العدد 103 - الثلثاء 17 ديسمبر 2002م الموافق 12 شوال 1423هـ

حملة للقضاء على ذبابة تستسي في إثيوبيا

 

 المزارع يربت برفق على بقرته الصغيرة قرب كوخ خشبي في الريف الاثيوبي وهو يشرح ان الحيوان الهزيل الذي يشكل مصدر دخل رئيسي له سيموت قريباً. هذه البقرة وثلاث أبقار أخرى من قطيع ووركو تيغنغي المؤلف من تسعة رؤوس، مصابة بمرض «غيندي» أو Bovine Trypansomosisz (المثقبيات البقرية) الذي يهاجم الدم والأجهزة العصبية للماشية. مرض غيندي الذي تنقله ذبابة الـ «تستسي» - وهي حرشة صغيرة بنية اللون ذات مسبار طويل ومخيف يشبه الإبر تغرزه في ظهور الحيوانات لامتصاص الدم - هو عدو الفلاحين الذين يعيشون في المناطق الاثيوبية المنخفضة وفي 36 بلداً جنوبي الصحراء الافريقية. ويقول ووركو الواقف بين جماجم وعظام أبقار قتلها مرض غيندي: «إذا فقدت هذه الثيران الأربعة سأضطر إلى استخدام المعول اليدوي لحراثة أرضي ولن يكون لدي ما يكفي لإطعام عائلتي. سأخسر كل ما أملك». ولا يعرف الفلاحون في هذا الوادي النهري على بعد 185 كيلومتراً جنوبي غربي أديس ابابا بعد، ان منظمة الوحدة الافريقية وضعت برنامجاً للقضاء على ذبابة تستسي، بدعم تقني من وكالة الطاقة الذرية في فيينا فيما ستقدم وكالات تابعة للأمم المتحدة مساعدات مالية. وشنت منظمة الوحدة الافريقية في العام 2001 حملة شاملة للقضاء على الذبابة، عُرفت باسم حملة PATTEC بغية التنسيق وتعبئة الحكومات الافريقية كي تشارك في مشروع لإطلاق ملايين ذكور ذبابة التستسي جرى تعقيمها بأشعة غاما في المناطق التي تنتشر فيها الذبابة من أجل منعها من التناسل. ومعروف ان إناث ذبابة التستسي تتناسل مرة واحدة في مداها الحياتي البالغ 80 يوماً وتختزن لقاح الذكر في بطونها كي تنتج بويضة واحدة كل تسعة أيام وتفرخ عشرة فراخ في حياتها. وفي إطار المشروع نفسه ستستخدم أفخاخ وأهداف بشكل صفائح من المنسوجات مبللة بمبيد حشرات ومصممة لاجتذاب الذباب وقتلها. وكان المشروع قد بدأ بإطلاق ذكور الذبابة المعقمة في مالي في شهر أغسطس/ آب الماضي. ومن المقرر ان يكون معمل بني في اثيوبيا جاهزاً قبل نهاية السنة الحالية لتربية وتعقيم ذكور الذبابة كي يصار إلى إطلاق مليون ذكر في الأسبوع في هذا البلد الافريقي خلال السنوات الثلاث التالية، بحسب المنسق الاقليمي لحملة PATTEC جون كابويو الذي يقول إنه مقتنع بأن المبادرة ستنجح، مع انه ليس معروفاً كم ستكلف الحملة وكم من الوقت ستستغرق. ولكنه أضاف: «إننا سننجح حتى ولو تطلب ذلك مئة سنة». يذكر انه جرى إطلاق ثمانية ملايين من ذكور الذبابة في الزنجبار في التسعينات الماضية. وفي العام 1997 أعلن ان هذا البلد الواقع على المحيط الهندي أضحى خالياً من ذبابة تستسي. إن ذبابة التستسي التي تمثل أيضاً الطفيلية التي تسبب مرض النوم - النوع البشري لمرض المثقبيات الذي يقتل مئات الألوف من الأشخاص سنوياً - موجودة في افريقيا فقط، وهي تزيد طين الفقر بلة لأنها ستكلف أفقر قارات العالم 4,5 مليارات دولار سنوياً، بحسب PATTEC. وليس هناك لقاح فعال ضد المثقبيات والطفيلية التي تسبب المرض تكسب مناعة ضد الأدوية بسرعة. وتعتبر الأبقار شرياناً حياتياً في اثيوبيا إذ يعمل 85 في المئة من السكان البالغ عددهم 62 مليون في الزراعة. في الماضي كانت غالبية الاثيوبيين تعيش في المناطق الجبلية الخالية من التستسي والملاريا، ولكن بعد ان تضاعف سكان البلد الفقير خلال السنوات الخمسين الماضية تقلصت الأراضي واضطر الناس إلى الانتقال إلى المناطق المنخفضة الحارة والمعرضة للأمراض. ومنطقة غيبة، وهي منطقة جبلية وعرة على نهر غيبة الذي يعبر إلى الأراضي الكينية المجاورة، هي نموذج لنمط الانتقال السكاني إلى المناطق التي تنتشر فيها ذبابة تستسي. ووركو ومعظم سكان قرية ميدالو هم من العشائر الامهرية الذين جاءوا إلى المنطقة قبل سبع سنوات هرباً من الصراعات السياسية التي عصفت بمنطقتهم الأصلية. كانوا يعرفون أمر ذبابة التستسي وخطر الإصابة بالملاريا. ومنذ ذلك الوقت نفقت ألوف الرؤوس من أبقارهم ومعازهم وحميرهم على رغم خصوبة التربة. ووركو البالغ من العمر 62 عاماً يقول وهو جالس على كرسي من الخشب وجلد البقر: «انظر لا أستطيع شراء خفين جديدين». إلا ان بعض العلماء يشكون في نجاح حملة القضاء على ذبابة التستسي. يقول الخبير البيولوجي في المعهد الدولي لأبحاث الماشية في كينيا جون رولاندز: «إننا متحفظون جدا. إن جدوى أسلوب إطلاق الذكور المعقمة غير ثابتة ولا نعتقد بأنها يمكن ان تستمر لأنه من السهل جداً ان تعود إلى مثل هذه المنطقة الشاسعة».

العدد 103 - الثلثاء 17 ديسمبر 2002م الموافق 12 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً