العدد 1342 - الثلثاء 09 مايو 2006م الموافق 10 ربيع الثاني 1427هـ

في ذكرى عيد العلم... طلابنا أمانة في أعناقنا

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

سنة بعد سنة تتفتح عقول طلبتنا وتتأكد قدراتهم، وتتركز عليهم الأضواء لألف سبب وسبب. انهم أجيال الألفية الثالثة من دون منازع، وأجيال المستقبل بكل تأكيد. لوترك لنا المجال لاختيار طلبتنا لفعلنا ذلك من دون تردد، لكننا نعجز عن تحقيق تلك الأمنية، إلا اننا في المقابل قادرون على إيجاد ما نتمناه. الفكرة ليست خيالية طبعاً، ولن يتم تحقيقها في الحال، فالتعليم وتثقيف العقول وتهيئة النفوس يستغرق وقتا أطول، وربما العمر كله. فشجرة السنديان الضخمة تنضج في مئة عام، والزهور لا تنبت في يوم وليلة، والشمس تشرق وتغرب في موعدها.

ان العالم اليوم، يشهد تغيرات جذرية في شتى جوانب الحياة، إذ انه يمر بمرحلة انتقالية بالغة الأهمية للوصول إلى عصر ما بعد الثورة الصناعية. عصر جديد تميز بنقلة نوعية غير مسبوقة. عصر اختلطت فيه الثقافات والقيم. عصر التجاذبات السياسية والعولمة وسيادة الحضارة الواحدة. عصر جديد من شأنه أن يخلق أزمات عسيرة، على البلدان المتقدمة والنامية معا، إذ انه يخلق حاجات ومتطلبات جديدة، بل متجددة بسرعة عصرها، كل ذلك يجعل العملية التعليمية على المحك، لأنه المنتج الحقيقي والواقعي والوحيد لإنسان هذا العصر الجديد.

انه ليس من الإسراف في القول ان التربية أصبحت من كبريات الصناعات، تلك الصناعة التي تتطلب المرونة والقدرة على التكيف والمشاركة المجتمعية بكل أطيافها، وهي تتسع كل يوم، وتتداخل وتتغير باستمرار، ولمثل هذا العالم الجديد، يجب أن نعد الجيل الجديد لهذه التغيرات، ونتساءل هل الجيل الجديد قادر على تلك التحديات؟ ومن المسئول عن إعداده؟ وبالأحرى على من يقع اللوم؟ وعلى من تجب المساءلة في حال الإخفاق؟

قال الغزالي «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه وكل معلم له ومؤدب، وان عود الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيّم عليه، والوالي له». نعم، الوزر على القيّم والوالي، وهما يمثلان الآن الوالدين، ووزارة التربية والتعليم، ونستثني المعلم إذ أصبح موظفا محكوما بآليات ومنهج ليس له من الخصوصية ما يمكنه من تحمل المسئولية.

ان الخوض في هذا الموضوع لا يعني بالضرورة ان نضع ما ذكرناهم في قفص الاتهام، أو نواجههم بقائمة من الأخطاء في قاعة محكمة، فالقضية ابتداء وانتهاء هي محاولة للوقوف على العلة ومكامن الزلل للوصول الى نتائج أفضل، ومستوى متميز من الأداء التعليمي والتربوي.

لا نبعد الوالدين عن المسئولية فهما عصب التربية وأساسها، ومن الغبن أن يتركا أبناءهما لأسوار المدرسة فقط، فأي الاحتياجات أكثر متطلبا لدى أبنائنا المادية منها أم المعنوية؟ وكيف للوالدين تقييم الأمور؟

لنقف هنا مع رسالة سطرها ابن لأبيه تحت عنوان يا أبت طمست الثقة في نفسي وأشعر أنني لست مؤهلا لدور في الحياة، جاء فيها: «كثيراً ما تحدثني يا أبت حديثا مستفيضا عن المستقبل، حديثا ألمس منه الحرص، وحرارة العاطفة لكن يا أبت لم أسمع منك يوما الحديث عن دوري في الحياة... ألا تشعر ان واجب التربية يفرض على المربي المتابعة لابنه ومعرفة مداخله ومخارجه، فما نصيبك أنت يا أبت من ذلك؟... جليس السوء يا أبت كنافخ الكير كما شبهه الرسول (ص)، وليس من وصف أبلغ من هذا الوصف. لقد كنت يا أبت تنهاني فعلا عن جليس السوء لكني اكتشفت بعد أن مفهوم السوء يحتاج إلى تحرير وتحديد... أبي توقظني لصلاة الفجر أحيانا، لكنك لا تزيد أن توقظني بكلمة واحدة ثم تنصرف، وكم من مرة تخلفت عن الصلاة فلم أسمع منك كلمة عتاب. أعطني جزءا من وقتك يا أبت: اقترح عليك يا أبت ان تمسك ورقة وقلماً وتسجل فيها كم ساعة تقضيها في العمل الرسمي من وقتك؟ ثم كم ساعة للراحة؟ كم ساعة للزملاء؟ كم ساعة لمشاغلك الخاصة؟ وأخيرا كم ساعة لتربية أبنائك؟ أخشى أن تجد إجابة مزعجة يا أبت».

نعم... نخشى أن نصل إلى نتيجة مفادها قول الشاعر:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من... هم الحياة وخلفاه ذليلا

ان اليتيم الذي تلقى له... أمّاً تخلت أوأباً مشغولاً

أما وزارة التربية والتعليم، فتقع عليها المسئولية الكبرى، خصوصا بعد أن أخذت الدولة على عاتقها مسألة التنمية البشرية، ولهذا بدأت تهتم بوضع نظامها التعليمي التربوي على الميزان بمعنى هل حقق الاحتياجات وهل سيفي بالالتزامات والمتطلبات؟ ولكي يكون كذلك، لابد من إيجاد منظومة يقاس بها فاعلية النظام التعليمي وجودته. وتحت عنوان جودة التعليم جاء في الفصل الرابع من تقرير التنمية العربية للعام 2002 أنه «توجد دلائل عدة على تناقص الكفاءة الداخلية للتعليم في العالم العربي، كما تتبدى في ارتفاع نسب الرسوب وإعادة الصفوف الدراسية، الأمر الذي يؤدي إلى إنفاق فترات زمنية أطول في مراحل التعليم المختلفة إلا أن المشكلة الأخطر تكمن في جودة التعليم».

ويسهب التقرير ليوضح أن أكثر جوانب أزمة التعليم في العالم العربي إثارة للقلق هي عدم قدرة التعليم على توفير متطلبات تنمية المجتمعات العربية. من المؤكد أن ما جاء في التقرير ليس سراً ولا يخفى على أحد لكن السؤال المهم هو إلى أي مدى يتم تطبيق أسس الجودة في مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية وبطريقة منهجية متكاملة؟ فالجودة ليست وسيلة بقدر ما هي سلوك، ومدرسة الجودة في الواقع هي فن تعليم الطلاب من دون إكراه. والنظام التعليمي في البحرين لا يستثنى من ذلك التقرير الذي لايزال يعاني من مواطن ضعف عدة وعلى رغم الإجراءات الحثيثة والمتواصلة فإنه بحاجة ماسة الى إجراءات إصلاحية دأبت قيادات التربية على تسميتها بإجراءات تطويرية وهناك فرق في ذلك، وخصوصاً فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي، وتنمية الكوادر البشرية المؤهلة، والتحليل المؤسسي، وتقويم المناهج الدراسية والقياس، ودراسة طرائق التدريس وتدريب المعلمين ومديري المدارس وغيرها. فتحسين التعليم وتجويده أمر مطلوب وملح من أجل التنمية البشرية، فهناك خلل ما في العلاقة بين التعليم والتنمية، ويتمثل هذا الخلل في غياب التنسيق والتكامل بين متطلبات التنمية المعاصرة، ونوعية التعليم في مدارسنا. والحلول المقترحة، يمكن تلخيصها فيما يأتي:

إلغاء المركزية في اتخاذ القرار في العملية التعليمية، إذ ينبغي مراعاة الفرد والجماعة المتمثلة في مؤسسات المجتمع المدني في اتخاذ القرار.

تحويل الإدارة التعليمية من إدارة يغلب عليها الطابع التنفيذي الى إدارة يغلب عليها طابع التخطيط والتشريع.

وضوح الأدوار وتحديد المسئوليات في المؤسسة التعليمية بكل هياكلها.

رفع مستوى الأداء لجميع العاملين في المؤسسة التعليمية من الإداريين، والمعلمين والفنيين.

تمكين إدارة المدرسة من تحليل المشكلات بالطرق العلمية الصحيحة والتعامل معها من خلال الإجراءات التصحيحية والوقائية لمنع حدوثها مستقبلا.

توفير الكوادر المدربة والمؤهلة، وتمكينها من ترقي الوظائف الاستراتيجية.

الشفافية في التوظيف، ومنع التمييز وغياب الآليات في شغل الوظائف. وان وزارة التربية والتعليم يجب - من باب الأولوية - ان تعم فيها ثقافة نيل الدرجة بالاستحقاق.

تفعيل العلاقات الإنسانية السليمة، المبنية على التفاهم والتعاون والعمل بروح الفريق الواحد بين جميع العاملين في المؤسسة التعليمية.

الارتقاء بمستوى الطلاب في جميع الجوانب الجسمية والعقلية، والاجتماعية، والنفسية، والروحية.

تعزيز التعلم من منطلق حاجات المتعلم ورغبته.

توفير التعليم الجيد للجميع من دون استثناء.

احتضان العمل المبدع وتهيئة الظروف والمعطيات التي تشجع على حدوثه.

التأكيد على ثوابت الأمة وخصوصياتها في التعليم، مع تنمية التفكير الحر، ونشر مبادئ الإنسانية والديمقراطية.

مساعدة التلاميذ لفهم أفضل لثقافتهم، وإعدادهم لمجتمع عالمي بعيد عن التعصب في احتضان أحادية الرؤية والتفكير.

كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 1342 - الثلثاء 09 مايو 2006م الموافق 10 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً