العدد 1591 - السبت 13 يناير 2007م الموافق 23 ذي الحجة 1427هـ

استراتيجية بوش الجديدة... الهجوم «التفاوضي»!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

بعد مرور نحو أربع سنوات على غزو العراق وإعلان «انتهاء العمليات الحربية» فيه إيذانا بتحقيق «النصر» كما وردني في خطاب للرئيس الأميركي بعد أيام من «سقوط» بغدد، يخرج علينا الرئيس الأميركي اليوم مجددا باستراتيجية «جديدة» رأس الحرية فيها «محاولة السيطرة على الأمن في بغداد»! وذلك من خلال إضافة نحو ألف مقاتل أميركي جديد! لابد أن مهمتهم الرئيسية ستكون مواجهة «الميليشيات» التي تتحكم بالعاصمة وصناعة القرار في العراق ما عدا المنطقة الخضراء البتة!

«انجاز» كبير وكبير جدا! بحق للديمقراطيين فعلا أن يحملوه لسياسة «الغطرسة والعجرفة وعدم الأهلية» التي تميزت بها إدارة الرئيس بوش للعراق كما وصفتها النائية هيلاري كلينتون.

ليس فقط لم يعد «النصر» ممكنا في العراق، بل بات بوش مخيرا بين أمرين «أحلاهما مر» كما يقول المثل فإما أن يستمع إلى نصائح لجنة بيكر - هاميلتون الخاصة بالعراق والتي رسمت له خريطة «الانسحاب المشرف» بأقل الكلف والأثمان الإضافية أو الاستمرار بالاستماع إلى نصائح المحافظين الجدد الذين يأسرون قراره منذ اليوم الأول، وهي نصائح لجنة فريدريك كاغان وجاك كايان عن العراق أيضا والتي توصي بعكس اللجنة الأولى من حيث الأسلوب لكنها تريد إيصاله إلى النتائج نفسها بعد أن تراجعت طموحات أباطرة المحافظين الجدد للعراق من تحقيق «الديمقراطية» إلى مواجهة النفوذين الإيراني والسوري والسيطرة على شوارع بغداد!

وقد قرر بوش بحسب خطابه للاستراتيجية الجديدة للعراق الاستماع إلى حوارييه مستنكفا الإذعان لنصائح بيكر - هاميلتون ولو مؤقتا!

ثمة سياسة رديفة يقترحها المحافظون الجدد للرئيس بوش وهو سيعمل بها كما جاءني خطابه وكما ستبلغها رئيسة الدبلوماسية الأميركية في جولتها المرتقبة للمنطقة إلى أصحاب القرار في بلداننا ألا وهي محاولة تشكيل «حلف معتدل» مقابل الراديكاليين في المنطقة!

وكما تود وترغب واشنطن فإن هذا الحلف المفترض ينبغي أن يشمل «إسرائيل» وبعض الدول العربية التي تعتبرها واشنطن «مصداقا» لهذا «الاعتدال» وأن تكون مهمته مواجهة النفوذين الإيراني والسوري وتفكيك المنظمات المسماة بـ «الإرهابية» أو تشوبها صفة «الإرهاب»!

وأخيرا وليس آخرا فإن بوش يحذر هذه الدول بل «يهددها» بأن سقوط أميركا وفشلها في العراق يعني «تهديدا» مباشرا لهذه الدول!

وهنا ثمة من يتذكر الفترة الأخيرة من حرب الفيتنام عندما لجأت واشنطن إلى ما سمي وقتها بسياسة «الفتنة» والتي تضمنت فيما تضمنته يومها تجييش مشاعر خطر الحرب الأهلية عبر تسليح الجنوب الفيتنامي وإيكاله بمهمات ضد فيتنام الشمالية من جهة وتعبئة دول الجوار الفيتنامي (عدا الصين والاتحاد السوفياتي طبعا) ضد بؤرة التمرد الفيتنامي آنذاك.

والسؤال المطروح الآن هو لمصلحة من كل هذا التجييش الطائفي والأهلي سواء من خلال الميليشيات التي هي من صناعة الاحتلال أو من خلال استقدام ألوية من البشمركة الكردية للإطاحة ببغداد كما ورد من أنباء عن الخطة الاستراتيجية الجديدة؟!

ولمصلحة من كل هذا التجييش المذهبي والإقليمي الجاري حول إيران و»خطر» نفوذها الإقليمي الفارسي و»الصفوي» مرة و»المجوسي» مرة أخرى!

ليس ثمة عاقل في المنطقة كلها يقبل بمزيد من الآلام للشعب العراقي ولا بمزيد من الحروب والكوارث لهذه المنطقة أو يقبل بإيقاظ فتن مذهبية أو طائفية أو عرقية نعتقد جميعا أن عصرها قد ولى في ظل الوعي والرشد والصحوة التي تعيشها أمتنا كما يفترض.

ما سمعناه قبل أيام من وزير خارجية دولة الإمارات العربية في هذا السياق أثناء زيارة له لطهران يؤكد هذا المعنى بكل قوة.

إن سياسة بوش «الجديدة» للعراق لا تحمل جديدا للأسف الشديد، كل ما هنالك أنه استبدل شعار «الديمقراطية» للعراق بشعار «الأمن» لبغداد وهذا بحد ذاته يعتبر تراجعا ونكسة لاستراتيجيته المعلنة للمنطقة كلها والتي عبر عنها تحت مسميات مختلفة خلال السنوات الأربع الماضية!

ثمة من يتخوف كذلك بإن تؤدي هذه الاستراتيجية «الجديدة» إلى مزيد من الصراعات الداخلية بين الشيعة والشيعة كما يتسرب من بعض المصادر التي تقول إن معركة ما سيتم فتحها مع جيش المهدي تتولى قيادتها ميليشيا عراقية! وبين السنة والسنة من خلال افتعال معارك بين فصائل مقاومة مسلحة يقال إنه يراد استدراجها إلى معسكر «المعتدلين» ضد فصائل أخرى سيتم وصمها بالمتمردة والخارجية على القانون والمعطلة للعملية السياسية والخطة الجديدة!

إنها مرة أخرى سياسة تقسيمية فاشلة يا سيادة رئيس أكبر دولة عظمى! فشلت في فيتنام ولابد أنها ستفشل في العراق. لأن المشكلة ليست في العراقيين تماما كما لم تكن في الفيتناميين.

ها هو السيناريو سيتكرر أمامك في الصومال! اسمع ماذا يقول لك، الديمقراطيون والاتحاد الأوروبي هناك! يقولون: إنك بقتلك ثمانية من المطلوبين من «القاعدة» أو غيرها عن طريق القصف الجوي ستولد منهم المزيد! لماذا؟ لأن العنف يجلب العنف. ولأن الظلم والاستبداد بالرأي يجلب المقاومة ولأن الاحتلال والتعدي على سيادة الآخرين والتدخل شئونهم يخلق نوتات لقيام حركة تحرر تتوسع مع الأيام لتشمل حتى الذين يؤازرون الظلم أو الاستبداد في الأيام الأولى!

أليست هذه هي حال بعض الجمهوريين لديك وليست فقط الديمقراطيين والعراقيين والعرب والمسلمين؟! لماذا إلقاء اللوم على الخارج الإقليمي والحدود الإيرانية والسورية؟!

طبعا ثمة من يجادل هنا ويقول إنك تهاجم وتزيد القوات وتبرز العصا الغليظة للمناورة لفترة وجيزة من أجل فتح ثغرات جدية في جدار عدم الثقة المتبادلة بينك وبين خصومك داخل العراق وفي محيطه الإقليمي من أجل التفاوض، بالتالي على «انسحاب مشرف» يخشى البعض أن يكون متأخرا غدا لأن الوقت قد لا يسعفك ولا يسعف أصدقاءك ومنهم من سيغادرك بعد الشهر مثل بلير وشيراك. أليس من الأجدى اختصار المسافة إذا والاستماع إلى نصائح مستشاري والدك (بيكر - هاميلتون) وإن كانت في الواقع لا تقدم شيئا يذكر للعراقيين أصحاب الشأن الحقيقي لكنها من وجهة نظر أميركية قومية على الأقل هي أقرب للعقل والمنطق من نصائح خاطفي قرارك من المحافظين الجدد.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1591 - السبت 13 يناير 2007م الموافق 23 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً