العدد 1427 - الأربعاء 02 أغسطس 2006م الموافق 07 رجب 1427هـ

هل العالم العربي يعيش عصر الظلمات؟

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

تعيش الأمة العربية في هذه الأيام حالاً من التفكك والتخلف والتخبط بشكل لم يسبقه مثيل. فالأمية تنخر المجتمعات العربية بشكل فاضح تصل نسبتها إلى أكثر من 40 في المئة من السكان في بعض الدول العربية، على رغم أن ديننا الحنيف بدأ بكلمة «اقرأ» ففي الوقت الذي نرى فيه معظم البلدان النامية رسمت الخطط للقضاء على الأمية، فإن الدول العربية عاجزة حتى يومنا هذا عن رسم خطة واضحة المعالم لردم هوة الأمية.

لم يتوقف الأمر على وجود الأمية وانتشارها، بل يصل الأمر إلى ما هو أخطر من ذلك وهو تخلف الدول العربية في مناهجها التعليمية وضعفها في إنتاج المعرفة. فقد ذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام ،2003 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن «المناهج الدراسية العربية تكرس للخضوع والطاعة والتبعية، ولا تشجع التفكير النقدي الحر. ويتجنب محتوى المناهج حفز التلاميذ على نقد المسلمات الاجتماعية أو السياسية، ويقتل فيهم النزعة الاستقلالية والابداع» (ص 53).

وذكر التقرير ضعف إنتاج الوطن العربي من المعرفة لدرجة تخلفه عن دول العالم الثالث، مؤكداً أن البلدان العربية تتخلف عن البلدان الناهضة في العالم الثالث، ناهيك عن تلك الرائدة في إنتاج المعرفة، في امتلاك مقومات مجتمع المعرفة سواء أكان امتلاك رأس المال البشري راقي النوعية أم كم الإنتاج المعرفي (ص 95).

ويلعب العامل الاقتصادي دوراً حيوياً في تقوية المجتمع ورفاهيته وتعليمه. وقد استفادت الكثير من الدول في تنمية اقتصاداتها على رغم صغر مساحتها وشح مواردها الطبيعية، لكنها وظفت العقول وافسحت المجال للحرية والديمقراطية، فبلغت درجة كبيرة في مجال المال والأعمال كاليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية.

ويتمتع الوطن العربي بثروات طبيعية هائلة أهمها الثروة النفطية التي هي عبارة عن محيطات يتم استنزافها من دون فائدة تذكر للشعوب العربية. يضاف إلى ذلك ما تملكه الدول العربية مجتمعة من مساحات واسعة، وثروات معدنية مختلفة، ومصادر مياه متنوعة لم يتم استغلالها الاستغلال الحسن.

وقد وفت الدول العربية عائد ثرواتها النفطية والزراعية في شراء الأسلحة المتطورة وتكديسها بشكل أثار استغراب الدول الغربية التي تزودها بالسلاح، وكأن الدول العربية تستعد لخوض حرب كونية لا سابق لها. وكان الأجدى أن يتم توظيف تلك المليارات من الدولارات في بناء نهضة الشعوب العربية في النواحي التعليمية والاقتصادية والصناعية، وتطوير الحال الاجتماعية، ووضع الخطط المستقبلية لمرحلة ما بعد النفط.

لقد جنت الشعوب العربية جراء ثرواتها الطبيعية ظاهرة انتشار الفقر بشكل جلي. فقد ذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 نسباً مرعبة ومخيفة للفقر تصل أقلها إلى 21 في المئة وأعلاها 85 في المئة. وقد أشار التقرير إلى أن مدى انتشار الفقر في البلدان العربية يزيد على المستوى المبلغ عن مجمل البلدان العربية في قواعد البيانات الدولية، خصوصاً تلك الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (ص 38).

وإذا ما اضفنا إلى تلك الانتكاسات غياب النظم الديمقراطية في الكثير من الدول العربية، وهي ما أشار إليها تقرير الأمم المتحدة الإنمائي في أكثر من صفحة وضمن أكثر من موضوع. ففي صفحة 28 يذكر الآتي: «يسود في البلدان العربية أدنى مستوى من التمتع بالحريات بين مناطق العالم» وفي صفحة 120 يشير إلى أن تحالف بعض أنظمة الحكم القهرية مع فئة من علماء الدين الإسلامي المحافظين قد أفضى إلى تأويلات للإسلام، خادمة للحكم، ولكن مناوئة للتنمية الإنسانية، خصوصاً فيما يتصل بحرية الفكر والاجتهاد ومساءلة الناس للحكم ومشاركة النساء في الحياة العامة.

طالب التقرير في صفحة 142 بوجوب احترام الكرامة الإنسانية، والإقرار بحق الاختلاف ونبذ سياسة التمييز بسبب اختلاف الآراء أو المعتقدات، وتشجيع الابداع ومكافآته. وخلص التقرير في صفحة 152 إلى أن كبح جماح الحرية بدعوى المحافظة على الأمن أو عدم الاخلال بالنظام العام، أو بالأخلاق، يحول دون الابداع والابتكار في بعض المجالات، ودون نشر ناتج الابداع عندما يبزغ على رغم التضيق والقهر. وقد أفرزت تلك الحقائق عن هجرة الكفاءات العربية إلى الخارج. فقد ذكر التقرير عدد الأطباء العرب الذين هاجروا إلى خارج بلدانهم بين العامين 1998 و2000 أكثر من 15000 طبيب.

وانصافاً للواقع فقد أشاد تقرير التنمية بتجربة مملكة البحرين الديمقراطية، وجاءت تلك الإشادة وفق هذا النص: «وقد اطردت التطورات المشجعة في البحرين فألغي قانون أمن الدولة الذي كان عنوان القهر في البلد، وأعلن أن الدولة تكفل حرية تكوين الجمعيات الأهلية والعلمية والثقافية والمهنية والنقابات، وإن الإضراب وسيلة مشروعة للدفاع عن حقوق العمال، وسمح بإنشاء جمعيات سياسية، وتوسع نطاق حرية التعبير بمساعدة من القضاء، وتحولت البحرين إلى مملكة دستورية» (ص 30). على رغم بروز بعض التطورات على صعيد المشاركة السياسية في بعض البلدان العربية وهي قليلة جداً، فإن الأمة العربية تعيش أحلك الظروف وأكثرها ظلمة وانحداراً في التاريخ المعاصر. فقد برز جراء مثلث الجهل والفقر والقهر ظاهرة الإرهاب والتطرف والتعصب والتشدد بين العرب المسلمين لدرجة أن كفر بعضهم بعضاً، وأباح بعضهم سفك الدماء المسلمة وفق قتاوى اعداء الإسلام والإنسانية.

ولنا أن ننظر إلى خريطة العالم العربية وما تلعبه افرازات ذلك المثلث من فوضى تدميرية في أرض الصومال، مروراً بمآسي إقليم دارفور بالسودان، وما يجري حالياً من هدر لدماء الإنسان العربي في العراق، والقتل اليومي في الضفة الغربية وقطاع غزة، والهجوم الوحشي الحالي على لبنان وتدمير بنيته التحتية، وحرب الإخوة في الصحراء الغربية، وهجرة العقول العربية إلى الخارج، والتخلف الاقتصادي والعلمي، وبروز ظاهرة التصحر في الكثير من البلدان العربية على رغم توافر مصادر المياه، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة... هذه الأسباب وغيرها جعلت الأمة العربية تعيش في هذه الأيام عصر الظلمات والانحدار.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 1427 - الأربعاء 02 أغسطس 2006م الموافق 07 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً