العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ

الإسلام السياسي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في ثلاثة مقالات متوالية للمحلل السياسي اللبناني سعد محيو منشورة في صحيفة «الخليج» الإماراتية من 17 إلى 19 يناير/ كانون الثاني 2007، يتساءل فيها عن مكمن الخطأ في الحركات الإسلامية العربية. ويخلص إلى أن ربيعها آيل إلى الأفول، وأنها على شفير المجابهة والانقسام والتفتت، واضعا صورتها في قالبها الخارجي المرتهن إلى موازين القوى العالمية الراهنة، إذ واشنطن لم تعد متحمسة لتغيير «الوضع الأسوأ» بعد تمنع «الإخوان المسلمين المصريين والفلسطينيين» من التجاوب معها والاعتراف بـ «إسرائيل» والاندراج في سياق السياسيات الأميركية، واصفا وضعهم بما يشبه من سبقوهم من القوميين العرب.

ثمة أسباب كثيرة يشير إليها في متن المقالات، منها أن الإسلام السياسي فشل في اغتنام الربيع الديمقراطي وإقناع المجتمعات المدنية العربية وبعض التجمعات الغربية الأوروبية والأميركية بأنه قادر على الاستقلال والاندماج في آن في النظام العالمي، إذ تنقصه استراتيجية مثلثية بحسب تعبيره، تتمثل في برنامج سياسي استراتيجي يلتزم بمبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة فضلا عن غموضه من الصرع الدولي في الشرق الأوسط والمسألة اليهودية والبرامج الاقتصادية - الاجتماعية، وليس أمامه بسبب فقدان البوصلة والتخبط إلا ثلاثة سيناريوهات تتمثل في مواصلة التخبط في الخيارات والأولويات، ما قد يؤدي به إلى انشطارات كبرى جديدة، أو إدارة الظهر للعمل السياسي برمته والانجرار نحو العنف، أو عوضا عن ذلك الإفادة من تجربته خلال السنوات الثلاث الماضية وإعادة النظر في الأولويات والتكتيكات.

مفاتيح حوارية

بغض النظر عن صحة فرضية تحليل أسباب الإشكالية وحلولها أو اختلاف البعض مع هذه الرؤية، نرى أن التحليل ينقصه التركيز على عناصر تفصيلية بنيوية مهمة ليست المقالات القصيرة طبعا مجالها، ولكن تفتح أبواب الجدل المثمر عن تفاصيلها من خلال المقاربات مع بعض المعالجات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر معالجة المفكر اللبناني علي حرب في كتابه «الإنسان الأدنى»، إصدار 2005، صفحة 15 - 17، الذي يتناول فيه تفاصيل دقيقة تتعلق بالإسلام السياسي العربي، فهو يشير إلى أن الأزمة تطاول العقل والدين معا، وأن العقلين الديني والحداثي يشهدان على الإفلاس فيما يخص الوعود ببناء مجتمعات بشرية مستقرة، آمنة، متضامنة، فالوحش الإرهابي الذي يفاجئنا ويصدمنا والذي نستنكره وندينه، من حيث لا نعقل، هو صنيعة تعليمنا وتعاليمنا بقدر ما هو ثمرة عقولنا وأفكارنا، وهو ترجمة للمبادئ الوحدانية والنصوص المقدسة والعقلية الاصطفائية والمشروعات الدينية الشمولية، كما تتجسم في شعارات مثل الحاكمية الإلهية أو الحكومة الإسلامية أو الدعوة إلى أسلمة الحياة والثقافة وهي الثمرة السيئة والمدمرة لمنطق الفتوى التي يرى أن الخضوع لمنطقها الأعمى هو وباء يفتك بالمجتمعات العربية، ما يعني التخلي عما يتميز به الإنسان من طاقة فكرية وقدرة على الخلق والابتكار أو التجديد والتغيير. إنها تتمثل أيضا في قاعدة الارتداد والتحريم والتحليل، ذاك ما يستوجب المعالجة التي تبدأ بتغيير العدة الفكرية والمهمة الوجودية، مضيفا أن ما يمكن تغييره ليس فقط مفاهيمنا عن أنفسنا وعن العالم، بل مفهومنا للمفهوم وللفكرة أو للمعرفة والحقيقة. فالعقائد والقناعات والهويات الثقافية والمنظومات الرمزية ليست قلاعا نحتمي داخلها، أو متاريس نتخفى وراءها، إنما هي مجرد معلومات أو معارف أو وجهات نظر تشكل مقترحات للحوار والمباحثة من أجل الوصول إلى الأمر الجامع أو الشيء المشترك أو الوسط التداولي.

وعلي حرب من جهة متصلة، يفسر ما ذكره قائلا: ليست المسألة أن نقف مع الحداثة ضد التقليد ونفي التراث، إنما الممكن هو إعادة ترتيب العلاقة معه، بتحليله وإعادة تركيبه ونسج علاقات جديدة مع النصوص والخطابات والثوابت، متحركة وحية، نامية ومتجددة، مثمرة وراهنة. نحتاج - كما يشير - إلى الاعتراف بدونيتنا، وبأننا لسنا أشرف الخلق ولا سادة الطبيعة ولا مفاتيح الكون، بل نوع من أنواع الكائنات الحية. قد لا نكون الأفضل والأرقى، ربما نحن الأذكى والأقوى، غير أن ذكاءنا قد يفضي بنا إلى دمارنا الذاتي. لذلك يخلص إلى أنه لا خشية ممن يمارس هويته بصورة مرنة ومفتوحة أو تعددية ومركبة أو غنية ومتحولة، مصدر الخوف والذعر هو ممارسة الهوية بصورة أحادية، مغلقة، متحجرة، سلبية وعدائية.

النظام المغلق محكوم عليه بالفشل

ولجهة إيجاد حلول «للحركات الإسلامية العربية» يخلص محيو، إلى اقتراح مخرجين لتيار الأكثرية في تلك الحركات قد يمنع سقوطها في براثن التطرف الانتحاري أو في أحضان الانقسامات والانشطارات الداخلية. المخرجان يتمثلان في احتمال بروز قيادة «كاريزمية» إسلامية تكون واقعية ومثالية في آن، وتعيد ترتيب الأولويات، أو في تبلور هيئة قيادية إسلامية تضع نصب عينيها رسم استراتيجية تستوحي من الإسلام التركي، استراتيجية سياسة ناجحة في أقلمة الإسلام مع الديمقراطية، وكذا الإسلام الماليزي في التنمية الاقتصادية والتكنولوجية.

هل هذه الحلول ممكنة؟

ربما من وجهة نظر المحلل، بيد أنها قد تكون غير ذلك عند آخرين ولأسباب متباينة ومتعددة كما نلمس لدى المفكر الإيراني دريوش شايغان في كتابه «ما الثورة الدينية»، إصدار 2004، الذي يخلص في متنه، إلى أن الدين كنظام اجتماعي وسياسي قد أفل زمنه، وأنه عاجز عن إنجاز أي تجلية تقنية أو اقتصادية. فالدين يستطيع بوصفه حاوي كنوز الإنسانية الروحية، المساهمة في الثورة الروحية والفردية للإنسان، ويقدر حتى على إلهام حركات سياسية كما كان الشأن في «أحيمسا Ahimsa غاندي»، ولكنه لا يستطيع تكوين نظرة جماعية إلى العالم، لأن الشكل المهيمن في عصرنا الحاضر يبقى شكلا فكريا مؤدلجا، وإن أية محاولة لتحقيقه كنظام سياسي ستحوله إلى نظام شمولي. وبما أن عالمنا عالم مفتوح وشبكة من الاتصال الكوني، فإن أية محاولة لحصر الإنسان في نظام مغلق وقبلي محكوم عليها بالفشل.

ما سبق، بعض من آراء مثيرة حتما للجدل، ربما تدحض احتمال تحقق المقترحات الحالمة المقدمة كترياق للأزمة التي يعيشها الإسلام السياسي العربي لكي ينهض بمجتمعاتنا العربية، ولاسيما أننا نعيش عصر إعادة تدوير المفاهيم السائدة والحلول السحرية التي تزعم أنها تملك عُدد فك الأزمات وقادرة على إخراجنا من الأنفاق المظلمة التي يجبر الإنسان العربي على دخولها كل يوم أما بتغييب إرادته وعقله، أو بدفعه إلى براثين اليأس والإحباط والاكتئاب!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1611 - الجمعة 02 فبراير 2007م الموافق 14 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً