العدد 1708 - الخميس 10 مايو 2007م الموافق 22 ربيع الثاني 1428هـ

أميركا تزيد قوة الإرهاب وحركيته

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الأميركي، هناك تقرير لوزارة الخارجية عن الإرهاب يتحدث عن زيادة ملحوظة في الهجمات الإرهابية في العام 2006، وأن العراق كان الساحة الأكثر دموية لأعمال الإرهاب، إذ استخدم المتطرفون والإرهابيون مختلف الأسلحة والأساليب في هجماتهم بما فيها الأسلحة الكيماوية، وقال التقرير: «إن معظم الهجمات الإرهابية تحصل في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا»، في إشارة إلى العراق وأفغانستان والسودان. كذلك أشار التقرير إلى أن إيران «لاتزال الدولة الراعية للإرهاب الأكثر نشاطا في العالم»، واتهم قوات الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات والأمن في إيران بـ «التورط المباشر في التخطيط للأعمال الإرهابية، ودعمها»، وقال: «إن إيران تواصل تشجيع تنظيمات فلسطينية وحزب الله في لبنان على استخدام الإرهاب لتحقيق أهدافها».

إننا نتساءل أمام هذا التقرير عن السبب لما تسميه وزارة الخارجية الأميركية الإرهاب؟ فنلاحظ أن سياسة هذه الإدارة، برئاسة جورج بوش، قد تكون المسئولة عن هذا العنف المتمثل في المنطقة من خلال الحرب التي تشنها على أفغانستان ثأرا لحوادث 11 سبتمبر/ أيلول في أميركا، من دون دراسة دقيقة لأوضاع الناس في هذا البلد وخلفيات الجهات الحاكمة فيها قبل الغزو الأميركي الأطلسي. فقد كانت الاستخبارات المركزية الأميركية هي التي حركت الكثير من سلبيات أوضاعه في تعبئة الناس ضد الاحتلال السوفياتي السابق بحيث أثارت فيه الكثير من الفوضى الداخلية والتطرف السياسي.

وكان الغزو منطلقا من عملية هجوم ثأري ضد الجهات المتهمة بوقوفها وراء حوادث سبتمبر في عملية وحشية حصدت الكثير من الشعب الأفغاني من المدنيين من دون رحمة؛ ما جعل الإدارة الأميركية غير قادرة على أن تحقق الاستقرار لهذا الشعب، بل زادته قلقا واهتزازا وقتلا وإرهابا، وبالتالي، فإن المأساة لن تنتهي إلا بخروج الاحتلال من أرضه ليقرر الشعب مصيره بعيدا عن التدخل الخارجي.

وإذا انتقلنا إلى الحرب على العراق، فإننا نلاحظ أن الإدارة الأميركية لم تجد مبررا قانونيا للاحتلال، ولم تحصل على شرعية الأمم المتحدة، واحتجت - ومعها بريطانيا - بكذبة كبرى وهي أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة هناك، وحاولت بعد ذلك خديعة العراقيين بأنها أرادت تحريرهم من نظام الطاغية الذي كان أداة أميركية تستخدمه في تنفيذ مخططاتها لخدمة مصالحها، وغرق العراق في ألوان متنوعة من العنف الاحتلالي والتكفيري وحركة المقاومة المنفتحة على أكثر من أفق وتدخلات خارجية وداخلية، ومازال الشعب العراقي يسقط يوميا في إرهاب الاحتلال والقوى الأخرى التي تستحل دماء العراقيين بوحشية طاغية.

وقد سقط الاحتلال تحت تأثير الضربات الموجهة إليه وفشلت خطته في إدارة الوضع العراقي، وفي الأوضاع الأمنية والحياتية التي يتحمّل مسئوليتها، حتى أصبح الاحتلال مشكلة للرأي العام الأميركي والمواقع السياسية الداخلية هناك، ولم يقتنع الأميركيون بأن دولتهم تمارس الحرب على الإرهاب في العراق فحسب، بل إنها تزيد الإرهاب قوّة وحركية وتترك تأثيرها على دول المنطقة المجاورة للعراق المتهمة من قِبل الإدارة أنها وراء الفوضى هناك ولكن من دون دليل.

ولذلك كثرت المطالبة الداخلية للرئيس الأميركي بسحب قواته من العراق من خلال الخسائر الكثيرة التي حدثت لها، إضافة إلى التظاهرات الحاشدة في العراق والعالم، حتى في أميركا، ضد الاحتلال الذي أصبح مشكلة للأميركيين كما هو مشكلة للعراقيين.

وإذا تابعنا سياسة هذه الإدارة، فإننا نلاحظ الطريقة الأميركية في تدخلها في السودان للسيطرة على ثرواته المخزونة في الأرض بحجة مشكلة دارفور، وفي الصومال ثأرا للهزيمة الأميركية فيه، وذلك فضلا عن حركتها في إثارة الفوضى السياسية في لبنان، ودورها في المشاركة في العدوان الإسرائيلي على لبنان، وحصارها سورية من جهة وإيران من جهة أخرى في عقوباتها الاقتصادية في موضوع الملف النووي الإيراني. إلى ذلك كله، إن أميركا تعتبر حركات التحرير من الاحتلال في لبنان وفلسطين حركاتٍ إرهابية، وتعتبر الدول الداعمة لها دولا داعمة للإرهاب، في الوقت الذي تشجع «إسرائيل» على محاصرة الشعب الفلسطيني والحرب عليه، قتلا واعتقالا ومصادرة لأراضيه، وتهديما للبنية التحتية، وتهديدا لأمنه الداخلي من خلال مخابراتها وعملائها والتلويح بكلمات السلام الذي لن يأتي إلا من خلال استكمال الاستراتيجية الإسرائيلية في تهويد القسم الأكبر في فلسطين، بما في ذلك القدس والضفة الغربية.

إن أميركا تترك الشعب الفلسطيني تحت رحمة الوحشية اليهودية التي يمارسها جيش العدو، وتضغط على العرب الخاضعين إلى سياستها للتحرك للدفاع عن «إسرائيل» ضد المجاهدين في ردهم على العدوان بدلا من الدفاع عن الفلسطينيين، وتحرك الدول العربية في مواقعها السياسية والأمنية للهاث وراء «إسرائيل» للحصول على سلام خانع ذليل لن تمنحهم إياه إلا بالشروط التي لا تترك للعرب أيّة قاعدة للعنفوان في ميزان العزة والكرامة.

إن أميركا أعلنت الحرب على الإرهاب منذ سبتمبر 2001 لا لإسقاط الإرهاب، بل لإسقاط المعارضة الكبرى في العالم - ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط - لسياستها الاستكبارية ولمصالحها الاحتكارية، وخصوصا أنها لا تتحدث عن الإرهاب الداخلي الذي يمتد في داخل البلاد الأميركية، ما يتمثل في أكثر من حالة إرهابية قد لا يوجد مثيلٌ لها في العالم.

أما في المشهد الإسرائيلي، فإن الحكومة الصهيونية تطلق تهديداتها العسكرية ضد الفلسطينيين بالقيام بعملية عسكرية ضخمة في غزة، ردّا على عمليات المقاومة التي تثأر للأعمال الإرهابية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في نابلس وجنين وغزة وغيرها، في الوقت الذي تعيش هذه الدولة غير الشرعية الزلزال السياسي في التقرير القضائي في مسئولية الحكومة الصهيونية في الحرب على لبنان باعتبارها حربا غير مبررة؛ لأن الظروف المحيطة بتلك المرحلة لم تكن تفرض مثل هذه الحرب؛ ولأن أسر الجنديين لم يكن إعلانا للحرب بل وسيلة لإنقاذ الأسرى اللبنانيين. هذا إضافة إلى تأكيد التقرير سقوط الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب العدوانية تحت تأثير صمود المجاهدين وضرباتهم القوية الموفقة، وضعف القيادة الحكومية والعسكرية الإسرائيلية في إدارتها الحرب على لبنان؛ ما يؤكد انتصار المقاومة وهزيمة العدو؛ وهو ما جعل بعض الدول العربية المؤيدة لهذا العدوان من خلال دعوتها «إسرائيل» إلى الاستمرار به لإسقاط المقاومة، تشعر بالهزيمة لخططها، كما أوجب صدمة لبعض مواقع الداخل في السياسة اللبنانية الرسمية وغيرها التي كانت تراهن على هذه الحرب في إسقاط المقاومة ونزع أسلحتها.

إننا ندعو الجميع إلى دراسة هذا التقرير وتأثيره في اهتزاز الواقع السياسي والعسكري لدى العدو، وتاليا معرفة قيمة المقاومة في إثبات العزة الوطنية والقومية والإسلامية، واعتبارها قاعدة للانتصار وليست مشكلة للواقع الوطني في الداخل والواقع العربي في الدول العربية التي لاتزال تفكر بطريقة سلبية في نظرتها إلى المقاومة خوفا من امتداد هذه الروح إلى الشعوب التي تنفتح على الحرية في مستقبلها في مواقع التحدي الكبير للاستكبار بجميع أشكاله.

أما في لبنان - الذي عاش مرحلة صعبة في الحادث الأليم الذي اهتز فيه الوطن بكامله وكاد يدخل في فتنة مذهبية غاشمة - فإننا نلاحظ أن القيادات والأحزاب والطوائف قد ارتفعت إلى مستوى المسئولية في رفض السير مع مثيري الفتنة؛ لأن الجميع يدركون أن الفتنة المذهبية أو الطائفية إذا انفتحت على الحرب الأهلية فستحرق الأخضر واليابس، ولن توفر قيادة أو حزبا أو طائفة، وسيسقط الهيكل على رؤوس الجميع؛ ولذلك فقد عاش المواطنون في هذه المرحلة الدقيقة وحدة وطنية عاطفية على مستوى السطح في المشاعر والأحاسيس.

ولكن السؤال هو: لماذا نحتاج إلى حادث مأسوي، أو مشكلة أمنية محدودة، ليشعر الجميع بالحاجة إلى حوار إيجابي فوقي وانفتاح في المشاعر والتمنيات المستقبلية والشعارات المتحدثة عن ضرورة تحويل الكلمات الإيجابية إلى خطط عملية وحدوية وفاقية؟

إن المشكلة في لبنان أصبحت في موقع الخطورة بحيث لا تحتاج إلى حادث جديد في حركة المأساة ومناخ الفتنة... وهذا ما نلاحظه في انقسام البلد إلى فريقين لا يملك أحدهما الثقة بالآخر، فلا نجد هناك من يحمل الآخر على الأحسن في تصريحاته وفي تحليلاته وفي مواقفه، فهناك التراشق بالخضوع إلى الوصاية على مستوى الواقع الإقليمي للبعض، وعلى مستوى الواقع الدولي للبعض الآخر؛ ما يتبرأ منه هذا أو ذاك بادعاء الوطنية التي تطلق مشروعاتها وخطوطها عن مصلحة الوطن.

لقد سقط الوضع الاقتصادي للمواطنين كلهم، ولن تنفع فيه أية عمليات تجميلية فيما قد يطرحه البعض من مشروع إصلاح اقتصادي، وقد تعاظمت الهجرة الشبابية من أصحاب الخبرات والطاقات التي يحتاج إليها الوطن، وقد فَقَدَ العمّال الذين احتفلوا بيومهم العمالي فرص العمل، حتى إن البعض منهم لم يستطع الاستفادة من عطلة ذلك اليوم؛ لأنهم يجوعون مع عوائلهم إذا لم يستفيدوا من فرصة العمل الطارئة.

هذا من جهة ومن جهة أخرى، إن المواطنين يشعرون بالخوف على المستقبل، وأما أصحاب الأعمال فإنهم يخافون من تطوير أعمالهم وتنميتها فيما يمكن أن يثيره البعض من التخطيط للاهتزاز الأمني؛ ولذلك فإننا نرى أنه على القائمين على شئون البلد الرسمية والسياسية أن يدرسوا المرحلة الصعبة التي يمر بها الوطن، ويستنفدوا الوسائل السياسية في اللقاء العملي على أساس إعادة الحوار من خلال الخطة التي تؤدي إلى حكومة وحدة وطنية لا تُزرع الألغام في داخلها، ومحكمةٍ ذات طابع دولي لا ترتكز على عناوين سياسية داخلية أو خارجية، في وحدة وطنية يرجع فيها لبنان وطنا موحَّدا لبنيه لا القوى الخارجية القريبة أو البعيدة التي تتحرك لخدمة مصالحها التي قد لا تكون في مصلحة لبنان.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1708 - الخميس 10 مايو 2007م الموافق 22 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً