرخان، فإن القمة هي في الواقع «تمرين على العودة الحقيقية، ومناسبة ليعبر كل طرف عن إمكانية العودة» إلا أنها «برهنت بأن العودة الكاملة ما زالت صعبة».
وينظر جيران العراق الخليجيون بكثير من الريبة إلى ما يرونه نفوذاً إيرانياً ًكبيراً في العراق، لا سيما على قسم من الأطراف المشاركة في الحكم أو في البرلمان.
ولا يبدو أن علاقة إيران بالعراق على طريق الاضمحلال.
وبعد سنوات من محاولات التقرب، لم تعين السعودية سفيراً لها في بغداد إلا قبل أسابيع، وهو سفير غير مقيم.
كما أن كون الشيعة يديرون دفة البلاد قد لا يطمئن كثيراً الدول السنية في محيط العراق في ظل تصاعد التوترات الطائفية إلى درجة كبيرة في المنطقة.
وقال بدرخان إن «العرب لديهم ملاحظات، ولديهم أطراف تأتي من العراق للاشتكاء على الحكومة، ولديهم تعاطف مع فئات عراقية من السنة وغير السنة، كما أن عندهم ملاحظات على مدى النفوذ الإيراني».
وكل هذه العوامل بالإضافة إلى المخاوف الأمنية قد تكون أثنت زعماء عرب عن المشاركة في بغداد، في وقت ما يزال فيه الصراع السياسي محتدماً في العراق بين السنة والشيعة على مستوى البرلمان والقيادات السياسية.
وتعي بغداد كل هذه الحواجز بينها وبين قسم من الدول العربية، لكن يبدو أنها أصرت على تحقيق أكبر قدر من المكاسب عبر القمة.
وقال المحلل السياسي العراقي، إحسان الشمري إن «مجرد انعقاد القمة في بغداد أمر بغاية الأهمية للحكومة العراقية».
وبحسب هذا المحلل، فإن «القرارات في القمة ليست مهمة بل فعل الانعقاد، ويجب أن نتذكر أن القمم الـ 22 الماضية لم تأت بشيء حقيقي».
وأقر الشمري بأن «العراق ينظر إليه من قبل بعض الدول العربية لا سيما الخليجية بريبة بسبب ما يقال أنه نفوذ إيراني» متسائلاً «إذا كان العراق يريد العودة إلى الحضن العربي، فهل العرب يريدون بدورهم العودة إلى العراق؟».
لكن العراق الذي يملك ثروة نفطية هائلة وانتقل إلى نظام ديمقراطي في ظل الاحتلال الأميركي وعلى وقع مقتل عشرات الآلاف في دوامة عنف طائفي دام، يمكنه أن ينظر إلى أبعد من الخليج.
ويقع العراق بحسب المحللين عند نقطة التقاء جيوسياسية بين إيران وتركيا والولايات المتحدة.
ويشير الشمري بأن العراق «يحاول التقرب من دول أخرى غير الدول الخليجية في العالم العربي، وخصوصاً دول الربيع العربي، ولكن مع الحرص على تحسين العلاقات مع الدول الخليجية». ولا يخفي العراق رغبته بلعب دور قيادي في المنطقة بعد أن نفض عنه قسماً من ركام الحرب.
وقال زيباري «لم نعد من الناس الذين يقولون (نعم سيدي) ويمشي مع كل شيء يمليه الآخرون، لدينا رأينا، وبعد هذه القمة صوتنا سيكون أقوى وأقوى».
ومع اعتماد بغداد مقاربة أقل تشدداً مع النظام السوري مقارنة بالسعودية وقطر اللتين عبرتا في السابق عن تأييدهما لتسليح المعارضة السورية، تلوح ملامح انقسام بين محور خليجي وآخر يكون لبغداد فيه دور متقدم.
وعما إذا كانت بغداد قادرة على قيادة تيار في الجامعة العربية، قال بدرخان إن «القمة بحد ذاتها والرئاسة العراقية هي فرصة للعراق لكي يعيد بناء وجهه العربي، أما مسألة استعادة دور مواجهة أو وزن مقابل للسعودية، فهذا متوقف على مدى وفاقه الداخلي».
وأضاف «إذا كان هناك وئام داخلي يدعم الحكومة فيمكن أن يصبح العراق قوياً لكن المعطيات الحالية لا تشير إلى أن العراق سائر نحو ممارسة دور مكان مصر أو سورية أو السعودية. في كل الأحوال، على العراق إعادة رسم دوره العربي وألا يكون سبباً لمشاكل عربية أخرى».
العدد 3492 - الخميس 29 مارس 2012م الموافق 07 جمادى الأولى 1433هـ