العدد 1363 - الثلثاء 30 مايو 2006م الموافق 02 جمادى الأولى 1427هـ

فشت العظم... سيرته الذاتية

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

القضية التي وحدت البيئيين والصيادين والهواة وتأسس لأجلها التكتل البيئي - الذي يتحرك لمساندة مطالبه السياسيون الآن أيضاً - كانت «فشت العظم». فما هو فشت العظم؟

أود أن أبدأ بتأكيد أن فشت العظم منطقة في البحر ليست جزيرة ولا صخوراً وسط صحراء بحرية جرداء كما تخيل البعض، بل منطقة بحرية ثرية بتنوعها الحيوي، ومنه الأسماك ذات الأهمية لدى الصيادين والمستهلكين كالهامور والربيان. يمتد فشت العظم من شرقي سترة شمالا إلى شرقي عسكر وجو جنوبا، بمساحة تقدر بنحو 200 كيلومتر مربع (أو 14 ميلا طولا و5 أميال عرضا)، ليشكل ثاني أكبر الفشوت البحرينية مساحة، وكان ذات يوم أغنى فشوت الخليج على الإطلاق وأكثرها انتعاشا بالشعاب المرجانية.

ويدخل في تكوين الفشت بشكل أولي الشعاب المرجانية التي تعد من أهم الموائل البحرية وأغناها وأندرها في العالم؛ إذ تشكل نحو 0,2 في المئة فقط من مساحات البحار والمحيطات، بينما هي الأعلى إنتاجية؛ إذ ينتج الكيلومتر المربع السليم منها نحو 35 طنا من الأسماك سنوياً؛ فبيئة الشعاب المرجانية المعقدة قادرة على توفير المأوى والتغذية والظروف المناسبة للتكاثر لكائنات بحرية كثيرة تقع في أسفل السلسلة الغذائية، وبذلك تلعب دوراً مهما في جذب كائنات بحرية أخرى تقتات عليها وتتعايش معها في علاقات مركبة مرتبطة بتوفير الغذاء والحماية، هذه بدورها تجذب كائنات أخرى إلى أن تكتمل المنظومة الحيوية، وهذا ما حققته الشعاب المرجانية عبر مئات بل آلاف السنين. فضلاً عن ذلك فإن بيئة فشت العظم تحوي إلى جانب المرجان موائل أخرى مهمة كالأعشاب البحرية والطحالب البحرية والتكوينات الرملية والصخرية التي تعمل كملاجئ للكائنات الحية.

الشعاب المرجانية على ثرائها وغزارة إنتاجها كمنظومة حيوية متكاملة إلا أن دورها يتعدى ذلك إلى أدوار حيوية ومهمة جدا تلعبها مع بيئات وموائل أخرى تفصلها عنها مسافات من البحر والأمواج أساساً بسبب مقدرة الشعاب المرجانية على امتصاص أثر الأمواج وتخفيف سرعتها وقوتها عندما تصل إلى البيئات الأخرى. فوجود فشت العظم على سبيل المثال في موقعه المذكور يعد عاملا مهما من عوامل انتعاش بيئات السواحل الشرقية من البحرين، والتي طالما نعمت بثراء وتنوع حيوي ابتداء بسرطانات الشبح البديعة التي حرمنا من التمتع بجمالها وظرافتها والسرطانات الأخرى التي كانت تميز سواحل البحرين، ومرورا بأسماك الميد والمنجوس الصغيرة التي تصاد «بالزراقات» والسلوس الآسرة التي لا تتعب من القفز فوق الماء في حركاتها البهلوانية البديعة، وصولا إلى الصافي والربيان الكثيف والهامور والكنعد وغيرها من الأسماك البحرينية المعروفة.

انتعاش الجزء الجنوبي من بحار البحرين بالأعشاب البحرية التي جذبت للبحرين ثاني أكبر قطيع لعرائس البحر (Dugongs) في العالم فضلا عن السلاحف البحرية الخضراء (Green Turtles) أيضا يعتقد أن وجود فشت العظم لعب دورا مهما فيه.

مشكلة الشعاب المرجانية أن نموها بطيء جداً، إذ إنه يتراوح بين 0,2 و0,7 سم في السنة، أضف إلى ذلك انها هشة ومن السهل إيذاؤها وتخريب أجزاء منها، فضلاً عن أن جمالها يجذب إليها الكثيرين ما يزيد من الضغط عليها وفرص إيذائها. كما أن ضحالة مياهها وكون أجزاء كبيرة منها عبارة عن تكوين متكلس من جراء تراكم المرجان الميت والمواد الكلسية التي يفرزها المرجان الحي ليختبئ داخلها إضافة للكائنات الأخرى التي تعيش وتموت في تلك البيئة، فإنها تعد تكوينا مثاليا يغري مرتادي البحر بتثبيت مراسيهم فيه، ما يحدث أضراراً كبيرة بأجزاء من ذلك التكوين من الصعب تعويضها.

في البحرين، إذ غاص غلغامش بحثا عن نبتة الخلود، تتعرض شعابنا المرجانية فضلا عن كل ما ذكر، إلى تدمير مباشر عبر شباك الجر ولاسيما شباك النايلون القاسية منها والتي لا تفلت شيئاً إلا دمرته وجرفته. ناهيك عن بعض الممارسات غير الحضارية كالصيد في الفشت نفسه باستخدام الشباك والمصائد المعدنية (القراقير). إلا أن ذلك لا يعد شيئاً مقارنة بعمليات الحفر والردم (لزيمتي التنمية العمرانية القائمة على تدمير البحر)، التي تنتج أشباحاً من الرمل الناعم (الطمي أو السلت) التي تصل إلى فشت العظم لتترسب على مرجانه وحشائشه البحرية وطحالبه بل وكائناته الحيوانية القاعية ولاسيما بطيئة الحركة وتقتلها خنقا.

فشت العظم إذاً ليس صخورا صماء لا حياة فيها أو أرضا بورا تبحث عن مستثمر! فشت العظم ثروة وطنية بحاجة إلى حمايتنا وإزالة آثار الاعتداء عن الفشت أو تقليلها لينتعش ويستعيد ثراءه.

ونحن إذ نحيي مواقف المساندة لمطالب التكتل البيئي لحماية فشت العظم من قبل بعض الجمعيات السياسية الفاعلة في البحرين، مازلنا نتساءل عن رأي متخذ القرار وبانتظار موقف واضح معلن وقوي من «جميع» مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالبيئة والمعنية بالشأن العام والمعنية بالمستقبل

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1363 - الثلثاء 30 مايو 2006م الموافق 02 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً