لأن العدوان الإسرائيلي على لبنان غير عادل وغير أخلاقي، ولأن أكثر المتضررين من هذا العدوان هم النساء والأطفال، ولأن صمتاً عربياً صاحب هذا العدوان حتى دمرت لبنان، أو ي كاد... لكل ذلك خرجت نساء البحرين في مسيرة يشجبن من خلالها كل ما يحصل في لبنان، طفن فيها أحياء العاصمة المنامة، رافعات أصواتهن، بصحبة أطفالهن، ليعلنَّ بصراحة كبيرة، بعيدة عن أصول الدبلوماسية، والمصالح السياسية، أن ما يحصل في لبنان إجرام، تتحمل «إسرائيل» مسئوليته.
في مسيرة اخترقت شوارع العاصمة المنامة، ونظمتها جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان، انطلقت عشرات النساء والأطفال من مسجد الخواجة عصر الجمعة الماضي، ليمررن على موقع وزارة الداخلية، والإرسالية الأميركية، لتعود إلى مقر انطلاقها مرة أخرى. ورددت النساء المشاركات في المسيرة شعارات منددة بالكيان الصهيوني وبسياسات الولايات المتحدة الأميركية. وذكر البيان الذي ألقي في المسيرة «إننا نساء البحرين نشجب وبقوة الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي على الشعبين الفلسطيني واللبناني، وندين أنواع العنف والعدوان والتجويع والتشريد كافة، ولاسيما الإرهاب الواقع على النساء والأطفال هناك. وطالبت الخارجات في المسيرة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بالتدخل الفوري لوقف الحرب الإرهابية الصهيونية على الشعبين اللبناني والفلسطيني.
يجب أن تزول «إسرائيل» من الوجود
«يجب أن تزول إسرائيل من الوجود»، ترددها أم جواد بقلب قوي وواثق، وتتقدم النساء في المسيرة نفسها بعد أن تأثرت بما يحصل في لبنان، وبما تشاهده وتسمع عنه من فظائع.
مع أخواتها وبناتها، سارت أم جواد في المسيرة، غير عابئة بحرارة الجو العالية في ذلك النهار القائض من نهارات البحرين. تقول أم جواد بقوة: «لا يمكن أن نقبل بالأوضاع التي تجري في لبنان، هنالك عوائل تموت يومياً، يجب أن نقول لا ونعلنها على الملأ».
«يا الله يا الله، احفظ لنا نصر الله»، لم يمنعها عمرها الصغير من ترديد هذه العبارة، التي يبدو أنها تحفظها عن ظهر قلب «كأنشودة». تلك خديجة عبدالله ذات الثماني سنوات، التي صحبتها ابنة عمتها في المسيرة التي اخترقت أحياء المنامة، لم يبد أنها تدرك في الواقع ما يجري، غير أنها تعرف أن هناك أطفالاً يقتلون، ولا تعرف لماذا؟
وتستمر المسيرة مخترقة الأحياء القديمة في المنامة، يتقدمها «الرجال» المنظمون، ويتفرج عليها «العمال الآسيويون» على جانبي الطريق باستغراب، ويبعث على السؤال: «هل يعرف هؤلاء العمال ما يجري فعلاً؟»، لكن ربما يدرك العمال - الذين تحلقوا حول المسيرة إذ كان الجمعة هو يوم إجازتهم - الهدف من هذه المسيرة، فبين حين وآخر ترتفع أصوات أعضاء المسيرة صارخة باللغة الانجليزية «aciremA nwoD».
الأطفال... ليسوا استثناء
كان الأطفال المتحلقون في المسيرة جزءاً مهماً في ترديد الشعارات، التي لا يفهم غالبيتهم معناها نظراً إلى حداثة سنه، لكن الطفل علي يبدو استثناء من القاعدة، فعلى رغم أعوامه الأحد عشر، فإنه بدا متحمساً للغاية في حديثه عما يجري في لبنان، يقول علي إنه يشعر بالألم كلما شاهد ما يحصل في لبنان من قتل وتشريد، ويؤكد «لابد أن نخرج لنصرخ معلنين رأينا»، ويردد «الموت لإسرائيل... الموت لأميركا».
ليلى التي انتقلت حديثاً إلى الصف الأول الابتدائي، كانت تحمل علم البحرين وتسير مخترقة المسيرة، كان الارتباك يبدو عليها وهي لا تعرف بالضبط ما يجري حولها، وتبحث عيناها الصغيرتان في كل لحظة عن أمها التي تسير خلفها مباشرة، لتطمئن إلى وجودها بقربها، ثم تعود مرة أخرى للنظر إلى الأمام، إلى صديقاتها الصغيرات اللاتي يحطن بها.
لم تكن المسيرة على رغم صغر حجمها وقلة النساء فيها بعيدة عن التمثيل النوعي للنساء المتحلقات فيها، بدءاً من الأطفال الصغار، مروراً بالأمهات، والجدات، وانتهاء بالشابات.
زهراء عصام الطالبة في سنتها الجامعية الأولى، حضرت المسيرة بصحبة أخواتها وخالتها، دفعها الحضور إلى المسيرة شعورها بالغضب والاستنكار لما يحصل في لبنان، وعندما سمعت عن هذه المسيرة قررت ضرورة مشاركتها فيها.
تقول زهراء بحدة وحماس: «يجب أن نوصل صوتنا إلى الجميع، يجب أن نستنكر ما يحصل في لبنان ونقول إنه خطأ، غالبية المتضررين هم من الأطفال والنساء، ليس هذا بعدل».
لا أحب «إسرائيل»
على جانب من الطريق، بالقرب من المنطقة التي تمر فيها المسيرة، وقفت مجموعة من السيارات تنظر إلى المسيرة، يتقدم إحداها طفلان صغيران يحملان أعلام حزب الله، عبدالحميد وعبدالهادي يعرفان أن العلم الذي يحملانه هو علم نصر الله، لكنهما لا يعرفان أين تقع لبنان، ومن هي «إسرائيل»، عبدالهادي يصر على أنه لا يحب «إسرائيل»، ويصحح لأخيه الأصغر الذي كيف يجيب على السؤال «السهل الممتنع» : هل تحب لبنان أم «إسرائيل»؟
لكن كلاً من عبدالحميد وعبدالهادي، يبدوان مستمتعان جداً بالمسيرة، ربما اعتبراها ترفيهاً عن حر الصيف وشعورهما بالملل في العطلة، ويؤكدان «المسيرة حلوة، ياريتها كل يوم».
زوجة خالهم أم سلمان تؤكد أيضاً أنها تشعر بالسعادة وهي تشاهد هذه المسيرات، فقد حرصت على إحضار الأطفال لمشاهدة المسيرة لقربها من منزلهم في المنامة، وتؤكد ما قاله الطفلان «يجب أن تستمر هذه المسيرات لنقف مع لبنان وفلسطين والعراق» وتضيف «ندعو الله تعالى أن ينصر جميع المؤمنين والمؤمنات في جميع أقطار الأرض».
وعي على رغم صغر السن
وعلى رغم أن والدها أخبرها بالمسيرة وحثها على الخروج فيها، تؤكد زهراء عبدالواحد التي ستنتقل إلى الصف الأول الثانوي، أنها تؤمن بضرورة الخروج في مثل هذه المسيرات. وعلى رغم عمرها الصغير نسبياً، تبدي زهراء وعياً واضحاً ومتابعة لما يحصل في لبنان، فهي تتابع ما تعرضه قنوات التلفزيون من أخبار، وتتألم عندما تشاهد ما يحصل في لبنان وخصوصاً للأطفال الذين لا ذنب لهم، متأكدة أنهم أطفال لا ذنب لهم في الحرب، وتتألم زهراء أيضاً على لبنان الذي تدمر بأكمله، ولم يعجبها موقف الدول العربية، وخصوصاً الموقفين السعودي والأردني، إذ لم يشجبا «بصراحة وقوة» كل ما يجري في لبنان برأيها. وتضيف «يجب أن نخرج في المسيرات، ونكتب في الصحف وعبر وسائل الإعلام لنرفض هذه الحرب، ونوصل أصواتنا إلى الخارج. من واجبنا الوقوف مع حزب الله لأنه يدافع عن العرب والمسلمين في وفلسطين».
دعاء بالنصر لكل المظلومين
وبطريقتها العفوية البسيطة، وبلهجة أهل المنامة تقول أم محمد «الله يكيد كل ظالم وكل كذاب وكل منافق»، وعلى رغم أنها لا تستمع إلى التحليلات السياسية، أو تقرأ تقارير الصحف، فإنها تقول «الموت لكل ظالم وأولهم أميركا، وجميع عملائها، فالهم فال صدام، مثلما أخرجت أميركا صدام من (الحفرة)، فسيخرج عملاؤها جميعاً من حفر يوماً ما، أميركا لا أمان لها، فقد ساعدت صدام 8 سنوات في حربه على إيران، ثم أخرجته في النهاية من الحفرة، ويوماً ما سيخرجون جميعاً من الحفر فأيام الظالمين مقبلة، «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله» (البقرة: 249)، يحسبون أميركا «رأس مال»، وهي التي لا أمان لها. وتدعو أم محمد «الله ينصر كل المظلومين في فلسطين ولبنان، وكل الشعوب العربية المظلومة».
السماك تتقدم المسيرة وتلقي بيانها
تقدمت الناشطة جميلة السماك المسيرة النسائية كأية امرأة في المنامة، ملبية النداء الداعي إلى المسيرة، ورحبت بإلقاء بيان الشجب الذي أطلقته المسيرة، لتؤكد أن العدوان «الإرهابي الصهيوني» الذي يجري الآن على لبنان وفلسطين الملاحظ غالبيته واقع على النساء والأطفال، وأن دور نساء مملكة البحرين هو الشجب وإدانة هذا الإرهاب الواقع وخصوصاً على النساء والأطفال، والتأكيد على الوقوف مع الشعب كله ومع النساء والأطفال، وإيصال الأصوات إليهم لتقول لهم إن نساء البحرين معهم».
وتشعر السماك بكل الحزن والأسى عندما تشاهد ما يجري على الشعبين اللبناني والفلسطيني من تجويع وتشريد وقتل ودمار والكل صامت، وتؤكد أننا هنا لا نملك شيئاً إلا أن نصرخ «لبيك نصر الله»، فما نفعله مجرد مسيرة نمر بها لنبين للعالم بأسره أننا معهم. أما الأدوار الأخرى برأيها فهي تربية الأطفال وهم أجيال المستقبل على السير وراء الحق، ونبذ الباطل من أجل تحقيق العدالة في النهاية.
استجابة «منامية» وغياب للجمعيات النسائية
من جانبه، يقول نائب رئيس جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان حسين جواد إن فكرة إقامة مسيرة خاصة بالنساء مقتبسة من لبنان وهي فكرة جديدة لم تحصل في البحرين من قبل، وخصوصاً لأن تعاطف المجتمع النسائي عادة يكون أكثر من المجتمع الرجالي، والنساء هم أكثر فعالية من الرجال وخصوصاً لأن النساء والأطفال هم الأكثر تضرراً في لبنان.
ويشير جواد إلى أن اللجنة المنظمة قامت بدعوة جميع الجمعيات النسائية غير أن منها من لم تلب الدعوة على رغم تأكيد بعض الجمعيات بحضورهن.
أما عضو لجنة ضحايا التعذيب وعضو لجنة أهالي المعتقلين محسن مفتاح فيقول إن من حق المرأة أن تعبر عن رأيها، وتمنح الفرصة للاستنكار مثلها مثل الرجل تماماً، مشيراً إلى أن ما يحصل في لبنان هو عدوان ليس بغريب على «إسرائيل»، فهذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها هذا العدوان، إذ كانت تقصف المدن عدة مرات بمساعدة أميركا. ويشير إلى أن أبسط شيء نقدمه من البحرين تجاه هذه الحرب هو الخروج في المسيرات، علّ هذه المواقف تؤثر إعلامياً على المواقف الدولية.
بمضمارِ العُلا
طالعْتَ طِرْسَ العِزِّ
واستوعبتَ دَرسَ العُنفوانْ
قُلتَ: ماذا يجلبُ النَّصرَ؟
فقالتْ نفسكَ الحُرةُ:
إيمانٌ
وصبرٌ
وزِناد
وبَنَانْ
فتهيَّأتَ، وراهنْتَ على أن تَبلُغَ النَّصرَ
... وما خاب الرِّهانْ
يا ابن لُبنانَ... هَنيئاً
وحْدكَ النّاجحُ،
والعُرْبُ جميعاً...
سقطوا في الامتحانْ!
الشاعر: أحمد مطر
العدد 1423 - السبت 29 يوليو 2006م الموافق 03 رجب 1427هـ