العدد 1163 - الجمعة 11 نوفمبر 2005م الموافق 09 شوال 1426هـ

جدل في غير مكانه

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

الأربعاء الماضي، انطلقت مسيرتان متضادتان: المسيرة التي دعا إليها المجلس العلمائي والمسيرة التي دعت لها لجنة العريضة النسائية. الموضوع: قانون احكام الاسرة. وفي مساء اليوم نفسه، كانت الاوركسترا السلطانية العمانية تؤدي اعمالها الموسيقية في قاعة مركز الفنون بمتحف البحرين الوطني في امسية عدها البعض "انتفاضة موسيقية". هذه الصورة، يمكن ان تكون اكثر من مشرقة لبلد يعيش حرية تعبير وديمقراطية حقيقية. ففي احد معانيها المهمة تبقى الديمقراطية مرهونة دوما بقدرة الناس على التعبير عن آرائهم ومواقفهم بشكل حر. ولن يكون لهذا أي معنى اذا لم تكن هذه المواقف متضادة ومتعارضة ومختلفة والاهم ان يملك كل هؤلاء احتراما متبادلا لبعضهم والإقرار بان اختلافهم هو الامر الطبيعي. أي بعبارة اخرى، فان الديمقراطية هي اوركسترا تعزف فيها مختلف انواع الآلات الموسيقية، لكن المهم ان لا نسمع ألحانا نشازا. لكن يتعين علينا التدقيق قليلا، فما يبدو انه اختلاف قد يكون مضللا بعض الشيء. دعونا نتساءل: هل يعارض المجلس العلمائي إصدار قانون للأسرة؟ المجلس على ما يبدو لا يعارض إصدار قانون بل هو يتحدث عن آليات إصداره وتعديله. فالضمانات والاحتكام للمرجعية تتعلق بالآليات وليس بالرغبة في صدور القانون أم لا. الحكومة، المجلس الاعلى للمرأة والجمعيات النسائية وقطاع عريض من البحرينيين المنتظمين في جمعيات ام غيرهم يريدون صدور قانون من هذا النوع. الاهم ان رجال الدين انفسهم من الطائفتين باتوا لا يعارضون صدور مثل هذا القانون، بل ان مسودة القانون نفسه قام باعدادها رجال دين شيعة وسنة. اين المشكلة اذا؟ المشكلة ان كل هذا الجدل يدور فيما لم يطلع احد على مسودة القانون او مواده. واذا كان المجلس العلمائي والناشطات النسائيات قد اطلعوا على مواد القانون، فهم يديرون معركة استباقية. وفي كل الاحوال يصعب التصور ان رجال دين من الشيعة أو السنة سيقومون بوضع قانون ينتهك مبادئ الشريعة الإسلامية. وفي السابع من هذا الشهر، يعلن الشيخ عبدالحسين العريبي الرئيس السابق لمحكمة الاستئناف الجعفرية: "فعلا قد أخذنا المسودة الى حوزة قم المقدسة، واستخدمنا مركز البحوث القضائية، وقام المركز بمراجعة جميع المصادر الفقهية والمراجع المعروفين، وتم الاتفاق على المسودة من الناحية الشرعية". "الوسط - 7 نوفمبر". والاهم ان العريبي اعلن ان هذا التوجه تم بمباركة الحكومة عندما يشير الى ان "نائب رئيس الوزراء الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة كان قد تحدث عن أهمية موافقة المراجع الدينية". ولهذا يضع مفردة التأكيد "فعلا". ما المشكلة اذا، اذا كان لدينا قاض جعفري ساهم في صياغة مواد القانون واستعان في هذا بمراجع في مدينة "قم" وحصل على مباركتهم؟ وهو إلى هذا قاض يحظى بالاحترام: "إن بقاء الشيخ عبدالحسين العريبي وعلي العريبي في القضاء كان أفضل من خروجهما "..." نهجهما لإصلاح القضاء كان مفيدا وأن استمرارهما ولو بالفتات أفضل من خروجهما "..." أن فكرتهما في زيادة المحاكم كانت مرفوضة وغير مقبولة، أما اليوم وبفضل مطالبتهما أصبحت الفكرة مقبولة ولو استمرا في مطالبهما الإصلاحية لأثمرت تلك المطالب في تحسين القضاء". "الوسط - 8 نوفمبر". هذا ما يقوله الشيخ علي سلمان رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وهو إذ لا يغفل عن مسألة المرجعية يؤكد في الحديث نفسه "أن استبعاد المرجعية العليا في قم المقدسة يرجع إلى الحساسية السياسية من إيران وإلى الحاجة إلى مرجعية أحادية لاختلاف المرجعيات في المساحات الفقهية" ويؤكد "أن ذلك يجب أن يحسب للعلماء لأنهم أوجدوا مخرجا لإيجاد قانون تصادق عليه المرجعية العليا في النجف". على هذا يتعين علينا وضع موافقة المرجعية في إطارها الأصح. فأحد القضاة الشيعة الذين ساهموا في وضع مسودة القانون يعلن بكل وضوح أن مسودة القانون نالت موافقة مرجعية ظلت بالنسبة لنا تثير كل أنواع الحساسية مثلما يلحظ الشيخ علي سلمان، رغم هذا فان المسودة متفق عليها وتم قبولها. أما في الطرف الآخر فان موافقة مرجعية النجف تطرح الآن كشرط ترفعه مسيرات احتجاجية في الشارع، أي ضمن صراع إرادات بين المجلس العلمائي والحكومة. ألم تلمسوا الفارق. رأي المرجعية موضع ترحيب في أي وقت أكانت مرجعية "قم" أم مرجعية النجف لكن الفارق يكمن في الأسلوب. علينا الآن تلمس الحساسية في أفضل صورها. فالجدل الدائر اخرج القضية برمتها من إطار الاجتهاد الفقهي إلى الإطار السياسي بالكامل وجعلها تعريفا واضحا لحساسية أي حكومة في العالم. أما هذا التهميش للسلطة التشريعية إلى حد الازدراء فهو مبني على سوء الفهم نفسه. فلا احد بإمكانه أن يتصور ان كتلا نيابية من الإسلاميين السنة والشيعة وعشرات آخرين من الذين لم يعرف عنهم غير السوية الدينية بإمكانهم أن يمرروا قانونا مخالفا لروح الشريعة ولا يسعى لشيء من العدالة للنساء ويضمن استقرار العائلات. عدا عن هذا كله، فان هذا التهميش للمؤسسة التشريعية يتناقض كلية مع المطالبة التي لم تتوقف بدور حقيقي للبرلمان كمؤسسة تشريعية ومعبر عن المشاركة في السلطة والرقابة

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1163 - الجمعة 11 نوفمبر 2005م الموافق 09 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً