العدد 111 - الأربعاء 25 ديسمبر 2002م الموافق 20 شوال 1423هـ

التطوير الإداري يلازم الإصلاح السياسي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الورشة التي رعتها غرفة التجارة والصناعة مع ديوان الخدمة المدنية خلال اليومين الماضيين عالجت موضوعا مهما يتعلق بالبيروقراطية وضرورة التطوير الإداري لمواكبة حركة الإصلاح السياسي. وهذا الموضوع هو ما تطرقت إليه ندوة معوقات التنمية الاقتصادية التي رعاها سمو ولي العهد، ذلك لأن أي إصلاح سياسي لا يتحقق إلا إذا كانت هناك مواكبة إدارية لإنجاز السياسات.

والبحرين كانت قد بدأت في العام 1926 الإصلاحات الإدارية قبل أية دولة خليجية أخرى، وتأسست بذلك إدارات الدولة الحديثة، وتطورت الحياة تباعا.

البحرينيون سرعان ما طالبوا بإصلاحات سياسية لمواكبة تلك الاصلاحات الإدارية، إلا أن المستشار البريطاني تشارلز بليغريف وقف بشدة ضد أية محاولة للإصلاح السياسي، معتبرا شعب البحرين قاصرا ولن يحتاج إلى برلمان لمئة سنة مقبلة. وبحسب هذا الرأي فإن بليغريف كان يقول إن البحرينيين لا يستحقون برلمانا ولا يفهمون طبيعة السياسة الحديثة وانهم لن يحتاجوا إلى إصلاح سياسي إلا مع منتصف القرن الحادي والعشرين.

إلا أن الحركة السياسية البحرينية لم تخضع لمثل هذا الرأي ولذلك مارس الشعب حقه في التعبير عن مطالبه بكل الوسائل السلمية المتاحة له، وتمكنت الحركة السياسية من الاقتراب من مطالبها في العام 1956 عندما اعترفت الحكومة بأول حزب سياسي في الخليج (هيئة الاتحاد الوطني)، إلا أن الاحداث الدولية والمحلية تسارعت وأدى ذلك إلى إعلان حال الطوارئ وإدخال الجيش البريطاني لقمع الحركة الوطنية آنذاك.

وفي الوقت الذي كانت المطالب بالإصلاحات السياسية تقمع، كانت الإدارة البحرينية متفوقة على نظيراتها في الدول الأخرى، وتعّتبر الإجراءات الإدارية التي أشرف عليها بليغريف نوعية مقارنة بزمانها لأنها اعتمدت أساليب الحكم الحديثة. إلا أن هذه الإدارة التابعة للدولة (البيروقراطية) كبرت وهرمت وتضاعفت أعدادها وأصبحت لدينا مجاميع كبيرة من موظفي القطاع العام الذين يمتهنون تداول الأوراق ويتفنون في وسمها بالأختام وزيادة عدد موقعي كل طلب مهما يكن صغيرا، ومع ترهل الجهاز الاداري تعطلت مشروعات كبيرة وصغيرة، إضافة إلى ابتلاع هذا الجهاز المترهل موازنة الحكومة ولدينا في البحرين إدارات تعادل قرابة ضعف ما هو موجود في سنغافورة التي تعادلنا في المساحة ولكنها اكثر منا بسبع مرات في عدد النسمة. ولو كنا نمتاز على سنغافورة في دخل الفرد السنوي لما كان لدينا اعتراض ولكن الحال أن السنغافوريين لديهم دخل فرد أفضل قرابة ثلاث مرات من معدل الدخل في البحرين، مع أن تلك الجزيرة الصغيرة ليست لديها ثروات طبيعية.

وعلى هذا الأساس فإن الاصلاح السياسي مهما حمل من أفكار جميلة فإنها لا تتحقق إلا إذا كانت هناك إدارة متطورة، خفيفة الوزن، وفعالة لكي تتمكن من تنفيذ السياسات الجديدة.

البيروقراطية البحرينية أصبحت معقدة جدا وتعقيدها طبيعي بسبب شيخوخة أساليبها ومفاهيمها في شئون الدولة والمجتمع. واذا أردنا ان نسهل على القطاع الخاص كله وفسح المجال أمامه فإن ذلك يتطلب تدشين أفضل أساليب الحكومة الإلكترونية وتقليل متطلبات المعاملات الورقية والفترة الزمنية لتخليصها وعدد الجهات المعنية بها. والفكرة المتبعة في الدول المتطورة مثل سنغافورة، وحتى دبي، هي فكرة «المحطة الواحدة»، بمعنى أن الاوراق المطلوب تخليصها تذهب إلى محطة واحدة لها صلاحيات التعامل بها بدلا من تدويرها على دوائر الدولة وتعطيلها لأي سبب من الأسباب.

المستثمر الذي يجد أن عليه ان ينتظر وينتظر ثم قد لا تنزل في قلب ذلك الموظف رحمة به، إلا إذا كان ذلك الموظف يستفيد شخصيا من الاستثمار، ليس مضطرا إلى استثمار أمواله في بلادنا، ولديه خيارات كثيرة في الخليج وغير الخليج وكذلك المواطن الذي يتعب في تخليص أوراقه سيضطر إلى اللجوء إلى الواسطة وأساليب الفساد الأخرى للتخلص من أعباء البيروقراطية غير المفيدة الا لبعض من يحاول الاستنفاع بها عبر التطفل على اقتصاد البلد، ولذلك فإن التطوير الإداري الذي بدأ البحث عنه والتدرب عليه يحتاج إلى مواصلة جادة كما يحتاج لمزيد من الجهود من القطاعين العام والخاص لكي نتمكن جميعا من تخفيف وزن الإدارات المترهلة وتخفيف أعباء موازنة الدولة، واعادة توجيه الموارد البشرية لما هو أكثر نفعا وانتاجا ونموا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 111 - الأربعاء 25 ديسمبر 2002م الموافق 20 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً