العدد 1660 - الجمعة 23 مارس 2007م الموافق 04 ربيع الاول 1428هـ

«المجنون» الذي «جنن» الصحافة

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

لعل التاريخ سيشهد طويلا لمجلس النواب الحالي بأن الموقف الموحد الأول الذي قامت به كتله السياسية المتضاربة، ولجنة التحقيق الأولى التي يشكلها، كانت في «مجنون ليلى» الذي جنن عليهم الصحافة على حد تعبير أحد النواب في الجلسة الأخيرة، وسيبقى هذا الموقف مدونا في الذاكرة طويلا.

اشتكى كثير من النواب في مداخلاتهم في جلستهم الماضية - التي حضرتها شخصيا - من موقف الصحافة وهجومها على لجنة تحقيقهم التي لم يقصدوا منها إلا الدفاع عن «الأخلاق» (بحسب قولهم)، وأن صوتهم لا يصل إلى الصحافة لأنها ببساطة تتبنى وجهة نظر مغايرة عنهم، بل أنها شنت عليهم - ولاتزال - هجوما ساحقا وصفهم بأعداء الثقافة، وصولا إلى البيان الموقع من عدد كبير من الجمعيات ضدهم.

والحق أن كثيرا مما ذكروه صحيح إلى حد بعيد، فبغض النظر عن صحة موقفهم من خطئه، فإن قليلا مما يكتب في الصحافة حول هذا الموضوع بالذات يتصف بالموضوعية، أو على الأقل ينقل جانبا من رأي النواب دون انتقاد لهم، أو ازدراء، أو حتى تحقير.

أكثر من نائب، من أكثر من كتلة أكد بأنهم ليسوا ضد الثقافة ولا العروض المسرحية ولا الفن ولا الأدب، وأن كل ما يريدونه هو التحقيق في أمر مشاهد مسرحية مجنون ليلى لا أكثر، معتبرين إياها فسادا يجب عليهم أن يتصدوا له، مثلما يجب عليهم أن يتصدوا لأي فساد آخر، مالي، إداري، أو سياسي.

انتقدت الصحافة النواب، وانتقد النواب الصحافة، وهذا حق للطرفين، فكل منهما سلطة بذاتها لا يمكن أن يحجر عليها التعبير عن رأيها، ولا يمكن للصحافة أن تدعي أنها فوق المساءلة أو فوق الانتقاد فقط لأن مهمتها تعطيها حق المراقبة، أو واجبها، فيمكن للصحافة أن تخطئ مثلما يمكن أن يخطئ النواب.

وعلى الرغم من «الشبهة الغريبة» التي يحملها اجتماع النواب على هذا الموقف من لجنة التحقيق برغم خلافاتهم السياسية، إلا أن من الواجب التأكيد معهم على أن الغالبية العظمى من الشعب البحريني لا تجيز «الفساد الأخلاقي»- على افتراض أن تلك المشاهد كانت فسادا-. وعلى الرغم من أن جميع المؤشرات تقول بأن الكتل بتشكيلتها الحالية لن تجتمع في موقف موحد إلا في موضوعات من هذا النوع، إلا أن من الضرورة القول بأن من حق النواب التحقيق في أي فساد أخلاقي يرونه، وليس من الصائب حجر دورهم على مراقبة أنواع معينة من الفساد حتى لو كانت أكثر إلحاحا، وعلينا أن نتذكر دوما أنهم نواب الشعب شئنا أم أبينا، وأنهم يمثلون قطاعا واسعا من الشارع البحريني الذي استهجن قبلهم المشاهد التي عرضتها تلك الصور.

غير أن من الواجب أيضا أن ننظر للجانب الآخر من الصورة ، فلماذا لجنة تحقيق «مرة واحدة» في عرض مسرحي قدم في قاعة مغلقة لم يفرض على الناس حضوره، بل ان من حضره دفع مبلغا للتذاكر ليتفرج على شيء يعرف ويريد أن يشاهده، فالضرر الأخلاقي الواقع من تلك المشاهد - على افتراض وجوده - لا يتجاوز الضرر الواقع من مشاهد عديدة تعرضها شاشات التلفزيون والسينما يوميا، هذا عدا مواقع الانترنت المباحة والتي تفتح للمتصفح عوالم أبعد من مشاهد مجنون ليلى بكثير. قال أحد النواب ان المسرحية مخطط لتهديد هويتنا الثقافية، وكأن هويتنا لم تكن مهددة قبل هذه المسرحية في عصر أصبح الغث فيه أكثر من السمين. باختصار، لو أراد النواب فتح لجان تحقيق «أخلاقية»، فلن يجدوا الوقت الكافي لكثرة الموضوعات.

كل ذلك يجعلنا نفكر، لماذا لجنة تحقيق في مجنون ليلى بالذات الآن وبهذه الطريقة؟ من الواضح أن الموضوع أكبر من دفاع ديني أو أخلاقي - حتى مع افتراض صحته -، فهو موقف سياسي وصراع بين تيارات متضاربة.

ومهما بحت أصوات مارسيل خليفة وقاسم حداد بدعوى أنهم جاءوا إعلانا للحب، فالموضوع خرج من أيديهما، ولم يعد نقاشا ثقافيا بعد أن ذبحته السياسة.

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 1660 - الجمعة 23 مارس 2007م الموافق 04 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً