العدد 1605 - السبت 27 يناير 2007م الموافق 08 محرم 1428هـ

أخلاقيات المياه في الدين الإسلامي

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تم في المقالين السابقين استعراض ومناقشة موضوع أخلاقيات المياه وأهمية إدماج البعد الأخلاقي في إدارة الموارد المائية، وتطبيق المبادئ والأسس الأخلاقية على المستوى العام المتعلق بحاكمية المياه وإدارتها وكذلك على مستوى الأفراد والشركات الخاصة العاملة في مجال خدمات المياه.

وانتهى المقال السابق إلى أن ما توصل له المجتمع الدولي في مجال أخلاقيات المياه والمبادئ التي تم طرحها في مجال التعامل مع المياه كمورد طبيعي أتت متماشية ومتوافقة بشكل كبير مع مفاهيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف في هذا المجال.

وعموما، إذا نظرنا إلى موضوع المياه في الإسلام، سنجد أن المياه قد أعطيت أهمية قصوى في هذا الدين، واعتبرها الإسلام نعمة من عند الله سبحانه وتعالى لاستمرار الحياة «وجعلنا من الماء كل شيء حي»( الانبياء:30)، ولقد تم ذكر الماء في أكثر من خمسين آية وأكثر من أربعين سورة في القرآن الكريم، تركز معظمها على أهمية تقنين استعمال المياه والمحافظة عليها واستغلالها استغلالا رشيدا لصالح المجتمع.

ومن جانب آخر نجد أن ضمان العدالة الاجتماعية هو من المبادئ الأساسية في الدين الإسلامي، ونجد أن معظم الأحاديث في السنة النبوية الشريفة تركز على قضية تحقيق العدالة والمساواة بما في ذلك استخدام المياه والحصول عليها لجميع قطاعات المجتمع، ولا يحق للمسلم أن يسيطر على المياه التي هي زائدة عن حاجته، والإسلام يعطي الإنسان حق الانتفاع بالمياه ولكنه لا يعطيه حقا فرديا مطلقا (الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار)، ولا يجوز إنفراد فئة معينة بالانتفاع بالمياه واحتكارها وعدم توزيعها بعدالة بالمجتمع، أو تلويثها بحيث تكون غير صالحة لغيره.

وقد جعل الله الإنسان خليفة في الأرض، وهذه الخلافة تعني انه وصي على الأرض ومواردها والبيئة وليس مالكا لها، يديرها كما أمره الله، ولا يتصرف فيها بأنانية كأنها له وحده دون بقية المخلوقات. فالإنسان مستخلف على إدارة البيئة واستثمار خيراتها وأمين عليها، وهذه الأمانة تفرض عليه أن يتصرف فيها تصرف المسئول الأمين، المُراعي لاحتياجات الآخرين، وان يتعامل معها برفق وأسلوب رشيد، وهذا الاستخلاف للبيئة مؤقت ومرتبط بمدة محددة، ما يعني أن الموارد التي يتمتع بها الآن ليست ملكا لجيله فحسب، وإنما هي للأجيال القادمة أيضا التي لها حق فيها ويجب أن ينتفع بها كما ننتفع بها نحن الآن.

ونظرة الإسلام إلى الترشيد هي نظرة حضارية طويلة الأمد، وإن ترشيد الاستهلاك والمحافظة على الموارد الطبيعية عموما في الدين الإسلامي هي مبادئ ثابتة ومستقرة وتطبق في جميع الظروف، وليس كردة فعل مؤقتة لأزمة نمر بها، وبعد انتهائها يمكن العودة إلى العادات القديمة من إسراف وهدر (لا تسرف ولو كنت على نهر جار).

وللإسلام نظرة متميزة تتمثل في الاعتدال والتوازن والوسطية في التعامل مع كل عنصر من عناصر البيئة بما فيها المياه، ونبذ الإسراف والاستنزاف والاستغلال غير المدروس.

وإذا تمعنا في هذه المفاهيم والمبادئ الإسلامية، أو الأخلاقيات الإسلامية في التعامل مع المياه، سنجد بأنها هي نفسها التي بدأ الفكر العالمي المعاصر في التطور والتوجه نحوها في مجال أخلاقيات المياه، سواء كسلوك فردي أو كمبادئ إدارية وتشريعية لإدارة الموارد المائية.

فمبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية، والتضامن المجتمعي، والحماية، والشفافية والمشاركة تأتي في صلب المبادئ التي يدعو إليها الإسلام ويحث عليها. وإذا نظرنا إلى أخلاقيات المهنة التي تم ذكرها في المقال السابق، سنجد بأنها تتماشى بشكل كبير مع ما يحث عليه الإسلام المسلمين ويدعو المسلم الصالح بالعمل بها.

إلا أن هناك أمور أكثر تعقيدا من هذه المبادئ العامة وخصوصا في حال التطبيق التي تواجه المجتمعات الإسلامية التي تحتاج إلى البحث والتفصيل، ويأتي على رأسها موضوع اعتبار المياه سلعة اقتصادية وضع تعرفة على استخدامها.

وينظر الدين الإسلامي إلى المياه على إنها سلعة عامة لا تباع ولا تشترى في حالتها الطبيعية. ويتفق معظم الباحثين الإسلاميين المعاصرين على أنه على رغم الطبيعة الأصلية للمياه كسلعة عامة، فإنه من حق الأفراد استخدام، وبيع، واستعادة كلف القيمة المضافة من تطوير البنية التحتية لخدمات تزويد المياه. ويتم تقسيم الموارد المائية إلى ثلاثة أقسام من هذا المنظور، الأول هو الملكية العامة وهو الماء في حالته الأصلية كمورد طبيعي وهو متاح للجميع، والثاني الملكية الفردية المحدودة، مثل الأنهار والمياه الجوفية، إذ يكون للمالك بعض الحقوق في هذه المياه مع الالتزام بعدم منع المياه الزائدة عن الآخرين وعدم تعريضها للخطر، والثالث هو الملكية الخاصة والتي يتم تطويرها من خلال الاستثمار في أعمال البنية التحتية، مثل التحلية وخدمات تزويد المياه والصرف الصحي.

ولذا فإنه من حيث المبدأ فإن وضع تعرفة على خدمات المياه لا يتعارض مع المبادئ الإسلامية. إلا أنه من المنظور الإسلامي، فإن سعر هذه الخدمة وتصميمها يجب أن يكون عادلا ويؤدي إلى إنصاف أكبر في استخدام المياه، وعلى أن يكون هذا الاعتبار الأول في أي أداة اقتصادية يتم تطبيقها. وعليه فإن وضع تعرفة مبنية على مرونة الأسعار مع الطلب في مجال خدمات المياه مسموح به في الدين الإسلامي مادام مبدأ الإنصاف والعدالة الاجتماعية محقق. كما أن مبدأ استعادة التكاليف مسموح به في الدين الإسلامي بسبب تأثيره الايجابي على ترشيد المياه وعلى استدامة الخدمة وتحسينها.

والقضية الأخرى التي تواجه الدول الواقعة في المناطق الجافة هي توزيع حصص المياه بين القطاعات المستهلكة للمياه وأولويات الاستخدام. وهذه القضية حسمها الإسلام منذ زمن بعيد، فلقد أعطى الإسلام الأولوية في توزيع المياه بشكل منطقي أولا للإنسان للمحافظة على الحياة ولسد العطش، ثم للاستخدام المنزلي للنظافة/الطهارة، وثم للاستخدام الزراعي، وتأتي بعد ذلك الاحتياجات الأخرى. أي أن الإسلام يعطي الأولوية لاستخدام المياه لحياة الإنسان وصحته، وثم لغذائه وللقطاعات الأخرى التجارية والصناعية بحسب القيمة الاقتصادية المضافة من استخدام المياه لما لها من عائد على المجتمع.

أما بالنسبة إلى قضية مشاركة المستفيدين، أو إتباع النهج التشاوري/التشاركي في إدارة الموارد المائية التي ينادي بها المجتمع الدولي كجزء أساسي في الإدارة المتكاملة للموارد المائية وأحد أهم مبادئ أخلاقيات المياه، فإنه بالإضافة لما لذلك من دور في رفع الوعي المائي في المجتمع، فإنه وللأسف على رغم إلزامية الإسلام بمشاركة أفراد المجتمع ذوي العلاقة في جميع الموضوعات المجتمعية التي تهمهم ومشاورتهم فيها «وأمرهم شورى بينهم» (الشورى:38)، ومنها إدارة الموارد المائية، إلا أننا نجد أن الحاكمية واتخاذ القرار المركزيين (من الأعلى إلى الأسفل) هما السائدان في معظم الدول العربية الإسلامية.

ختاما نتمنى من الباحثين الإسلاميين المساهمة في مجال أخلاقيات المياه، سواء على مستوى الإدارة المائية أو على مستوى السلوك الشخصي، أن يضيفوا إلى الفكر والمعرفة الإنسانيين في هذا المجال من خلال النظر إلى المفاهيم التي وضعها الإسلام للتعامل مع الموارد المائية والطبيعية منذ أكثر من 1400 عام، ومحاولة إدماجها وتطبيقها كمبادئ إدارية وتشريعية في إدارة الموارد المائية في الدول العربية/الإسلامية للمساهمة في استدامة هذه الموارد الطبيعية المحدودة في هذه الدول، بدلا من انتظار استيرادها من الخارج!

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1605 - السبت 27 يناير 2007م الموافق 08 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً