العدد 1465 - السبت 09 سبتمبر 2006م الموافق 15 شعبان 1427هـ

خصخصة قطاع المياه في البحرين... نوايا ينقصها التخطيط والرؤية المستقبلية (3-3)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تطرق المقال السابق إلى عملية خصخصة قطاع المياه في دول مجلس التعاون والدروس المستفادة منها، ومن أهمها ألا يتم اعتبارها وسيلة لتحاشي المسئولية الحكومية في تنظيم الموارد المائية وإدارتها، وأهمية دور الحكومة الرقابي والإشرافي لضمان تحقيق الأداء ومستوى خدمة المستهلكين المطلوبين، وبأن التخطيط لعملية خصخصة هذا القطاع الحيوي يحتاج إلى وضع رؤى وأهداف واضحة ومحددة ودراسة جميع الخيارات والنماذج المتاحة التي تتناسب وطبيعة المجتمعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتحقق المنفعة للمواطنين.

وعلى الصعيد المحلي يعود تاريخ الخصخصة في مملكة البحرين عموماً إلى العام 1989 حين شرعت الحكومة في تنفيذ برنامج للتخصيص تم بموجبه بيع جزء من أو كامل حصة الحكومة في غالبية الشركات المساهمة العامة (مثل شركة فنادق البحرين وشركة البحرين للهندسة وإصلاح السفن وشركة الفنادق الوطنية وشركة البحرين للسياحة وشركة البحرين للسينما وشركة البحرين لســحب الألمنيوم وغيرها...)، إلا أن هذه البرامج لم تكن ضمن إطار خطة استراتيجية ذات أهداف واضحة وكانت غير مقننة.

وفي العام 2002 أخذت عملية الخصخصة منحى واضحاً عندما صدر المرسوم بقانون رقم (41/2002) بشأن «سياسات وضوابط الخصخصة» والتي تنص المادة الأولى فيه على أن «التخصيص جزء من السياسة الاقتصادية لمملكة البحرين»، وتم تحديد القطاعات الخدمية والإنتاجية كقطاعات مستهدفة للخصخصة إذ تنص المادة الرابعة من المرسوم على أن «يشمل برنامج التخصيص قطاعات الخدمات والإنتاج، وخصوصاً قطاع السياحة وقطاع الاتصالات والنقل والكهرباء والماء وخدمات الموانئ والمطارات، وقطاع خدمات النفط والغاز وخدمات البريد، وأي قطاعات خدمية وإنتاجية أخرى».

وأوكل المرسوم وزارة المالية والاقتصاد الوطني سابقاً، حالياً وزارة المالية، بعد أخذ رأي مجلس التنمية الاقتصادية السياسات والضوابط الخاصة بسياسة التخصيص، ورفعها إلى رئاسة الوزراء (المادة 2)، وكذلك وضع الترتيبات الإدارية والفنية لتنفيذ برنامج التخصيص وطرح المشروعات المراد تخصيصها على القطاع الخاص بناء على معايير وضوابط واضحة ومعلنة بالتنسيق مع مجلس التنمية الاقتصادية والوزارة المعنية (المادة 3). وبناء على ذلك تم توحيد مشروعات الخصخصة في المملكة تحت إدارة واحدة في وزارة المالية.

كما نص المرسوم على أن يراعى التدرج في التخصيص بما يحقق استيعاب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والآثار الأخرى بما ينسجم مع استقرار وثبات الاقتصاد وتحقيق الضمان والأمن الاجتماعي (المادة 5)، وتم تحديد استخدام العوائد المتأتية من عملية الخصخصة في الصرف على عمليات إعادة هيكلة المشروعات المراد خصخصتها وتحريرها من أية ديون مترتبة عليها، وتمويل إنشاء مشروعات اقتصادية جديدة تسهم في تحقيق التنمية، وتمويل إعادة تأهيل العاملين في المشروعات التي تمت خصخصتها، وتسوية حقوقهم المالية (المادة 7).

وفي مطلع العام 2006 قامت الحكومة ببيع محطة الحد لإنتاج الكهرباء والماء لشركة متعددة الجنسيات (كونسورتيوم مكون من 3 شركات بريطانية ويابانية وبلجيكية) بمبلغ 738,2 مليون دولار أميركي (القيمة الإجمالية للمحطة 1,25 مليار دولار أميركي في العام 1999) بعد طرحها في مناقصة عالمية. وكما هو معروف فقد أثار هذا الموضوع جدلاً واسعاً بين الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ووزارة الكهرباء والماء بسبب مخاوف التسريح ومس الاستقرار الوظيفي لنحو 200 عامل بالمحطة 80 في المئة منهم بحرينيون، وهي من النتائج الطبيعية للخصخصة، إلا أن الوزارة طمأنت الموظفين وخيرتهم بين التقاعد المبكر بشروط مغرية أو البقاء في الوزارة أو الانتقال إلى الشركة. أما بالنسبة لمؤشرات الأداء والكفاءة فلا توجد معلومات متاحة عن تأثير ذلك على كلفة إنتاج المياه، إلا أن المسئولين في وزارة المالية يشيرون إلى أن سعر كهرباء محطة الحد الذي تتحمله الحكومة حاليا بعد تخصيص المحطة هو أقل من كلفة توليد الكهرباء سابقا، ولذلك فإن الحكومة لم تتخلص من عبء الاستثمارات الضخمة فحسب، وإنما كذلك تقليل حجم الدعم الذي كانت تقدمه لهذا القطاع.

كما أن هناك نية لخصخصة مرافق وزارة الأشغال والإسكان، ومن ضمنها مرافق الصرف الصحي، على مدى التسع سنوات المقبلة، أي تنتهي بحلول العام 2015، وتم تشكيل لجنة بين وزارة المالية ووزارة الأشغال والإسكان، والحصول على الموافقة المبدئية من مجلس الوزراء على طرح إدارة وتشغيل مرافق الصرف الصحي لمدينة المحرق على القطاع الخاص كمرحلة أولى من خصخصة هذا المرفق. وسيتم طرحها في مناقصة دولية عن طريق مجلس المناقصات بعد الحصول على الموافقة النهائية. وحالياً يقوم المسئولون بدراسة وتقييم ثلاثة خيارات لذلك، الأول هو خيار عقد البيع الكامل للقطاع، أي أن تقوم الحكومة ببيع أصولها وإدارتها للقطاع الخاص ويكون بدوره مسئولاً عن الاستثمارات المطلوبة والتشغيل والصيانة وتشتري الحكومة منه الخدمات بسعر محدد، والخيار الثاني أن تعطى إدارة المجاري إلى القطاع الخاص لمدة ما بين 10 - 15 عاماً ويتولى إدارتها وإجراء الصيانة الدورية لها ليعيدها لاحقا بعد انتهاء مدة العقد، والخيار الثالث هو أن يدير القطاع الخاص المجاري الحالية وينفذ التوسعات المستقبلية فيها. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تقليل الكلفة الاستثمارية والتشغيلية لقطاع الصرف الصحي على الحكومة ورفع مستوى الخدمة.

أما بالنسبة للترتيب المؤسسي المستقبلي لقطاع المياه فلقد صرح وزير الكهرباء والماء للصحافة المحلية منذ عدة أشهر بأن هناك توجهاً نحو تحويل الوزارة إلى هيئة أو مؤسسة مستقلة وبأن هناك دراسة أولية يتم اجراؤها حالياً حول هذا الموضوع. وهذا التوجه يأتي ضمن التوجه العام في المملكة نحو تحويل الوزارات الحكومية إلى «هيئات» مستقلة، أسوة بدول مجلس التعاون الأخرى مثل الأمارات العربية المتحدة وقطر، تستطيع العمل بأنظمة الشركات وكفاءتها التنافسية ولديها المرونة والسلطة التنظيمية والرقابية المطلوبة، وهذا توجه عالمي أثبت كفاءته ونجاحاته في الكثير من الدول.

إلا أن الأهم من ذلك هو أن تقوم هذه الهيئة (المؤسسة)الجهاز بالتخطيط الاستراتيجي المتكامل لإدارة قطاع المياه، الأمر الذي ما يزال مفقوداً في المملكة، وهو الدور الذي لم يتطرق إليه أي من المسئولون في تصريحاتهم الصحافية حتى الآن، إذ يحصر هؤلاء المسئولين الدور المستقبلي لهم في عملية الرقابة والإشراف، ما يثير المخاوف من استمرار الوضع الحالي في أسلوب الإدارة المائية، وأن ينظر إلى عملية خصخصة قطاع المياه على أنها هدف بحد ذاته بدلاً من أن تكون أحدى أدوات الإدارة المائية لرفع أداء القطاع ورفع مستوى الخدمة فيه، وعلى أنها ستحل مشكلات هذا القطاع المعقدة والمتشعبة، وهو أمر ليس بمقدور القطاع الخاص أن يقوم به، وهذا ما تحذر منه الكثير من الدراسات المتعلقة بالخصخصة في قطاع المياه.

إن الهدف الأساس العام للحكومة من عملية الخصخصة هو التخلص من أعباء المصروفات الرأس مالية العالية وتقليل اعتماد الاقتصاد على الحكومة وزيادة فاعلية القطاع الخاص في الاقتصاد ورفع أداء القطاع وتحسين مستوى الخدمة، الأمر الذي يحول الأجهزة الحكومية إلى سلطات إشرافية ورقابية من جانب ويمنح المسئولون عن قطاع المياه فرصة فريدة للتفرغ وتركيز الجهود على الجزء الأهم وهو تخطيط وإدارة الموارد المائية في المملكة. ويتطلب هذا الأمر إنشاء جهاز رفيع المستوى رأسياً وأفقياً، أي أن يكون على مستوى المملكة ويمثل جميع قطاعات المياه ليقوم بهذه العملية بشكل تكاملي، وأن يضم مستوى تخطيطي وإداري عالي، ما يستدعي إعادة تأهيل وتدعيم الخبرات والقدرات الحالية نحو القدرات الإدارية والتخطيطية للموارد المائية.

إن ما يؤخذ على عملية الخصخصة الجارية حالياً لمرافق قطاع المياه في مملكة البحرين هو غياب الرؤية المستقبلية والأهداف المتكاملة الخاصة بقطاع المياه ذاته ضمن أهداف الخصخصة العامة للحكومة، فهذه الرؤية والأهداف مازالت إلى الآن غير واضحة كما أنه لم يوضع أي جدول زمني لبرنامج الخصخصة. كما يؤخذ على عملية الخصخصة في المملكة عدم أخذها في الاعتبار خيارات وفرص تعظيم المنفعة للمواطن البحريني، وبدلاً من طرح مرافق وخدمات قطاع المياه على القطاع الخاص الدولي من خلال المناقصات العالمية قد يكون من الأفضل أن تدرس المملكة إمكانية إنشاء شركات مساهمة، يمكن أن تكون مشتركة بين القطاع الخاص العالمي أو المحلي، تطرح أسهمها على المواطنين المستهلكين، كما تم في دولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر، وذلك لتعظيم المنفعة الاجتماعية والاقتصادية لهم كأحد أوجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المملكة، بالإضافة إلى تقليل هواجس الأمن الوطني، والذي يأتي متماشياً مع ما نصت عليه المادة السابعة من مرسوم الخصخصة بشأن استخدام العوائد المتأتية من عملية الخصخصة في تمويل إنشاء مشروعات اقتصادية جديدة تسهم في تحقيق التنمية

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1465 - السبت 09 سبتمبر 2006م الموافق 15 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً