أوضح تقرير شركة سي بي آر إي، الخاص بسوق البحرين السكنية والمكتبية، للربع الأخير من العام 2012، إن معدّلات إشغال وإيجارات المكاتب في المناطق المتميزة ظلت مستقرة خلال الربع الأخير من العام؛ فقد شهدت مؤشراتها الرئيسة حركة طفيفة.
كما واصل اتجاه عرض المساحات التجارية من الفئة (أ) في الأماكن المتميزة تباطؤاً ملحوظاً.
وبيّن التقرير أن تركيز الطلب استمر على المساحات التجارية الأصغر ذات الإيجارات المنخفضة، والتي يسهل الوصول إليها وتتمتع بمساحات لصف السيارات في محيطها؛ إذ لاتزال هذه العوامل الأهم في نظر المستأجر.
واستقرت معدلات إيجار الشقق والفلل أيضاً، فيما واصلت السوق الثانوية تحقيق مكاسب متواضعة في بعض المواقع المختارة.
نظرة عامة
على رغم الاضطرابات السياسية الراهنة التي تخيم بظلالها على المملكة، لاتزال كلٌّ من مؤسستي فيتش وستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني تعربان عن رؤيتهما الإيجابية للتصنيف الائتماني السيادي الطويل الأجل للبحرين.
فعلى رغم أن كلتا المؤسستين قد أشارتا إلى قلقهما من انعدام فرص الحوار أو إيجاد طريق لحل التوترات المحلية، فقد احتفظت «فيتش» بتصنيفها لعملة البحرين بقائمة النقد الأجنبي عند المستوى BBB، فيما صنفتها على المستوى المحلي عند BBB+، بينما أبقت ستاندرد آند بورز التصنيفين عند مستوى BBB.
وقد أعلن مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين خلال الربع الثاني من العام 2012، أن نسبة النمو في القطاع غير النفطي قد بلغت 8.1 في المئة في العام 2011، وقد ذكر المحللون في الاستطلاع الذي أجرته «رويترز» بنهاية الربع الثالث أنهم يقدرون النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي للعام 2012 بـ 2.8 في المئة.
ولطالما كان القطاع لاقتصادي في المملكة مرسخاً بفضل حسن تنظيمه، بيد أن الأزمة السياسية التي شهدها العام 2011 عصفت بقوة بالبنوك المتعاملة مع الأفراد خصوصاً، ومع ذلك، فقد تعافت على مدار العام وصولاً إلى شهر يوليو/ تموز 2012، وحققت نموًا في موازناتها بنسبة 4.5 في المئة؛ فضلاً عن زيادة الودائع بنسبة 8.2 في المئة.
وقد أبدت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأخرى دعمها السريع لمملكة البحرين عن طريق إطلاق سلسلة من المبادرات الفردية والجماعية.
ومن ثم خصصت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية 10 مليارات دولار للاستخدام في قطاع الإسكان والبنية التحتية في المملكة. وقد أعلنت الكويت وحدها تقديم منحة بقيمة 273 مليون دولار لتمويل مشروعين؛ يخصص الكم الأكبر منها لتوسيع شبكة الكهرباء في البحرين وتحسينها.
وإضافة إلى هذا التطوير الأساسي في مشروعات البنية التحتية، تخطط المملكة لإطلاق عدد من المبادرات الكبرى الأخرى، من بينها تخصيص 4.8 مليارات دولار لشركة نفط البحرين (بابكو) المملوكة إلى الحكومة، واستثمار 2.2 مليار دولار بشركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، و1.2 مليار دولار بشركة الخليج لصناعة البتروكيماويات (جيبك).
كما تتقدم البحرين بخطط رئيسة لتنمية إنتاج الغاز من 1.5 مليار قدم مكعب يوميًّا يجري إنتاجها في الوقت الراهن إلى 2.5 مليار قدم مكعب بحلول العام 2020.
وقد أشار الأمير الوليد بن طلال أيضًا إلى تقديم دعم قوي للمملكة؛ إذ أعلن نقل المقار الرئيسة لمجموعة روتانا الإعلامية وقناة العرب الإخبارية إلى البحرين.
أما من جهة الأمور التي لا تدعو إلى التفاؤل، فمنها التكاليف المتزايدة لإنشاء جسر الصداقة الذي سيربط بين البحرين وقطر؛ الأمر الذي أدَّى إلى المطالبة بمراجعة المشروع، وقد يرجئ استكمال المشروع لعدة سنوات.
سوق المكاتب
ظلت سوق المكاتب هادئة خلال الربع الأخير من العام؛ إذ شهدت تحركات بسيطة سواء كانت في دخول السوق أو الخروج منها؛ فضلاً عن تباطؤ القوى الدافعة المنظمة للسوق. ولايزال تقبّل الناس للمساحات الجديدة والقائمة بالمنطقة الدبلوماسية ضعيفًا؛ إذ تعاني من تعذر الوصول إليها بالسيارات، والتجوال وضعف مرافق ركن السيارات، مع هجر العديد من المستأجرين لها على مدار السنوات القليلة الماضية.
بينما تواصل تركيز الطلب على المساحات الأصغر نظرًا إلى حساسية المستأجر الشديدة تجاه الإيجارات وسعيه الدائم إلى الحصول على مساحات تجارية مناسبة للحدِّ من إنفاق رأس المال.
ولاتزال الأبنية الجديدة المعروضة على أساس «الحد الأدنى من المتطلبات» غير جاذبة على الإطلاق للسوق، كما أن هناك أوجه خلاف بين المستأجرين المحتملين وأصحاب العقارات حول إنفاق رأس المال المطلوب لشغل المساحات المتاحة.
وقد أُجريت مؤخرًا عمليات توسيع لطريق الشيخ خليفة بن سلمان، الذي يُمثِّل في الأساس الكورنيش الشمالي؛ إذ تحول إلى طريق سريع من ست حارات؛ الأمر الذي أدّى إلى تحسين قدرة موظفي المكاتب على الوصول إلى الأماكن الممتدة على طول الطريق في المناطق التجارية مثل المنطقة الدبلوماسية. وعلى رغم ذلك لاتزال القدرة على الوصول إلى الأماكن داخل المنطقة ذاتها متعذرة، ويظل الإقبال عليها ضعيفًا.
ويواصل شاغلوا المساحات التجارية المتوسطة والمتميزة في البحرين وضع أولويات لمقومات الاختيار عند البحث عن مساحة شاغرة في الوقت الراهن، وهي كما يأتي:
أن يكون الموقع في حي السيف؛ أن تكون المساحة مناسبة؛ حوافز أخرى (مثل فترات إيجار مجانية)؛ مرافق صف السيارات؛ سهولة الوصول إليها.
ولفترة معينة، دفع قطاع النفط والغاز وشركات التأمين المطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية نمو الطلب على المساحات المكتبية بقدر محدود، إلا أن السوق قد احتوت هذا الطلب على نحو كبير الآن؛ الأمر الذي أدى إلى قيام نشاط في الوقت الحالي بين الوزارات الحكومية لإعادة تنظيمها.
وظلت معدلات إيجار المساحات التجارية مستقرة لعدة أشهر، دون أي اختلاف يُذكر، ونرى أن هذا يمثل أدنى مستوى لدورة الإيجارات الحالية.
ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن تحولاً سريعًا نحو النمو يلوح في الأفق بدخول السوق في المرحلة المقبلة، بل يعني أننا جميعًا مترقبون لانتعاش الأحوال الاقتصادية الذي قد يؤدي حتمًا إلى استيعاب المساحات الحالية الشاغرة ونمو معدلات الإيجار في النهاية.
سوق العقارات السكنية
تتواصل حركة سوق إيجار المساحات السكنية إلى حد ما على رغم التباطؤ الذي تشهده قطاعات التوظيف الكبرى. فقد استمر التعافي بنشاط قطاع الشقق مع ثبات معدلات الإيجار أخيرًا في معظم المناطق. وعلى رغم ذلك، فقد لاحظنا أن العديد من أماكن المجمعات السكنية لاتزال تشهد تراجعًا طفيفًا في الإشغال وقيم الإيجار على حد سواء. ويبدو أن اجتماع هذه العوامل يشير إلى أن التوترات السياسية في البحرين أدت إلى إحجام الوافدين مع أسرهم عن التوجه إلى المملكة، فيما ساهم الوافدون من غير المتزوجين على تحريك هذا الركود بعض الشيء.
ولقد دفع كلٌّ من نقص أماكن الإقامة الشاغرة و/أو المناسبة في المنطقة الشرقية للسعودية، وشعور الأجانب الغربيين بأجواء أكثر انفتاحاً في البحرين إلى ازدياد الطلب على المساكن في البحرين من قِبل الأعداد المتنامية من العمالة الأجنبية في المملكة العربية السعودية، والمدفوعة بحدوث طفرة في قطاع النفط والغاز خصوصاً. وذلك الأمر يهيئ فرصة مميزة للغاية لموقع البحرين، وخصوصاً للمجمّعات السكنية الواقعة في محيط منطقة الهملة (على الساحل الغربي للمملكة)؛ إذ يمكن للوافدين المقيمين فيها التوجه إلى المنطقة الشرقية السعودية عبر الجسر الذي يربط بين البلدين.
أما في قطاع إيجار الشقق فلاتزال معدلات إيجار المساحات السكنية بجُزر أمواج ثابتة، ونسبُ الإشغال مرتفعةً، نظرًا إلى شهرة المنطقة بين أوساط المهنيين الوافدين من الشباب. وعلى رغم إخفاق العديد من مشروعات الشقق الفاخرة في هذه المنطقة، إلا أنه يوجد عدد قليل من الوحدات الجديدة الشاغرة، وتعد خيارات المستأجرين الوافدين محدودة للغاية؛ فضلاً عن ارتفاع الأسعار إلى حد كبير. وتمثل جزيرة ريف وضاحية الجفير أكثر الأماكن شهرة باستعلام المستأجرين عنهما، وذلك لقرب جزيرة الريف من المكاتب التجارية وحي التسوق بمنطقة السيف؛ فضلاً عن وجود أبنية جديدة على أرضها، أما ضاحية الجفير فتضم مختارات من الوحدات السكنية الجديدة الشاغرة بأسعار تنافسية.
ومن المناطق التي يسكنها الوافدون والأكثر تأثرًا بالأسعار أيضًا العدلية والماحوز اللتان تقعان في أقصى جنوب المنامة؛ إذ إنهما من المواقع الرئيسة، ولكن وجود عدد كبير من الأبنية القديمة أدى إلى تفاقم ظاهرة قيام بعض مالكيها بتأجيرها إلى أطراف أخرى يؤجرونها بدورهم لأغراض «إقامة العمال». وغالبًا ما ينتهي الأمر بهذه الأبنية إلى قيام عدد كبير من الشباب الوافدين بتأجيرها والسكنى وسط أحياء سكنية عادية. وقد باءت محاولات تنظيم مثل هذا النوع من النشاط بالفشل إلى الآن، نظرًا إلى وجود معوقات أساسية يتعذر معها إثبات الوضع أو تفعيل الإجراءات.
وتتواصل مبيعات المساحات السكنية، وإن كان ذلك بطيئًا وقاصرًا على فئة محددة من المشترين. فلايزال التعامل مع احتياجات السوق «ذات الأسعار المعقولة» صعبًا لعدد من الأسباب. وغالبًا ما يكون أعقدها تأسيس الموقع والبنية التحتية، وكذلك أسعار الأراضي التي تتجاوز حدود الواقع التجاري، واللوائح الحكومية التي لا تتيح للقطاع الخاص في أغلب الأحيان طرح حلول مبتكرة؛ فضلاً عن ارتفاع تكاليف الرهن العقاري. فلايزال هذا القطاع حاليًا خارجًا عن نطاق مسار التنمية والتطوير؛ إذ ينخرط المطورون إما بمشروعات الأبنية الجالبة للدخل المتوسط أو المرتفع، أو يسعون إلى مساعدة الحكومة في برامج مشروعات الإسكان الاجتماعي.
العدد 3798 - الثلثاء 29 يناير 2013م الموافق 17 ربيع الاول 1434هـ