العدد 3671 - الإثنين 24 سبتمبر 2012م الموافق 08 ذي القعدة 1433هـ

المليشيات في ليبيا تهيمن على وزارة الداخلية

أبرزت الغيوم القاتمة والمروحية العسكرية التي تحلق في السماء الحالة المزاجية للمجموعة الصغيرة التي تجمعت في ساحة الشهيد بطرابلس للاحتفال بالأبطال من شهداء ليبيا.

وجاء هذا التجمع الهادئ متناقضاً كل التناقض مع مسيرة 17 فبراير/ شباط في نفس المكان والتي امتلأت حماساً بمناسبة ذكرى مرور عام على الثورة ضد نظام القذافي. فقد احتشد الآلاف من الليبيين على الأرصفة وسط المدينة - وبعضهم يحمل صور للشهداء الذين فقدهم في الحرب- وأعربوا عن تفاؤلهم بمستقبل يحمل الازدهار والديمقراطية والسلام.

لكن هذا التفاؤل استبد ل بالقلق الشديد. فقد جاء مقتل سفير الولايات المتحدة في بنغازي، كريستوفر ستيفنز؛ ليسلط الضوء على المخاطر الناجمة عن انتشار الجماعات المسلحة منذ قيام الثورة. وغالبيتهم هم من القوات الحكومية الإضافية غير المدربة جيداً، والتي يبدو أنها تتصرف دون رادع في جميع أنحاء ليبيا، وتغذي التصور العام بأن الحكومة أضعف من أن تكبحها.

هذا ولقد أخرت الحكومة الموعد النهائي لقيام المواطنين بتسليم أسلحتهم طوعاً إلى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول بسبب المخاوف الأمنية. واقترح رئيس الوزراء، مصطفى أبو شاقور إعطاء النقود مقابل الأسلحة.

وهناك محمد رامي (22 عاماً)، ومحمد ناجي (19 عاماً)، اللذان تلقيا ثلاثة أسابيع من التدريب الرسمي بعد قتالهما في الثورة. وهما يرتديان أزياءً عسكرية غير متطابقة ويحملان «AK47»، وهما جزء من القوات الإضافية التابعة لوزارة الداخلية والمجلس الأعلى للأمن.

هذا المجلس، مثل درع كتائب ليبيا التابع لوزارة الدفاع، هو عبارة عن مجموعة من الجماعات المسلحة التي تعمل في ليبيا تحت السيطرة الفضفاضة لوزارة الداخلية.

ويقول تاجاري: «هناك الكثير من الناس الذين جاءوا لتسليم أسلحتهم... وقد طلبنا منهم إعادتها يوم 29، فبعد ذلك، سيتم منع المواطنين من حمل الأسلحة».

أما محامي حقوق الإنسان صلاح ميرغني، الذي أثنت عليه «هيومن رايتس ووتش» لعمله في مساندة المعتقلين في ظل نظام القذافي، فهو غاضب جداً من فكرة إعادة شراء الأسلحة. ويقول «سيؤدي ذلك لإنشاء تجارة مربحة للأسلحة ولن تنجح هذه السياسة في إزالة الكثير من الأسلحة من الشوارع». ويضيف «نحن بحاجة للتخلص من الأسلحة الثقيلة... لا الأسلحة الخفيفة فقط».

ويقسم الميرغني الجماعات المسلحة في ليبيا التي تعمل في الفراغ الأمني للحكومة إلى خمس فئات.

ويفسر أن ثلاثة منهم «يسهل التعامل معهم»: وهم المقاتلون الثوريون السابقون الذين يؤمنوا بأن واجبهم الوحيد هو حماية المواطنين وأولئك سوف يسلمون السلاح طواعية، ثم أولئك الذين يحرسون المصالح الوطنية بدافع من خدمة الواجب العام وتحقيق بعض الربح... وأولئك الذين يستفيدون حصرياً من منافع اقتصادية صغيرة.

ويقول الميرغني إن الفئتين الباقيتين هم فئات خطيرة»، وأولهما هم من المحكوم عليهم سابقاً والذين يرتكبون جرائم عنيفة بما في ذلك السطو المسلح وتجارة المخدرات. أما الفئة الثانية فهي من المقاتلين «الوهميين» مثل الموالين للقذافي أو المتطرفين.

وفي ضوء هجوم بنغازي، يقول الميرغني إن الليبيين لديهم شعور جماعي «بالخجل.. وهم خائفون الآن، فهم لا يريدون لبلدهم أن يتحول إلى صومال آخر يديره أمراء الحرب».

هذا ويجيء تحليل مجموعة الأزمات الدولية للجماعات المسلحة في ليبيا ليلقي الضوء على التحدي الجديد المعقد الذي تواجهه الحكومة.

فيقول التحليل إن سياسة نظام القذافي « فرق... تسد» سيطرت على المجتمعات المحلية عبر الأجهزة الأمنية الصارمة والتوزيع الانتقائي لموارد ليبيا الغنية.

وكما يقول التقرير، «وبمجرد إزالة الغطاء، كان هناك ما يدعو للخوف من الحرية للجميع، فالأعداد التي لا تحصى من الجماعات المسلحة التي انتشرت خلال الثورة سعت بشكل رئيسي لتحقيق المنفعة المادية، أو التأثير السياسي، وببساطة أكثر، الانتقام. وتفاقم ذلك الوضع نتيجة للفراغ الأمني الناتج عن سقوط النظام».

ويقول بيل لورنس، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية لشمال إفريقيا، في مقابلة مع وكالة إنتر بريس سيرفس، إن القادة السلفيين الذين قابلهم يلقون باللوم بشأن هجوم بنغازي على عناصر مارقة.

ويشرح «السلفيون الذين يشككون عامة في عملية التغيير السياسي في ليبيا في بعض الحالات -وليس في كل حالة - ينأون بأنفسهم عن عمل العنف هذا، ويدينون كل من الاغتيال والفيلم (عن الإسلام) الذي يثير الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم الإسلامي».

وبعض الليبيين يبدون مخاوفهم من أن الطائرات الأميركية بدون طيار، والاستخبارات العسكرية في الأراضي الليبية التي جاءت مع اغتيال السفير، قد تظل موجودة في ليبيا.

سامي خاسكوشا هو أستاذ في العلاقات الدولية، وهو القوة الدافعة في حرم جامعة طرابلس. وقد كان سامي عضواً ناشطاً في المقاومة المدنية ضد القذافي، ونظم مجموعة واسعة من مناقشات المجتمع المدني بعد تحرير العاصمة تحت شعار طموح مفاده: «برنامج جامعة طرابلس لإعادة بناء ليبيا».

ويقول سامي، «فجأة... قمنا بتحويل الجامعة إلى ورشة عمل ضخمة. وكان هناك الكثير من الحماس في ذلك الحين».

لكنه يقول إن المزاج قد تغير وتم تقليص الأنشطة عندما ورثت الحكومة الانتقالية - والتي اثبتت أنها أكثر تقليدية وأكثر محافظة- السلطة من الوزارات.

ويوضح، «في ذلك الوقت سيطر البلطجية على المكاتب وأعلنوا أنفسهم ككتائب في الجيش. بل وقدموا القوائم إلى وزارتي الدفاع والداخلية، وطلبوا المال والسيارات، وابتزوا الأعمال التجارية».

ويضيف، «تتم إدارة وزارة الداخلية الآن على أيدي الميليشيات وليس العكس. فقد أعطت الوزارة الشرعية للجماعات المسلحة للقيام بالاعتقال والاستجواب، وتأمين البنوك والمكاتب الحكومية والسفارات في غياب سلطة الدولة».

وهكذا ساهم تصاعد الجريمة بدون عقاب، والاشتباكات القبلية والهجمات المتعصبة ضد المواقع الدينية والمنظمات غير الحكومية، في خلق جو من عدم الاستقرار والخوف.

ويعمل صلاح الميرغني ضد كل هذا التسيب. وفي ضوء ممارسات التعذيب في مراكز الاعتقال التي وثقتها منظمة العفو الدولية وهيومن «رايتس ووتش»، يتولي صلاح توعية الجماعات المسلحة -بما في ذلك السجناء السابقين الذين يشرفون على السجون الآن - بضرورة الالتزام بتطبيق بروتوكولات حقوق الإنسان.

ويقول الميرغني، «في إحدى المرات، سألت كتيبة عسكرية إذا كانوا يعذبون السجناء. فقال أحدهم «لا، نحن لا نفعل ذلك، فنحن نضربهم بالفلقة فقط (على أقدامهم). وما لفت نظري أنه لا يفهم إن ذلك خطأ ويقع في إطار التعذيب».

ويقول سامي خاسكوشا «اعتقد أن الأمر سيستغرق عشرة إلى 15 عاماً كي يفهم الناس دور الديمقراطية والمجتمع المدني.

العدد 3671 - الإثنين 24 سبتمبر 2012م الموافق 08 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً