العدد 1472 - السبت 16 سبتمبر 2006م الموافق 22 شعبان 1427هـ

ناشئة اليوم... مسئولو المستقبل

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

إن ناشئة اليوم هم الذين سيقررون مستقبل البيئة والمياه سواء كسياسات وطنية أو كسلوك، ولذلك نجد أن هناك اهتماماً عالمياً متزايداً نحو تعليم الأطفال والشباب في الموضوعات والقضايا البيئية والمائية، وإدماجها ضمن العملية التعليمية يمكن أن يساعد في تربية الجيل القادم بالمعرفة والمواقف والسلوك الحكيم نحو البيئة والمياه والمصادر الطبيعية الأخرى، كما تمثل المؤسسات التربوية والتعليمية فرصة فريدة من نوعها من حيث جاهزيتها لرفع الوعي البيئي/ المائي بسبب احتواء النظام التعليمي على شريحة كبيرة من أفراد المجتمع لغرض التعلم، وكونها نظاماً قائماً ومجهزاً لإنتاج المادة التوعوية ونشرها.

كما يمكن للمؤسسة التعليمية كذلك أن تكون نقطة الدخول والمنفذ لرفع الوعي في المجتمع ككل من خلال نقل الطالب للمعرفة والسلوك إلى العائلة، إذ إن الناشئة ليسوا قادرين على تلقي المحاضرات والتعلم فقط، ولكن كذلك على أن يكونوا دعاة للبيئة. وفي الكثير من دول العالم المتقدم يتم الأخذ بمشاركة الناشئة كدعاة لحملات التوعية البيئية/ المائية بجدية قصوى بسبب تأثيرهم الكبير على نتائج هذه الحملات من حيث تغيير سلوك المجتمع الذي يعيشون فيه.

في مجال تخطيط برامج رفع الوعي البيئي/ المائي يعتبر النموذج التعليمي، مقارنة بالنماذج الأخرى مثل نموذج العلاقات العامة الذي يستهدف جميع أفراد المجتمع أو نموذج العمل المحلي الذي يستهدف منطقة معينة، الأكثر فعالية في التغيير الجذري للمجتمع على المدى البعيد. وعموماً نجد أن معظم البرامج التعليمية ذات العلاقة بالتوعية البيئية/ المائية تركز على ثلاثة مجالات رئيسية، وهي زيادة المعرفة، وتغيير السلوك، والتشجيع على أخذ زمام المبادرة للتغيير عند الطالب. فزيادة معرفة الطلبة يمكن أن يساهم في إنشاء وعي أكبر عن أهمية المحافظة على المياه والبيئة بشكل عام. والتركيز على التعرف على تأثيرات الأنشطة الإنسانية على البيئة وعلى أهمية تغيير السلوك الإنساني غير الرشيد تجاه البيئة والموارد الطبيعية، مثل الإسراف والهدر، يمكنه أن يؤدي في النهاية إلى بناء سلوك قويم للناشئة نحو البيئة والمصادر الطبيعية. بينما تذهب بعض البرامج خطوة متقدمة أكثر لغرس أخذ المبادرة من خلال توفير أنشطة وبرامج عملية خارج الصف. وعموماً فإن البرنامج الجيد هو الذي يحتوي على التركيبة المثلى للأهداف المختلفة، ويُوجد التوازن بين الموضوعات التعليمية والسلوكية. ولكن مثل أي موقع تعليمي ستظل أهمية التركيز على المعارف الأساسية موجودة دائماً، بحيث توفر القاعدة الرئيسية لعملية التغيير في العمل أو السلوك.

وهناك الكثير من البرامج التعليمية والأنشطة التي يمكن إدراجها ضمن أنشطة خارج الصف أو المنهج الدراسي مثل المسابقات وعقد الندوات العلمية من قبل الأكاديميين أو المسئولين عن البيئة والمياه، أو من قبل الطلبة أنفسهم بمساعدة المعلمين أو الخبراء الخارجيين، مثل الأنشطة المتعلقة بمراقبة الملوثات البيئية، والمخيمات الموسمية البيئية، والألعاب البيئية، وإدماج القصص ذات المغزى البيئي في القراءات المدرسية، والزيارات الحقلية لمواقع ذات علاقة بالقضايا البيئية في المجتمع يتم فيها تطبيق مبادئ الحفاظ على البيئة كالمصانع والمحميات، ومجلة الحائط البيئية والتي يمكن من خلالها طرح موضوعات بيئية، ومقابلة مسئولين عن البيئة...

أما في المراحل التدريسية المتقدمة فيمكن عمل ذلك عن طريق إشراك الطلبة في الكثير من الأنشطة مثل دراسة قضية بيئية معينة، أو كتابة خطاب إلى المسئولين عن البيئة بالدولة بشأن قضية بيئية معينة تمثل وجهة نظرهم فيها، أو كتابة مقالات بيئية للصحافة المحلية أو للمجلات التي تصدر عن الجهة المسئولة عن البيئة بالدولة، أو غرس الأشجار ضمن مشروعات التخضير أو تنظيف السواحل والشواطئ العامة وتحليل أنواع المخلفات ومصادرها، أو دراسة أوضاع المحميات (مثل محميات القرم) وتقديم تقرير مصور عنها، أو جمع البيانات البيئية.

كما ان إدماج الجوانب والقضايا البيئية والمائية يمكن عمله بسهولة في معظم الموضوعات التي يتم تدريسها بانتظام في المدارس، إذ تمثل الموضوعات البيئية/ المائية فرصة فريدة لإدماج حالات واقعية في المنهج الدراسي، الأمر الذي سيعمل على توجيه تفكير الطلبة للقضايا البيئية في المجتمع الذي يعيشون فيه، وإكسابهم مهارات مفيدة في مجالي البحث والنقاش.

وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن إدراج الموضوعات البيئية في المقررات التدريسية المنتظمة، فعلى سبيل المثال في مجال المياه، يمكن في مادة التاريخ إدراج العلاقة الوثيقة بين الماء والتاريخ والتركيز على تاريخ الحضارة الإنسانية وعلاقته بالماء، أو التسلسل الزمني للتطور التاريخي لاستخدامات المياه المختلفة في المنطقة، والقيم التي يحملها السكان المحليون نحو الماء وكيف انعكست هذه القيم على الموسيقى والفنون والشعر. وفي مادة الرياضيات يمكن إدراج تمارين لحساب العلاقات الرياضية المتعددة في مجال المياه، مثل العلاقة بين التطور في عدد السكان وحجم استهلاك المياه في مملكة البحرين، أو العلاقة بين كمية المياه المستخدمة في المنزل على مدار السنة مع درجة حرارة الجو. وفي مادة الكيمياء من الممكن إجراء الاختبارات المتبعة لتحديد جودة الماء، وطرق وآليات تلوث المياه ومصادرها. وحتى في مواد اللغة والفن يمكن إدراج موضوعات الأشعار المتعلقة بالماء، والصحافة المحلية والقضايا البيئية، وكتابة قصص لها علاقة بالماء، وتصميم شعار أو ملصق لحملة مائية، أو صياغة خطاب لمسئول أو عضو مجلس نواب/ شورى في قضايا المياه.

إلا أن تطبيق جميع هذه البرامج بفعالية يتطلب مدرسين مؤهلين متخصصين في البيئة والذي يعتبر عنصراً ضرورياً ومركزياً للتعليم والتوعية البيئية والمائية، ولذلك فإنه من الضروري أولاً التركيز على تدريب المعلمين وعقد دورات تدريبية لهم على كيفية استخدام المادة التعليمية التي ستدرس للطلبة، وإطلاق إبداعاتهم في تصميم المواد والبرامج في هذا المجال. كما يتطلب ذلك إعادة النظر في المناهج التدريسية الحالية ومراجعتها وتحديثها من قبل المتخصصين في مجالي المناهج والبيئة لوضع البرامج التوعوية وإدماج القضايا البيئة الخاصة بالمجتمع في هذه المناهج.

إن رفع الوعي البيئي للناشئة يعتبر تحديا صعبا ويتطلب جهوداً جبارة، إلا أنه يمثل فرصة كبيرة أيضاً للعمل على المحافظة على البيئة وموارد المياه، إذ إنه في النهاية سيؤدي إلى إنشاء جيل واعٍ بيئياً يستطيع التعامل مع البيئة والموارد الطبيعية بحكمة أفضل وفاعلية أكبر، ويساهم في التوجه نحو التغيير المجتمعي المنشود في هذا المجال

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1472 - السبت 16 سبتمبر 2006م الموافق 22 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً