العدد 1699 - الثلثاء 01 مايو 2007م الموافق 13 ربيع الثاني 1428هـ

كيف نواجه أساليب الشغب وأوكار الفساد؟

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

في 17 مارس/ آذار من العام الماضي نشرنا في «الوسط» مقالا بعنوان «ماذا نفعل لهدم جدار الفساد في الدبلوماسية؟» تناولنا فيه ما جاء في العريضة التي تقدمت بها إلى مجلس الشورى العائلات المتضررة من وضع الحراسة القضائية على أموالها والتي جاء فيها «أن من لجأوا إلى القضاء وتم تعيين حارس قضائي على تركتهم، يتعرضون للسلب والنهب بالقانون بواسطة الحارس القضائي وبعض القضاة الذين ائتمنتهم وزارة العدل للمحافظة على حقوقهم وحقوق الورثة، كما دعاهم شرف مهنتهم وقسم اليمين إلى التحلي بالنزاهة».

وأوضحنا في ذلك المقال المشكلة الرئيسية التي تواجهها السلطة القضائية وأسبابها وقدمنا بعض المقترحات التي تكفل تحقيق الاستقلال الحقيقي لهذه السلطة، وقلنا إن ما دفعنا إلى تكرار الحديث في هذا الموضوع هو دعوة جلالة الملك المواطنين إلى إعانته في حربه على الفساد وأن يتحلوا بالشجاعة لكشف أوكار هذا الفساد وأساليبه.

الاستجابة الملكية

نسجل للتاريخ أن جلالة الملك أوفى بوعده وأثبت صدق دعوته للمواطنين للتحلي بالشجاعة لكشف نواحي الفساد المختلفة، فلمسنا استجابة سريعة لعلاج المشكلة التي تعاني منها السلطة القضائية، وتأكد لنا ولجميع المواطنين حرص جلالته على نجاح مشروعه الإصلاحي، ويبدو أن أوكار الفساد ارتأت أن جدية جلالة الملك تتطلب الكمون فترة من الزمن - بلغت عاما كاملا - ثم الخروج من جحورها مرة أخرى للانقضاض على الإصلاح الذي حققه جلالته في السلطة القضائية، وهكذا شهدنا جدار الفساد الذي أشرنا إليه في مقالنا السابق يكتمل بناؤه ويقف فوقه مرة أخرى أحد المصفيين وأحد الحراس القضائيين يعلنان بأعلى صوت لهما أنهما فوق القانون وأنه لا توجد سلطة تستطيع أن تلزمهما بسداد الأموال التي استوليا عليها، ثم رددا في مجالسهما الخاصة أنهما في حماية سلطة عليا قادرة على إصدار الأمر للسلطة القضائية لاعتماد التقارير المقدمة منهما، وأنه سيتم بهذا الاعتماد إعفاءهما من مسئولية جريمة خيانة الأمانة المنسوبة إليهما، ثم تباهيا بأنهما رفضا التسويات الودية المعروضة عليهما وعدتهما بألا يتحملا أو يردا فلسا واحدا مما استوليا عليه بغير وجه حق.

سلسلة مترابطة الحلقات

إن ما يحدث الآن من تعطيل لامتداد المشروع الإصلاحي للسلطة القضائية يلقي ضوءا ساطعا على الحوادث التي مرت بها البحرين في الفترة الأخيرة والتي أعلن فيها وزير الداخلية أن الأيام الثلاثة التي جرت فيها سباقات الفورمولا شهدت 70 حالة شغب وعنف تراوحت بين الحرق والتجمهر والمسيرات غير القانونية في 17 منطقة في البحرين.

ولقد تناول بعض رؤساء تحرير الصحف وبعض الكتاب هذه الحوادث بالتحليل، فذهب منصور الجمري في تشخيصه للمشكلة إلى «أن الطريق أصبحت مسدودة بالنسبة لمن يرفعون شعارات ويستخدمون خطابا أشد من خطاب التسعينات من القرن الماضي، وأنه لا سبيل للداعين لمثل هذه الأجندة الراديكالية سوى الاستمرار في تحركات استفزازية لإثبات (زيف الإصلاحات) وعن سيطرة لوبي يعمل خارج إطار القانون ولكنه يتحكم في تفاصيل الدولة»، وأضاف «أن الطريق مسدودة كذلك من الجانب الرسمي الذي يحاول تجاهل ما يطرحه الآخرون بشأن عدة أمور تبدو أنها تسير ضمن مخطط استهدافي»، («الوسط» 19/4/2007).

وذهب رئيس تحرير «أخبار الخليج» أنور عبدالرحمن إلى «أننا أمام جماعة راغبة في التمادي وتعكير صفو الأمن وإثارة فوضى وقلاقل هدفها إرباك الوطن وترويع المواطنين أكثر فأكثر» («أخبار الخليج» 19/4/2007).

وللخروج من الطرق المسدودة اقترح الرأي الأول «معاودة التأكيد على سلمية المعارضة والنشاط السياسي وإبعاد الساحة عن التشنج ومنعها من الانجراف نحو المجهول»، وأضاف «أنه في هذا المجال فإن على المعارضة التي تعتبر نفسها موجودة ولها ثقل أن تثبت قدرتها على الإمساك بالشارع».

واتجه الرأي الثاني في مقترحاته لعلاج المشكلة إلى «مطالبة الدولة بأكملها ووزارة الداخلية تحديدا بالكشف عن الرؤوس المحرضة للمشاغبين والمخربين وإحالتهم إلى النيابة ثم تقديمهم إلى المحاكمة ليكون المجتمع بأسره على بينة مما يجري وهذا من أبسط حقوقه».

وإذا كنا نتفق مع منصور الجمري في معظم ما قاله باعتبار أنه نظر إلى المشكلة نظرة سياسية تتطلب حلا سياسيا، ونبتعد كثيرا عن رأي أنور عبدالرحمن الذي نظر إلى المشكلة نظرة أمنية أغفلت كثيرا من الجوانب المتداخلة فيها... فإننا نود أن نذكر أنور بأن العمليات التخريبية للجيش الايرلندي الجمهوري التي أشار إليها لم تتم مواجهتها مواجهة شاملة وحاسمة إلا بالحوار وفي إطار من النظرة السياسية المتكاملة، ثم نطرح عليه عدة أسئلة، هي: من أدرانا إذا أخذنا برأيه وقدمنا ما تم تسميتهم بالرؤوس المحرضة للمشاغبين للمحاكمة ونالوا عقابا شديدا أنه لن تظهر مرة أخرى رؤوسا جديدة أكثر راديكالية من هذه الرؤوس؟ وهل نستمر في وضع كل رؤوس جديدة تظهر على السطح في السجون وهكذا؟ وماذا يقدم لنا هذا التصور سوى مزيد من الشغب والتحريض؟ وألم يعلن وزير الداخلية بنظرته السياسية الواعية أن الأمر يتطلب إعلاما صحافيا فعالا يطرح وجهات نظر المواطنين المتضررين من أعمال الشغب، ودورا أكبر للإعلام الرسمي في معالجة القضايا الأمنية وشراكة مجتمعية فعالة تشمل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وكل أطياف المجتمع تعمل بكل جهودها وطاقاتها لتحقيق الأمن؟

حاجاتنا إلى طرف ثالث

وفي تقديرنا أن المشكلة الرئيسية التي تواجهنا في هذه المرحلة تتمثل في بعدين أساسيين أولهما، إحساس عدد كبير من المواطنين بوجود طبقة عازلة تعمل على تدعيم الانفصال بين المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وغالبية المواطنين في المجتمع، ولم يقتصر الأمر لدى هؤلاء المواطنين على مجرد الإحساس فقط بهذا الانفصال بل أصبحوا يعايشون ويتعايشون ويلمسون في مجالات متعددة أساليب هذه الطبقة العازلة في التسويف وعدم الحسم وتأجيل تنفيذ الخطوات الإصلاحية لتعود الأمور إلى ما كانت عليه بعد فترة من الزمن، وهكذا أبعدت هذه الطبقة العازلة الفكر والحوار الحر الواعي في مواجهتها لمشكلات المجتمع واعتمدت على الحلول الأمنية وإصدار الأوامر والتعليمات.

أما البعد الثاني للمشكلة فيتمثل في أن الاتجاهات الراديكالية في المجتمع وقعت في الخطأ نفسه فتناست أن السلطة لن تقبل الانحناء أمام العنف والشغب، ومن هنا فإن هذه الاتجاهات مطالبة بأن تمهد الطريق من جانبها للالتقاء مع السلطة في منتصفه في إطار من الحوار الواعي البناء، وعليها بعد ذلك مطالبة السلطة - كما قالت سوسن الشاعر في كلمتها الأخيرة - بوضع القوانين التي تضبط تصرفاتها في إغداقها على البعض وحرمان الآخرين من دون وجه حق، فإذا تمكنت هذه الاتجاهات الراديكالية من تكوين رأي عام قوي وقادر على المطالبة السلمية بالاستمرار في تنفيذ المشروع الإصلاحي وتحجيم الطبقة العازلة التي تفصل بينه وبين المواطنين فإن الطريق سيكون أمامها سهل لتحقيق مطالبها بعيدا عن الشغب والعنف الذي يسد طريقها ويُكتل ضدها رأيا عاما يرى فيما تقوم به خطرا يهدد وحدة المجتمع، وفي تقديرنا أننا في حاجة إلى طرف ثالث يتدخل بموافقة جميع الأطراف للعمل على تجميع نقاط الاتفاق وتليين نقاط الاختلاف للمساعدة في حل هذه المشكلة وهو نداء نوجهه لكل من يرى في نفسه القدرة على القيام بهذا الدور.

الخطر الذي يواجهنا

إن ما يحدث في البحرين لا يمكن إرجاعه كما يقول بعض الكتاب إلى قوى خارجية تسعى إلى إحداث الفتنة أو إشعالها ويرجع ذلك إلى أن الاضطرابات لا تصدر وإنما تحدث أساسا نتيجة التناقضات الداخلية في المجتمع ومنها التناقضات الطائفية وهي في مجملها تناقضات ثانوية وليست رئيسية، وهي أيضا تناقضات غير عدائية يمكن حلها بالحوار والنقاش وبإيجاد نوع من التوازن في إطار من الوحدة الوطنية، على أن أخطر ما قد يواجهنا هو تراكم هذه التناقضات ثم تفجرها في شكل حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس، ويصبح الكل فيها مغلوبا وخاسرا لنتائج التطور الاقتصادي الباهرة التي شهد بها العالم كله بمنح سمو رئيس الوزراء جائزة التميز.

من هنا فإننا نقول: ليس يكفي أن يعلن جلالة الملك مشروعه الإصلاحي، إن لم يعرف المواطنون أهدافه ومراحله الزمنية وما حققه من نتائج حتى الآن، وليس يكفي أن يحدد جلالته هذه الأهداف إن لم ينجح في إقناع المواطنين بأهمية تحقيقها، وليس يكفي أن نقول لهؤلاء المواطنين إن أهداف هذا البرنامج ستلبي احتياجاتكم وتحقق مصالحكم، إن لم ينجح جلالته في كسب تأييدهم وإيمانهم بأهمية العمل والتضحية من أجل نجاح هذا البرنامج، وليس يكفي أن يرفع الوزراء الشعارات إن لم تفق النتائج المحققة مع مضمون هذه الشعارات، وليس يكفي أن تتفق النتائج مع المضمون إن لم يحاصر جلالة الملك الطبقة العازلة التي تقف عائقا أمام تنفيذ مشروعه الإصلاحي، وهذه جميعا خطوات ضرورية يدرك جميع المواطنين أن جلالة الملك قادر بحكمته وحنكته وتصميمه على تحقيقها.

متطلبات النجاح

ولعله من المفيد في هذا المجال أن نذكر بما أوضحه جلالة الملك في كتابه «الضوء الأول» الصادر في العام 1986 إذ قال إن الأمر يتطلب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة توزيع الدخل والثروة على المواطنين بشكل يقلل من حدة التفاوت الحالي ويرسخ قواعد الأمن الاجتماعي، بالإضافة إلى ترسيخ مبدأ النزاهة في العمل للصالح العام، فضلا عن تثبيت مبدأ مساواة جميع أفراد المجتمع على مقتضى القانون من دون أدنى اعتبار لصفاتهم الرسمية أو مواقعهم الاجتماعية أو صلاتهم بمراكز السلطة والنفوذ كما يحدث الآن بالنسبة إلى من أشرنا إليهما من الحراس والمصفيين القضائيين.

إن العمل الجاد والمخلص لتنفيذ هذه الأهداف الثلاثة كفيل بتحقيق التكاتف والتلاحم بين جميع المواطنين بمختلف اتجاهاتهم للعمل بكل جدية لإنجاح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، فيقف الجميع صفا واحدا أمام أية دعوة للتخريب أو استخدام الوسائل غير السلمية لإيمانهم بانتهاء زمن الظلم الذي ولّد لديهم الكفر ولاقتناعهم ببزوغ فجر جديد يتعايشون فيه مع النزاهة من أجل المصلحة العامة فيترسخ لديهم أن الوطن وطنهم وتعم خيراته على الجميع بالعدل والمساواة.

نداء إلى جلالة الملك

إن المواطنين الذين حملوا على أكتافهم سيارة جلالة الملك في منطقة سترة تعبيرا عن فرحتهم بأول خطوات برنامجه الإصلاحي يأملون أن يتدخل جلالته ليحسم أمر الطبقة العازلة التي أشرنا إليها وليضرب بيد من حديد على كل من يحاول التدخل في أعمال السلطة القضائية لصالح أفراد بذاتهم، وهم على ثقة في أن جلالته يسعى بكل جهده وطاقته لتنفيذ البرامج التي تضمنها كتابه «الضوء الأول» وفي مقدمتها ما جاء في ص (207-215) والمتمثل فيما يأتي:

1. التدخل الحكومي المباشر لرفع المستوى الاقتصادي للمواطنين من الفئات الاجتماعية التي لم تستفد بشكل ملموس من الثروة والرخاء وذلك باتباع إحدى السياسات المالية المحققة لهذا الهدف.

2 . الإسراع في تنفيذ برامج ومشروعات الإسكان ودعم المواد الأساسية المرتبطة بضرورات المعيشة للطبقات الفقيرة من المواطنين.

3. توسيع قاعدة الملكية في كثير من المؤسسات الاقتصادية الناجحة لتشمل الفئات الاجتماعية الفقيرة وذلك كوسيلة يمكن من خلالها إعادة توزيع الدخل من ناحية وفي الوقت نفسه تجعل توفير الأمن والاستقرار الاقتصادي مصلحة تهم أكبر عدد من المواطنين.

4. توطيد وترسيخ العلاقة بين المردود والعمل إذ يزيد فقدان هذه العلاقة من حدة الأزمة الناتجة عن تفاوت توزيع الدخل، فنجد مجموعات من الأفراد تثرى بشكل كبير وسريع من دون أن تمتلك من المؤهلات أو تنجز من الأعمال ما تتساوى به مع المردود المادي الذي تحصل عليه، في الوقت الذي نجد فيه مجموعات أخرى على رغم كفاءتها وتفانيها في عملها لا تتمتع بمستوى مادي مماثل الأمر الذي ينعكس في شكل غبن اقتصادي بل يبرز في بعض الأحيان في شكل غبن اجتماعي.

5. رصد آثار تطبيق القوانين النافذة وقياس مدى رضا المواطنين عنها ومد اقتناعهم بعدالتها وصحتها.

6. تحقيق الاستقلال الكامل والحقيقي للسلطة القضائية.

وأخيرا... لقد تحلينا بالشجاعة التي طالب بها جلالة الملك مواطنيه لكشف أوكار الفساد وأساليبه، وها نحن نتحلى بالشجاعة مرة أخرى لأننا على ثقة من حرص جلالته على الوفاء بوعده، ولدينا إيمان راسخ بأن النصر سيكون بعون الله حليف جلالته في تثبيت دعائم مشروعه الإصلاحي باعتماد الحوار الإيجابي والبناء منهجا أساسيا لمعالجة جميع مشكلات المجتمع، وبمنح السلطة القضائية استقلالها الحقيقي والكامل باعتبارها الملاذ الأخير لكل مواطن لتحقيق العدل والمساواة، وبالقضاء على أوكار الفساد في جميع المواقع بالمعاونة الصادقة والكاملة من جميع المواطنين.

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 1699 - الثلثاء 01 مايو 2007م الموافق 13 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً