العدد 1107 - الجمعة 16 سبتمبر 2005م الموافق 12 شعبان 1426هـ

"حرب الأفكار" ومخاطر الفتنة الكبرى

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة أمر خطير بات يدق أبواب بيوتنا، بل وحتى مخادعنا وغرف نومنا نحن المسلمين والعرب بشكل خاص. يبدو وكأننا غافلون عنه تماما، انه "حرب الأفكار" التي تغزو بلداننا ومجتمعاتنا بشكل لا سابقة له ابدا. "حرب الأفكار" هذه هي ليست من نوع الاختلاف على تفسير أو تأويل الكلمات أو المصطلحات أو المقولات أو المعايير كما يظن البعض لأول وهلة! ولا هي من نوع الحرب على الاخلاق أو اشاعة الفساد والتحلل الخلقي أو ما شابه مما يمكن ان يذهب إليه البعض الآخر المهتم "بظواهر" الاخلاق و"طقوسها" سواء بحق أو بغير حق! انها "حرب الأفكار" التي اختارها طلاب الحروب ومصاصو الدماء والباحثون عن الربح السريع والتواقون إلى الهيمنة والسيطرة على الموارد الرئيسية في العالم والمتكدس منها بكثافة في عالمنا العربي والإسلامي، وفي مقدمتها المياه والنفط والغاز والمعادن الثمينة. انها "حرب الأفكار" التي تقلب الموازين رأسا على عقب، "حرب الأفكار" التي تحرض على الجميع من دون استثناء عدا "السيد" الامبراطوري الذي يحلم بالسيطرة والهيمنة على الجميع من دون استثناء. "حرب الافكار" التي تحرض أصحاب كل ثقافة أو حضارة على أصحاب أية حضارة أو ثقافة أخرى من دون تمييز أو ترو أو تأمل، فقط لأنه "آخر" لا يخضع "للسيد" الامبراطوري الذي يطالب بإلحاح بـ "عولمة" العالم تحت معيار واحد لا يقبل القسمة على شيء مطلقا! "حرب الأفكار" التي تحرض أصحاب الديانات السماوية على بعضها بعضا، "حرب الأفكار" التي تحرض القوميات على بعضها بعضا "حرب الأفكار" التي تحرض الطوائف والملل والنحل على بعضها بعضا، "حرب الأفكار" التي تحرض الدول والاحزاب والقوى والمنظمات كلها على بعضها بعضا... الخ. لكنها بالمقابل تطالبك بإلحاح وتلزمك بقوانين ومشروعات قرارات دولية تمنع "التحريض" على مقاومة "حرب الأفكار" هذه! وتتهمك متلبسا "بجريمة" الارهاب حتى اذا ما ألقيت خطابا يدافع عن حق الشعوب والأمم في الدفاع عن قضاياها العادلة! أليس هذا هو مضمون المشروع الذي مررته أميركا في القمة العالمية الأخيرة رافضة التعديلات التي ارادت التمييز بين المقاومة والارهاب أو الاتفاق على الاقل على تعريف واضح ومحدد للإرهاب يأخذ في الاعتبار ما تكفله القوانين الدولية السابقة والشرائع العرفية والسماوية من حق مكافحة كل اشكال الظلم والقمع والارهاب المنظم الذي تمارسه قوى الاستعمار القديم والجديد في كل انحاء العالم؟! ان "حرب الأفكار" هذه هي السبب الحقيقي في بروز وتبلور ونمو حروب "التكفير" والفتن الدينية والطائفية والقومية التي باتت اليوم تتقاسم الادوار مع "حرب الأفكار" الامبراطورية في استباحة الانسان المسلم والعربي في بلدانا الممتدة من طنجة إلى جاكرتا. اذا كان ما يجري في افغانستان اليوم ليس حربا أهلية سببها "حرب الأفكار" للسيطرة على الموارد في آسيا الوسطى والقوقاز، ومن أجل لجم التنين الصيني ومحاصرته واخراج الروس من معركة تقاسم النفوذ والاحتواء المزدوج للقنبلتين الهندية والباكستانية، فما هي نوع هذه الحرب اذا؟! اذا كان ما يجري من حرب تمزيقية واستئصالية وتكفيرية في العراق بين ملل وطوائف وأقوام لم تعرف يوما "الحرب على الهوية" الا بدخول "السيد" "المخلص" و"المحرر" لها، ليس حربا اهلية في خدمة نظرية "فرق تسد" حتى يصل الاسرائيلي الى حدود نهر الفرات "سلما" بعد فشله في اكتساحها حربا، فماذا تكون اذا عناوين هذه الحروب التي تستبيح العراق اليوم وشعبه بشكل غرائزي مقيت لا سابق له؟! وإذا كان ما يجري في لبنان من "بعث" واع لكل اشكال الكيانية اللبنانية التي تجعل اللبناني لا تستقيم "لبنانيته" ولا تستوي الا بقتل الفلسطيني، كما جاء في بيان "حراس الارز" من اليمين الفاشي "المسيحي" الذي افرزته "ثورة" الارز التي ولدت تحت غطاء وحماية "الانتداب الفرنسي الأميركي الديمقراطي" ليست نذر حرب أهلية في خدمة "حرب الأفكار" التي تحضر لفيدرالية الفوضى البناءة في لبنان والعراق وفلسطين وسورية وصولا الى إيران وتركيا ومصر والسعودية وسائر المشرق العربي والاسلامي، فما هو اذا عنوان هذه الحروب التي اشعلت عن سابق تخطيط وتصميم؟! ثم، من أدخل جمهور المسلمين في "شبهة" العداء لكل ما هو آخر غير التوظيف الرسمي للسيد الامبراطوري لجماعة منهم في حربه الباردة ضد السوفيات قبل ظهور البن لادنية والطالبانية؟! ومن أدخل الشيعة والاكراد في العراق في "شبهة" التعامل مع الأجنبي والكافر غير التوظيف الرخيص لعدد من المنتفعين والانتهازيين والعملاء الصغار ممن عجزوا عن ايجاد موقع لهم بين جمهور هذه الطائفة وتلك الملة المجاهدة والمكافحة والمظلومة غير "حرب الأفكار" التي خططت لفصل أكثرية هذا الشعب عن بحره العربي والمسلم ومحيطه الذي لا حياة له من دون السباحة فيه أو الموت في "بحر" الكيان الاسرائيلي "الميت"؟! ومن أدخل السنة العراقين والعرب عموما في "شبهة" الدفاع عن كل من وما هو مستبد وديكتاتوري وظالم وبغيض غير ذلك التحالف الانتهازي الرخيص للسيد الامبراطوري مع نظام مهترئ ويفتقد الى أبسط معايير الانسانية مثل نظام صدام حسين محملا عنوة تلك الطائفة الشريفة والابية كل آثام فعلته تلك، ثم يأتي ليطرح نفسه "الملاك" والمخلص الوحيد المخول لمحاكمة هذا النظام المتهالك، مبررا بذلك كل اعمال وممارسات التكفيريين والظلاميين ومشوها كل اعمال المقاومة الشريفة ضد احتلاله الغاشم من جهة، وفاتحا الباب واسعا امام حرب أهلية وفتن طائفية مقيتة ليصبح فيها الجو متقبلا وجاهزا لاحتضان "الطائفة" الأقوى والطائفة "الانقى" عرقا والطائفة الاكثر تماهيا مع "حرب الأفكار" الا وهي الطائفة الصهيونية المتمثلة بالكيان الاسرائيلي،؟ وبذلك يصبح اللجوء اليها والتعاون معها - من بعد الاعتراف بها طبعا - مشروعا ومبررا لدرء خطر اكبر! انه عصر الفتنة الكبرى التي يراد بها ان يقتل الأخ أخاه والزوج زوجته والابن أباه وان تستعدي كل ملة سائر الملل من حولها حتى يتسنى للسيد الامبراطور نهب ثرواتنا براحة بال واطمئان خاطر!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1107 - الجمعة 16 سبتمبر 2005م الموافق 12 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً