العدد 1211 - الخميس 29 ديسمبر 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1426هـ

ابتعدوا... ابتعدوا... لا شأن لكم بعالم الإنترنت!

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (الزمر: 9). كنت عزمت التطرق في هذا الحديث «اللوجيزتي» الثالث إلى شيء آخر غير ما تحمله طيات هذا المقال من حديث له علاقة مباشرة ووثيقة بما يشوب التقدم الإسلامي عموماً والعربي خصوصاً من شوائب وأمور، تطالبنا بصورة مُلِحة أكثر إلحاحاً من أمور يتعرض لها بعض مَن حملوا على كاهلهم مسئولية الرقي بالمجتمع فكراً ومعيشة، أو أشياء أخرى كثيرة ينشغل بها المتأسلمون كثيرو الصراخ قليلو العمل والإنتاج، وقاتلو الإبداع والأرض والزرع، إلا أن تصريح أحد المنطوين تحت عباءة الدين العظيم صرح بكلام لا أساس له ولا صدقية علمية، ضرب به أهم أدوات المعرفة العصرية التي عرفتها البشرية من نتاج عقول آمنت برفعة الإنسان وعلوه من بين جميع الكائنات، ويريد هو الحجر عليها وتوظيف منطقه المتأخر في تحويل البشر عن الاستفادة منها وتخويفهم لإبقائهم ضمن دائرة التخلف، حتى يتسنى له ولأمثاله السيطرة على عقولهم وتحويلهم من بشر يفكرون ويميزون بين الخير والشر، بينما هو قليل المعرفة بآليات هذه الأداة الأكثر من رائعة والأكثر إنسانية من بين جميع الأدوات المعرفية التي أبدعها البشر، وطرق عملها، ناهيك عمّا تحمله في طرقاتها الواسعة والسريعة من كنوز إنسانية لا مثيل لها. وأهم هذه الكنوز بالنسبة إلى مليار مسلم هي الكنوز الإسلامية التي أضحت بلمح البصر متاحة لبني الإنسان قاطبة من دون تمييز أو حجر أو مقص. لا أعرف لماذا تكون لدى بعض المتأسلمين الجرأة على الخوض في كل شاردة وواردة، وكأن الله عز وجل أعطاهم من علمه ما أعطى الأنبياء والمرسلين وأولياءه الصالحين. ونحن كعقلاء نغض الطرف عنهم عندما يخوضون في صحة الأحاديث النبوية الشريفة أو عدم صحتها. كما نغض الطرف عنهم حين يتحدثون عن صحة الوضوء أو الصيام أو عدم صحته، أو عندما يتحدثون عن وجوب لبس الثوب القصير بدل الطويل لأنه لا شأن لنا فيما يلبسه الإنسان غنياً أو فقيراً، طويلاً أو قصيراً، لأن مفهوم اللباس بالنسبة إلينا هو الحشمة وستر العورة. ونحن نغض الطرف عنهم عندما يتحدثون عن إطلاق اللحى، فهذا ليس من شأننا، فمن أراد أن يطلق العنان للحيته فله ذلك، ومن أراد أن يهين شاربه فله ذلك، وفهمنا لما ورد في كتابه الحكيم يجعلنا نمنح الإنسان حرية اختيار «الزينة» التي يراها مناسبة له «يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (الأعراف: 13). نحن نغض الطرف عنهم عندما يتحدثون عن الكيفية التي يتوجب على الإنسان المسلم الصلاة بها ولقاء ربه، لأننا لسنا على معرفة عميقة بشكلياتها، وإن كنا على معرفة حقة بجوهرها القائل إنها حلقة وصل بين الرب وعبده. نحن نغض الطرف عنهم عندما يتحدثون في أمور شكلية طارئة ليست من جوهر الإسلام في شيء، لأننا تعلمنا من الإسلام السمح الترفع عن صغار الأمور، وتعلمنا من القرآن «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل: 521). ونحن نغض الطرف عن كثير من أحاديث المتأسلمين الجدد لا خوفاً من الخوض فيها، ولكن لكوننا نؤمن بقوله تعالى: «فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُون» (الزخرف: 38 ). وحتى لا نأتي إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون فنقول: «وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ» المدثر: 54). هم يخافون الإنترنت لأنها فضحتهم، ولا محالة هي ذاهبة إلى أبعد من ذلك فستفضح زيفهم وتعريهم. هم يخافون الإنترنت لأنها ستعري الجهل الذي هم واقعون فيه، وهم يخافون الإنترنت كما خاف الجبابرة والعتاة من الكلمة، فيما سبق من عصور، لأنها فضحت ممارساتهم غير الإنسانية في حق شعوبهم وشعوب أخرى، فاستخدموا مقص الرقيب، غير أن المقص ذاته صدأت شفرته ولم يعد قادراً على ستر عوراتهم الظاهرة عياناً عبر التاريخ. يخافون الإنترنت كون المعرفة عموماً والمعرفة الإسلامية خصوصاً لم تعد حكراً عليهم وحدهم ولم تعد المساجد أو المآتم وحدها الأماكن التي تلقى فيها الخطب والمواعظ، فهناك الآن مساجد ومآتم افتراضية لا حصر لها ولا عدد، وهناك منظمات إسلامية تهتم بالإنسان وتطوّره، غير عربية صادقة في توجهها لخدمة الإسلام والمسلمين على أكمل وجه. وأصبح لرجال الدين العظماء مساحة لا يستهان بها على طريق المعرفة الواسع والسريع، وأصبح للقرآن وللأحاديث النبوية الشريفة مكان لا يستهان به، وأصبحت الحجج تقارع بالحجج لا بالسيوف والبنادق، وأضحى شباب الإنترنت المسلمون من كل ملة أكثر تحضراً وإنسانية إلاّ فيما ندر، إذ هناك بعض المسيئين للإسلام والمسلمين أكثر ضرراً من المواقع الإباحية التي يرجمونها. ولكي نعطي صورة إلى ما نذهب إليه ونتحمل مسئولية صدقيته، إليكم هذه الإحصائيات عن الوجود الفكري الإسلامي بشأن الجنس فقط، وبلغة واحدة ضمن محرك بحث واحد لا غير: هناك نحو 82 مليون موقع له علاقة بالمسلمين باللغة الإنجليزية وحدها، وهناك نحو 25 مليون موقع بالإنجليزية خاص بالإنسان المسلم، وهناك 02 مليون موقع له صلة بالمرأة في الإسلام بالإنجليزية، وهناك مليونا موقع له علاقة بالمصارف والإسلام، وهناك 11 مليون موقع عن الديمقراطية في الإسلام، و02 مليون موقع عن التربية في الإسلام» أما صورة الدعارة في الإسلام فلا تتعدى 0051 موقع. وكان حرياً بهم أن يضيفوا إلى هذا الكم القليل من المواقع عن الدعارة وأحكامها في الإسلام بدل الصراخ في كل واد . أما عن بيع النساء لأجسادهن فلا يتعدى الرقم النصف مليون. وأما عن تعدد الزوجات فهناك نحو 004 ألف موقع، وعن الزوج الأحادي هناك ما يزيد على 001 ألف موقع، مقابل 02 مليون عن العلوم في الإسلام، و4 ملايين موقع فقط عن القرآن الكريم، وأكثر من مليوني موقع عن الاحاديث النبوية بالإنجليزية، وبالإمكان ذكر المزيد. والسؤال: لماذا يخاف هؤلاء من الصور الإباحية؟ ومن الذي أرشدهم إلى هذه المواقع؟ وكيف تسنى لهم الدخول إليها؟ أسئلة بحاجة إلى إجابة. فأنا أعرف أن الدخول إلى المواقع الإباحية تلك يحتاج الفرد في البدء إلى الموافقة الشخصية، والموافقة على الشروط التي تضعها تلك المواقع، أهمها أن الفرد تعدى سن الثامنة عشرة، وثانياً ان غالبيتها يتم عن طريق دفع اشتراكات شهرية أو سنوية أو دفعة واحدة مدى الحياة، أما إذا كانوا يشاهدون في تلك المواقع التي لها علاقة بالعلم صور إباحية وهم العارفون أنه «لا حياء في العلم» فذلك شأن آخر، فمثل تلك المواقع يوجد الكثير، منها الطبي والنفسي والفني، فهذه ليست مواقع إباحية بالمعنى المتعارف. فحين يطلبون أشياء ظناً منهم أنهم بهذا الطلب، يستطيعون وعبر شركات الاتصالات المزودة لخدمة الإنترنت، التحكم في هكذا أمور، فهم على خطأ كبير. المسألة ليست بحاجة إلى إغلاق هذه «الأوكار» على حد زعم كثيرين منهم، المسألة تحتاج إلى فهم صحيح، إلى تعليم صحيح، نوجه به الأبناء إلى أهمية الحياة الجنسية لأنها شيء طبيعي خلق مع الإنسان، مع التنبيه بأن هناك أمراضاً نفسية مصاحبة لهذه الحاجة الطبيعة للإنسان يتوجب على علماء النفس شرحها للمجتمع. فعلى هؤلاء الضاربين بمفرداتهم في كل اتجاه، ألا يعودوا إلى الخوض فيما لا يعرفون، فالإنترنت أكثر رحمة مما يتصورن، وهذه المواقع الإباحية كما يزعمون، تشير الدراسات إلى أنها حدت من اهتمام الناس بهذا الجنس الرخيص، حين رأت ببصرها وبصيرتها الأمراض التي تجلبها هكذا ممارسات رأي العين، وعلمت الشباب بمخاطر هكذا ممارسات وزودتهم بطرق وقائية كثيرة يستخدمونها حينما يمارسون الجنس بشكله الصحيح والطبيعي. هناك مواقع لا حصر لها تعلم الشباب الممارسة الصحيحة للجنس، منها فقط ما يزيد على 6 ملايين موقع عن الإسلام والجنس، منها ما يتحدث عن المنظور الإسلامي للجنس وعن أطباء الجنس الإسلاميين الجدد والتعاليم الإسلامية عن الجنس والتربية الجنسية والجنس في مشروع الزواج، ودراسات عن حمل المراهقات والجنس ودوافع السلوك، وغير ذلك من مواقع أترك للباحث الجاد أن ينظر إلى ما تحمله من إيجابيات وسلبيات، لا أن يأمر بدفن هذه الأداة وهي لاتزال بعد في قماطها. فليكف هؤلاء المتأسلمون الطارئون على الإسلام العظيم وفكره النير، عن الخوض فيما لا يعرفون، وليبتعدوا عن عالم الإنترنت، فلا شأن لهم بها من الناحية التقنية ولا الجمالية ولا الفلسفية، وليستفيدوا منها قدر استطاعتهم، إن كانت لديهم قدرة على الاستفادة من نشر أفكارهم. إن صراخهم هذا لا يخيفنا أبدا، فمستقبل الإنترنت خارج دائرتهم بكل صوره، لكن الخوف كل الخوف من أن يأخذ بكلامهم هذا آباء وأمهات ومشرعون وحكومات لا يعرفون من هذا العالم الرحب الجميل إلا أقل القليل. إن الاتفاق على «وضع ضوابط على محلات الإنترنت» لن يحل المشكلة، لأن العارفين بالإنترنت وعلومه يستنبطون الحلول لكل عملية «قمع» فكرية أو سياسية، فلا يمكن لأي رجل دين أو رجل سياسة أو رب أسرة أو جيش من البرلمانيين العرب أو الأجانب في تشريع «ضوابط» لها بالسرعة التي يستنبط فيها هؤلاء حلولهم. إن هؤلاء المتأسلمون الجدد الذين ما فتئوا يعممون مفرداتهم على جميع أبناء الوطن والعالم وكأنهم قديسون من دون تمييز ومن دون أرقام أو دراسات تثبت أن طلبة المدارس أضحوا بقدرة قادر «بلا تربية ولا تعليم» ولا أخلاق. إن من يذهب إلى المواقع الإباحية هم مرضى، ومرضهم نفسي تماما، وهذا المرض موجود مع الإنسان منذ أن خلق الله البشر، فكتب التاريخ تعطينا صوراً فاضحة لبشر يمارسون الجنس علناً وبأوضاع لا يعرفها الإنسان العصري على جدران العصر الحجري والبرونزي، رسمها أناس بدائيون جداً يوم كان إنترنتهم تلك الجدران الصخرية، يراها كل فرد في المجتمع، وربما كا

العدد 1211 - الخميس 29 ديسمبر 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً