العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ

تراجيديا المياه الطبيعية في البحرين

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

يستخدم مصطلح «تراجيديا أو مأساة الموارد العامة» Tragedy of the Commons)) لوصف المشكلة الرئيسية التي تعاني منها هذه الموارد بسبب الاستخدام المفرط لها، إذ يتم إطلاق هذا المصطلح بشكل رئيسي ليصف حال الموارد الطبيعية التي يتم استنزافها من دون قيود تنظم استخدامها بشكل يضمن استدامتها. ويقصد بالموارد العامة أي مورد طبيعي مشترك بين الناس مثل الهواء الذي نستنشقه، أو الثروة السمكية في البحار، أو الشواطئ، أو المياه التي نستخدمها من مصدر مشترك، مثل المياه الجوفية.

وأول من أستخدم هذا المصطلح هو جاريت هاردن في ورقة علمية نشرت في مجلة العلوم (Science) «في العام 1968، وكانت الورقة مهتمة أساساً بقضية النمو السكاني في العالم آنذاك، وتطرقت بشكل عام إلى استخدام الموارد الطبيعية مثل الهواء والمحيطات وتأثير التلوث على هذه الموارد بسبب زيادة الأنشطة الإنسانية. وتُعزى هذه الظاهرة إلى مجموعة متداخلة من الأسباب مثل زيادة النمو السكاني والاقتصادي وبالتالي التنافس على الموارد الطبيعية، والجشع الإنساني لتحقيق الربح، ومنطق المستفيدين من المورد «لماذا يجب علي أنا تقليل استخدامي بينما لا يقوم الآخرون بذلك؟»، وعدم كفاءة تنظيم استخدام المورد وإدارته من قبل المجتمع.

ومن الأمثلة الكلاسيكية التي تطرح لتوضح هذه الظاهرة هي المراعي العامة، إذ أن كل راع من الرعاة المستخدمين للمرعى، إذا ترك له الخيار، سيعمل على زيادة عدد رؤوس القطيع لزيادة دخله مع الوقت «وكأنهم يتبعون النصيحة المشهورة لكارل ماركس في العام 1875م (كل يأخذ بحسب حاجته...!)»، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى زيادة الحمولة الرعوية «والتي تقاس بعدد الرؤوس في وحدة المساحة» إلى أكثر من طاقة المرعى، ليصبح الرعي جائراً، ويبدأ تناقص الأعشاب ويفقد المرعى القدرة على إعادة إنتاجها من موسم لآخر، مؤدياً في النهاية إلى تصحر المرعى، أي فقدان إنتاجيته، وخسارته بالكامل. وبمعنى آخر أنه بزيادة عدد رؤوس الماشية فإن الراعي يحقق مكسباً يعود له وحده ولفترة معينة، ولكن الخسارة المتمثلة في تدهور حال المرعى بفعل الرعي الجائر يتحملها كل مستخدمي المرعى والمجتمع ككل بما فيهم الراعي نفسه بعد حين.

وتعد مشكلة التناقص المستمر للمخزون السمكي في مناطق كثيرة من العالم، ومنها الخليج العربي، هي إحدى الحالات التي تنطبق عليها هذه الظاهرة، فإذا تخيلنا منحنى يمثل الإنزال السمكي السنوي «أي الكميات التي يتم اصطيادها سنوياً» مع الزمن، سنجد أن هذا المنحنى يكون في البداية عند مستويات منخفضة «مرحلة بدء استغلال الموارد السمكية» ثم يبدأ في التزايد وبشكل تصاعدي «مرحلة التنافس على المورد سواء بسبب زيادة أعداد الصيادين أو بزيادة عدد قوارب الصيد للصياد الواحد أو بإدخال تقنيات صيد تهدف إلى زيادة الإنتاج» حتى يصل إلى مرحلة القمة «الطاقة القصوى للمورد»، ومن ثم يبدأ في التناقص مع الوقت «مرحلة بداية التدهور» ليصل إلى مستويات متدنية جداً «مرحلة خسارة المورد». وكلمة المأساة تطرح هنا لتدل على أن هذا الاستخدام المكثف غير المقنن سيؤدي في النهاية إلى تدهور حال هذا المورد إلى المرحلة التي يكون فيها الجميع، أفراداً ومجتمعاً، خاسراً في نهاية الأمر.

وبشكل عام، فإن المعنى الذي يرمي إليه هذا المصطلح «تراجيديا الموارد العامة» هي أن الموارد العامة معرضة لسوء الاستغلال والاستنزاف وبالتالي تدهور حالتها وجاهزيتها للاستخدام وفي النهاية خسارتها، ما لم يتم تقييد استخدامها المكثف وتنظيمه للحدود الآمنة للمورد من قبل المجتمع أو الدولة، بواسطة سلطات مسئولة لديها الصلاحية القانونية الكاملة للمحافظة عليها وضمان استدامتها.

وجميع الحلول المطروحة للمحافظة على الموارد الطبيعية وصيانتها من هذا النوع من التدهور تشمل وضع وتنفيذ قوانين تنظم استخدام الموارد الطبيعية والمحافظة عليها ويجب أن تكون مبنية على أسس علمية واجتماعية واقتصادية، بحيث تضمن تنظيم استخدام المورد بشكل آمن وفي حدود طاقته الطبيعية، وتعظيم الرفاه الاجتماعي والاقتصادي منه وبشكل منصف اجتماعياً واستدامته لأطول فترة ممكنة.

وأحد الحلول التي تم طرحها تاريخياً هي خصخصة هذه الموارد على مستخدميها، فمثلاً بتقسيم أرض المرعى إلى قطع صغيرة وتمليكها للرعاة سيشجعهم ذلك على المحافظة على استدامتها، وفي هذه الحال عادة ما تتشكل أسواق للمتاجرة بأراضي المراعي بأن يدفع مستخدم المورد مبالغ نقدية للملاك الآخرين نظير استخدامه لأراضيهم. وكذلك الأمر في حال المياه السطحية، إذ يتم إعطاء حقوق استخدام هذه المياه السطحية للمستخدمين الذين تقع أراضيهم على مجرى النهر بواسطة جهة عليا تنظم وتفرض هذه الحصص، وكما في الحال السابقة وبسبب طبيعة الإنسان الميالة للتكسب، تتم المتاجرة بهذه المياه وتتكون أسواق للمياه تكون المتاجرة فيها بالحصص، كما هو حاصل في الولايات المتحدة الأميركية إذ يتم بيع حصص المياه بين المزارعين والمدن.

ولكن هذا النوع من الحلول لا يمكن تطبيقه في حال الموارد الطبيعية ذات الطبيعية الديناميكية والمتحركة، مثل الثروة السمكية أو المياه الجوفية إذ تتحرك وتنتقل الأسماك والمياه الجوفية من منطقة لأخرى، واستخدام المورد بشكل جائر من قبل فرد ما في منطقة ما، قد يؤدي إلى حرمان الآخرين من المورد نفسه في المناطق المجاورة، ولذلك فإنه يجب إدارة وتنظيم المورد الطبيعي في هذه الحال كمورد واحد وبشكل متكامل وشامل.

وإذا نظرنا إلى المياه الجوفية في مملكة البحرين سنجد أن الوضع لا يختلف كثيراً عما ذكر سابقاً، فهي في الواقع مثالاً حياً على ذلك، إذ تمتلك المملكة مورداً مائياً جوفياً طبيعياً يستمد مياهه بواسطة التدفق الجانبي من المملكة العربية السعودية بمعدل يصل إلى نحو 100 مليون متر مكعب سنوياً، وقبل الاستغلال المكثف لمياه هذا المورد المائي في جزر البحرين كانت هذه الكمية الواردة تتدفق طبيعياً على هيئة عيون طبيعية قارية وبحرية والتي اشتهرت بها جزر البحرين، وكان معظم سكان البحرين آنذاك يعتمدون على هذه العيون الطبيعية في تلبية متطلباتهم اليومية المتواضعة من المياه.

وفي مطلع الثلاثينات بدأ استغلال هذا المورد الطبيعي صناعياً بواسطة الآبار ومضخات السحب وذلك بالتزامن مع عمليات التنقيب عن النفط وما يصاحبها من حفر للآبار. ومع اكتشاف النفط وزيادة مداخيله والبدء في التنمية الحديثة بالمملكة وارتفاع مستوى المعيشة لسكانها وتنوع أنشطتهم الاقتصادية، بدأت الكثير من الآبار الخاصة بالانتشار بشكل تصاعدي وعشوائي ومن دون تنظيم، وزادت معدلات السحب السنوية لتصل إلى أكثر من 200 مليون متر مكعب في بداية الألفية الثالثة، أي أكثر من ضعف الإيراد الطبيعي للخزان المائي الجوفي، أو ما يسمى بطاقته الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض المستويات المائية ونضوب جميع العيون الطبيعية، وتملح المياه الجوفية في معظم مناطق البحرين، باستثناء شريط ساحلي ضيق يقع في الأجزاء الشمالية الغربية من جزيرة البحرين الأم.

ولقد أدت الكثير من العوامل للوصول إلى هذا الوضع المأسوي من خسارة هذا المورد الطبيعي وفقدان جاهزيته للاستخدام، ولكن يمكن حصرها أساساً في الإدارة غير الكفؤة لتنظيم استخدام المياه الجوفية آنذاك والاستخدام العشوائي وغير المنظم من قبل المزارعين وأصحاب الأراضي لها. وفي الأسبوع المقبل سيتم تناول الكلف التي يتحملها المجتمع البحريني من جراء تدهور المياه الجوفية، والجهود الحالية للجهات المسئولة عن المياه في إصلاح هذه الأوضاع، وتحليلها، وعرض لبعض الحلول والإجراءات الجذرية التي يقترح اللجوء إليها للمحافظة على الموارد المائية الجوفية في مملكة البحرين

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1269 - السبت 25 فبراير 2006م الموافق 26 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً