العدد 1643 - الثلثاء 06 مارس 2007م الموافق 16 صفر 1428هـ

إعادة التوجه... عندنا وعندهم!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

تشغلنا السياسة الأميركية هذه الأيام، بكثير من الأحاديث عن استراتيجيها الجديدة في المنطقة، والقائمة بدرجة من الدرجات على مراجعة لاستراتيجيتها السابقة، وخصوصا في ضوء تدهور أوضاعها العسكرية في العراق من ناحية، وتصعيد مواجهاتها مع إيران بشأن البرنامج النووي من ناحية أخرى.

ولا نحسب أن الأمر قد وصل إلى مرحلة التراجع الأميركي، عن الأخطاء الفادحة، ولكن ما يقال هو عن مراجعة لتعديل الاتجاه، أو تغييره نسبيا، أو حتى تصحيحه، بهدف تحقيق نصر واضح صريح، الأمر الذي يبدو في اعتقادنا بعيدا حتى الآن.

ولقد أخذتنا أميركا معها في استراتيجيتها الأولى، وتحديدا منذ غزو العراق في مارس/ آذار العام 2003، وها هي تأخذنا معها في استراتيجيها الثانية، من دون أن يكون لنا ناقة أو جمل، أي من دون أن يكون لنا رأي وموقف في الحالين.

ولذلك فإن الضروري، انطلاقا من المصالح الوطنية والأهداف القومية، التي لا تتطابق بالضرورة مع الأهداف والمصالح الأميركية، أن نراجع نحن أيضا مواقفنا وسياستنا، إن كنا أصحاب قرار في دول مستقلة ذات سيادة، ومهما كانت قوة الضغوط وبريق الإغراءات الأميركية الراهنة.

ولا نظن أن عاقلا واحدا يقبل الاستمرار في إخضاع الأهداف والمصالح الوطنية والقومية، للاستراتيجيات الأميركية، خوفا من الضغوط أو استجابة للإغراءات، بعد أن أثبتت كل التجارب العملية، خصوصا حرب أفغانستان وغزو واحتلال العراق، أن هذه الاستراتيجيات، تخرج من مطب صغير لتقع في حفرة كبيرة، وما تفعله الآن من مراجعة وإعادة التوجه، هو محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد أن بلغ التورط العسكري والفشل السياسي والاستنزاف المالي مداه.

ولقد نشرت مجلة «نيويوركر» الأميركية الشهيرة، يوم الاثنين الماضي 5 مارس 2007، مقالا / بحثا مهما وعميقا للكاتب المحقق الشهير سيمور هيرش عن إعادة التوجه، ومحاولة إدارة الرئيس بوش، تعديل سياساته المتورطة في المنطقة، لكن هيرش الذي كان في القاهرة الأسبوع الماضي بدعوة من مؤسسة هيكل للصحافة العربية، كشف كعادته أسرار هذا التوجه الجديد، فبدلا من أن يبحث بوش عن مخرج لمأزقه في العراق مثلا، فإنه يعمل على زيادة التورط عبر مجابهة إيران والاستعداد لضربها في الربيع المقبل على الأرجح، ومن ثم حشد المؤيدين والمتحالفين إلى جانبه... أي حشدنا نحن لنغرق معه في الورطة والمستنقع الدامي!

فإن عدنا إلى أصل الموضوع فإن ما ظهر حتى الآن من علامات اعادة التوجه وأسبابها، تكمن في أربعة عناصر رئيسية، هي على التوالي، أولا، تدهور الوضع الأميركي في العراق من دون تحقيق أي نصر، بل تصاعد المقاومة المسلحة والعنف الطائفي بين السنة والشيعة ودخول تقسيم البلاد مراحل التنفيذ، وثانيا، الإحباط الأميركي الهائل نتيجة فشل «إسرائيل» في القضاء على النواة الصلبة لحزب الله في حرب الصيف الماضي التي استمرت 33 يوما، وانقسام الشارع وتحديدا بين السنة والشيعة أيضا، وثالثا، صعود المعارضة الأميركية ضد سياسات بوش، في الكونغرس بعد سيطرة الحزب الديمقراطي عليه، ورابعا، تسرب الوقت من بين أيدي بوش وإدارته، فلم يبق أمامه الا باقي شهور العام الجاري، ليتصرف ويسعى لتحقيق انجاز ما، قبل عام الانتخابات الرئاسية 2008، وهو خط النهاية له.

انطلاقا من كل ذلك، بدأت الإدارة الأميركية المحبطة، إعادة التوجه والتوجيه، وهدفها الرئيسي، هو تحقيق نصر ما في ميادين الحرب الساخنة الممتدة من سهول العراق إلى جبال أفغانستان، ما يوفر انسحابا أميركيا مشرفا من هذه الورطة، التي تصورها المحافظون الجدد، مجرد نزهة، للجيوش الأميركية الأقوى في العالم، انتقاما من «الإرهاب الإسلامي» بعد هجمات سبتمبر/ أيلول 2001.

وحين نعيد ترتيب الحوادث التي جرت خلال الأسابيع الماضية، وربما المقبلة، نجد أمامنا تحركات سياسية وأمنية أميركية واسعة، هدفها حشد الحلفاء الإقليميين حول سياسة إعادة التوجه، ومن ثم توجيههم لما يجب أن يقوموا به في هذا الإطار.

وقد تمثلت هذه التحركات في أربعة اجتماعات غامضة المحتوى معلنة الصور، هي أولا، اجتماع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في الكويت الشهر الماضي مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الست ومصر والأردن، ثم اجتماع رايس أيضا في الأردن مع رؤساء الأجهزة الأمنية العليا في مصر، الأردن، السعودية والإمارات، ثم اجتماع وزراء خارجية سبع دول عربية وإسلامية هي باكستان، تركيا، مصر، السعودية، إندونيسيا، ماليزيا والأردن يوم 25 فبراير/ شباط الماضي في إسلام آباد، وأخيرا وليس آخرا، الاجتماع المزمع عقده بعد أيام في العراق، لدول الجوار بما فيها سورية، إيران، الخليج، السعودية، الأردن ومصر والأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن وهي أميركا، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين!

والأمر الواضح أن الموضوع الرئيسي المطروح أمام هذه الاجتماعات وغيرها من الاجتماعات السرية، وكم هي كثيرة ومريبة، ينقسم إلى قسمين مترابطين، أولهما محاصرة ما يسمى بالخطر الشيعي الذي تقوده إيران، وثانيهما مشاركة أميركا بكل الجهود في حربها في العراق خصوصا، وربما أفغانستان بالتبعية.

وها هي الدبلوماسية الأميركية تنشط في كل اتجاه وبكل ما لديها من وسائل واتصالات، وبما تملكه من ضغوط وإغراءات، لحشد صفوف الأصدقاء والحلفاء العرب والمسلمين، ممن تسميهم محور الاعتدال، أو القواعد السنية الكبرى، للاصطفاف وراءها في مجابهة إيران وخطرها الشيعي المتمدد، وفي مساندتها في الحرب العراقية، بعد أن بدأت تنفيذ استراتيجيتها الأمنية الجديدة، الهادفة ليس فقط للقضاء على المقاومة العراقية «السنية أساسا»، ولكن لتصفية الميليشيات وفرق الموت صاحبة اليد الطولي في القتل والتطهير الطائفي «الشيعية أساسا!».

بعد أربع سنوات من الحرب الأميركية في العراق، وبعد استهداف السنة جماعات وأفرادا، وبعد تمكين بعض المتطرفين الشيعة، اكتشفت أميركا أن الخطر الأكبر والعدو الأول لها الذي انزل بها الخسائر الفادحة، هو الخطر الإيراني المساند دوما للتطرف الشيعي في العراق، وفي امتداداته إلى دول الجوار.

وفوق هذا التصور/ الاكتشاف، أعادت السياسية الأميركية رسم ما يسمى الآن «إعادة التوجه» أو تغيير الاتجاه القائم على الأسس والضغوط الآتية:

1 - كان لتقرير لجنة بيكر - هاملتون الشهير التأثير الأوضح في اجبار الإدارة الأميركية على ضرورة مراجعة استراتيجيتها في العراق خصوصا، وفي المنطقة عموما، على رغم إنكار هذه الإدارة لتأثير التقرير عليها، ولتأثيره على الكونغرس والرأي العام.

2 - جاء فوز الحزب الديمقراطي المعارض بالغالبية في الكونغرس، ليمثل كابحا رئيسيا لشهوة الحرب في العراق وأفغانستان، وربما ضد إيران، وكذلك ليمثل معرقلا لموازناته العسكرية المتصاعدة، إذ مازال الكونغرس يماطل في المصادقة على طلب الرئيس باعتماد مئة مليار دولار كموازنة اضافية هذا العام للحرب على الإرهاب، و142 مليارا أخرى لتغطية الحرب في العراق وأفغانستان للعام 2008.

3 - تصعيد الحرب السياسية الإعلامية والنفسية، المروجة للخطر الإيراني «النووي والعسكري والتوسعي» باعتباره الخطر الأكبر، على أميركا والغرب، وعلى النظم العربية والإسلامية المجاورة، وبالمقابل إزاحة الصراع العربي الإسرائيلي إلى الخلف وإقناع الحلفاء في المنطقة أن «إسرائيل» ليست هي مصدر الخطر الأول عليهم، بل إيران!

4 - إشعال الصراع الطائفي السني الشيعي، بدرجة لم تحدث من قبل، وتخويف الدول السنية منه، باعتباره الهاجس الأهم الآن، بعد أن توارى الهاجس الشيوعي، ثم الهاجس الإرهابي، ثم الهاجس الإسرائيلي، الذي صار معدلا أو محسنا وهادئا وعاقلا، كما يدعون!

5 - ولذلك كله، فإن الأمر يقتضى، في ظل سياسة إعادة التوجه، ومن ثم إعادة التوجيه، تشكيل تحالف سني واسع، يمتد من وادي النيل حتى إندونيسيا، وتدعمه أميركا والاتحاد الأوروبي، وتندمج فيه «إسرائيل» بدرجة من الدرجات العلنية إن أمكن والسرية إن تطلب الأمر... والهدف هو محاصرة وإجهاض «الهلال الشيعي» الذي تقوده إيران عبر العراق وسورية وحزب الله في لبنان و»حماس» في فلسطين، على رغم أن الأخيرة سنية!

الآن... إعادة التوجه أميركية الشكل والمضمون، الأهداف والوسائل، تحتل في السياسة الأميركية الأولوية الأهم، بهدف ضرب وتدمير مصدر الخطر الأول والاهم بالنسبة إليها... فهل ينطبق ذلك كله نصا وروحا على حالنا وأوضاعنا ومصالحنا وأهدافنا، أم أن الأمر يحتاج منا إلى التفكير العاجل في إعادة التوجه أيضا.

المؤكد أن لمعظم السنة خلافات فقهية مع الشيعة، والمؤكد أيضا أن لمعظم العرب خلافات سياسية مع إيران، ولكن المؤكد أكثر وأكثر أن خلافاتنا مع السياسات الأميركية الإسرائيلية أهم وأخطر وأولى بإعادة رسم التوجه، بدلا من أن ننجرف ونتورط في صراع دموي يدمر المنطقة، ترى فيه الإدارة الأميركية مخرجا لها من الورطة، ونرى فيه مدخلا لنا إلى أعمق أعماق الورطة.

خير الكلام: قال على بن أبي طالب:

وليس بدائمٍ أبدا نعيمُ

كذاك البؤسُ ليس له بقاءُ

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1643 - الثلثاء 06 مارس 2007م الموافق 16 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً