هناك ثلاث نظريات تتناول علاقة الانسان بالبيئة المحيطة به ومدى تأثير كل منهما على الآخر وتأثره به. النظرية الأولى تسمى النظرية الحتمية الحضارية، أنصار هذه النظرية يدعون ان الإنسان هو السيد فهو يشكل مكونات البيئة ويصوغها حسب النسق الذي يريده فهو وبما وصل إليه من علم استطاع تطبيع البيئة وتسخيرها أو حتى التغلب عليها بالكثير من البدائل والصناعات. القائلون بهذه النظرية يضعون الحضارة الغربية إثباتاً لنظريتهم، فالإنسان هناك استطاع بما وصل إليه من علم تغيير البيئة ولولاه لبقيت آلاف السنين (كما بقيت قبل ان تطولها يد الإنسان) بلا تغيير، مجرد غابات وأودية وجبال وهو الذي حول ذلك إلى مدن ومصانع ومزارع وحدائق وشق الطرق وأقام السدود وذلل المسافات بالسيارة والطائرة والسفينة. خلاصة النظرية «ان الإنسان هو منشئ البيئة التي يعيش فيها». فهو الذي تغلب على الطبيعة بقسوتها وعمل على تسخير مكوناتها لتحقيق أهدافه ورغباته. النظرية الثانية هي النظرية الحتمية البيئية: أنصار هذه النظرية هم التيار المقابل لنظرية الحتمية الحضارية فهم يرون ان اليد الطولى هي للبيئة على الإنسان وسائر الكائنات، فهي تقول ان الإنسان ما هو إلا صنيع بيئة تتحكم في سلوكه وطريقة معيشته وما عليه إلا ان يتأقلم معها. وهذه كانت النظرية السائدة إلى وقت قريب. أما النظرية الثالثة فهي مزيج من النظريتين السابقتين وتسمى بنظرية التأثير المتبادل (النظرية التوافقية) وبحسب هذه النظرية فإن التأثير متبادل بين الإنسان وبيئته. فعناصر البيئة ومكوناتها تؤثر على الإنسان وسائر الكائنات التي تعيش فيها في الوقت ذاته تتأثر مكونات البيئة بالانسان والكائنات الحية التي تعيش فيها ويختلف هذا التأثير باختلاف الإمكانات والظروف عدا عن مدى تطور الإنسان وتقدمه. مثلاً: مع توافر الإمكانات المادية استطاعت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تحويل الصحراء إلى حدائق الصحراء إلى حدائق غناء، ومزارع فاكهة وحقول قمح. بينما بقيت الكثير من الصحارى كما هي لغياب الإمكانات، الجبال هي نفسها في كل مكان إلا انها تكون حاجزاً كبيراً في الدول الفقيرة بينما تشق الدول المتقدمة الانفاق لكسر المسافة. بغض النظر عن النظريات الثلاث، يقوم الإنسان ببناء السدود للسيطرة على فيضانات الأنهار وينشئ المصانع ومحطات توليد الكهرباء، ويستخدم السيارات والطائرات لتقليل المسافات. يستخدم علمه ومعرفته لقهر الطبيعة، يقتلع الغابات لبناء المدن وللزراعة ويستخدم المبيدات ليقتل الحشرات ويقتل معها آلاف الطيور، يسمم التربة ويستنزفها بإفناء غابات بأكملها لصناعة الأثاث ولصناعة الورق والنتيجة ابادة الكثير من الكائنات الحية والقضاء على الكثير من البيئات الطبيعية ثم يأتي رد الطبيعة على شكل أعاصير وفيضانات تدمر في لحظات ما استغرق الإنسان في بنائه عشرات السنوات وكأنها تحتج على تدنيس الإنسان لها باسم العلم. ويثور بركان واحد ويدمر قرى ومدناً في غمضة عين، لتخفيض درجة حرارة الأرض درجة واحدة بعد ان رفعها الإنسان درجات عن طريق مصانعه وما تنفثه آلات حضارته من غازات.
العدد 103 - الثلثاء 17 ديسمبر 2002م الموافق 12 شوال 1423هـ