العدد 179 - الإثنين 03 مارس 2003م الموافق 29 ذي الحجة 1423هـ

المبدع الإيجابي إنسان معطاء

أفق آخر (منصور الجمري) editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

توماس اديسون اخترع للانسانية الانارة الحديثة، ولكنه كان مطرودا من جميع الاعمال التجارية التي حاول انشاءها، والممولون لتوماس اديسون سحبوا تمويلهم ورفضوا دعمه. هنري فورد، اسمه يذكر كلما تذكر السيارة على رغم انه لم يخترع آلة الاحتراق الداخلي التي تعتمد عليها السيارة. الفرق بين الاثنين، كما يقول بعض المنظرين، ان توماس اديسون مخترع، بينما هنري فورد مبدع، وهناك فرق كبير بين الاختراع والابداع. الاختراع هو خلق الفكرة الاساسية، اما الابداع فهو ترجمة الفكرة الاساسية على الواقع العملي. المبدعون لا يخترعون شيئا جديدا، انهم يخلقون فرصة جديدة لترجمة الافكار المخترعة. المبدعون هم الذين يديرون السوق والاقتصاد وهم الذين يحركون عجلة الانتاج ومشروعات الخدمات. اليابانيون لم يخترعوا فكرة الفيديو، ولكنهم أوجدوا طريقة جديدة وفرصة جديدة لإدخال الفيديو إلى المنازل عبر تصغير آلته وتعليبه بطريقة تلائم الاستخدام المنزلي.

المؤسسات القيادية في الاقتصاد العالمي تسعى إلى تنمية الافراد المبدعين وتوفر لهم التسهيلات كافة وتخصص جزءا من ارباحها لضخه في موازنة سنوية من اجل تطوير المنتجات والخدمات. شركة الكوكاكولا، مثلا، تخترع كل اسبوع أذواقا جديدة لمشروباتها استعدادا ليوم من الايام الذي قد تكتشف فيه المعادلة المستخدمة في صناعة مشروب الشركة الرئيسي. فذلك اليوم يلزم ألا يكون آخر يوم للشركة ولذلك تصرف بسخاء لطرح أذواق جديدة لمنافسة أية شركة تتمكن في يوم من الايام من الاقتراب منها.

يشير احد اكبر علماء الادارة المعاصرين، بيتر دركر، إلى ان المؤسسات لديها سبعة مصادر للابداع:

المصدر الاول، هو النجاح غير المتوقع الذي تحرزه عندما تطرح انتاجا معينا او خدمة معينة للسوق. والفرصة هنا للمؤسسة ان تتعرف على سبب النجاح.

المصدر الثاني، هو تحليل ما استطاعت ان تنتجه المؤسسة في مقابل ما كانت تأمل في انتاجه. فهذا المصدر يوفر فرصة اخرى للابداع.

المصدر الثالث، هو التحقيق في عدم كفاءة طريقة من الطرق التي تستخدمها المؤسسة في انتاج شيء ما، ومحاولة اصلاح الخلل.

المصدر الرابع، هو تغيير هيكلية الصناعة والسوق التي تعمل فيها المؤسسة. فأي تغيير، كاستخدام الكمبيوتر مثلا، سيقضي على وسائل اخرى لنقل المعلومات.

المصدر الخامس، هو التغييرات الديموغرافية التي تسببها الحروب او التطور في الطب او غيرها من المسببات.

المصدر السادس، هو التغيير في الموضة والذوق وأنماط الحياة.

والمصدر السابع، هو الوعي الناتج عن معلومات وأفكار ومخترعات جديدة.

مصادر الابداع المتوافرة لكل مؤسسة (ولكل فرد ولكل حكومة ولكل جماعة) بحاجة إلى مبدعين لكي يستفاد منها. والمبدع الذي يتمكن من الاستفادة من هذه المصادر يمر في خمس خطوات. الخطوة الاولى هي تصور حل لمشكلة من المشكلات التي تواجهه. الخطوة الثانية هي طبخ الحل بصورة جيدة باستخدام العلم والخبرة. الخطوة الثالثة هي اثبات امكان نجاح هذا الحل بصورة مختبرية او تجريبية. الخطوة الرابعة هي اقناع الآخرين بجدوى الحل الذي تم اثباته تجريبيا. اما الخطوة الخامسة فهي ما يتم في ضوئه تنفيذ هذا الحل. وتتضمن الخطوة الاخيرة المحافظة على استمرارية استخدام هذا الحل من قبل اكبر عدد من الناس الذين يحتاجون إليه

هذا الابداع هو الذي مكن الانسان من استخدام العلوم المخترَعة وهو الذي اخرج الانسان من حياة الغابة إلى حياة الحضارة منذ بدء الخليقة حتى اليوم. غير اننا عندما نتكلم عن الابداع نقصد به الابداع الايجابي الذي ينتفع به المرء وينفع به الآخرين او ينفع به اكبر عدد ممكن من البشر. أما الابداع السلبي فهو الذي ينتفع به الشخص لوحده، أو المجموعة لوحدها، أو الحكومة لوحدها، أو الأمة لوحدها، على حساب سعادة ومصلحة الآخرين. الابداع السلبي هو الذي يدفع كثيرا من الحكومات إلى تخصيص افضل امكاناتها لتطوير وسائل الدمار الشامل، واحتكار هذه الوسائل لضمان سيادة مالكها على الآخرين.

الابداع السلبي هو الذي يحوّل الانسان إلى مكانة هي أسوأ من حيوان الغابة، ويجعله يفترس أخاه الانسان بطريقة أشرس من افتراس الحيوان لحيوان آخر.

الانسان مبدع بطبعه، وابداعه لا يتوقف. الفرق هو في اتجاه هذا الابداع وتطبيقات هذا الابداع. والشخص المبدع بصورة ايجابية يسميه الناس «معطاء»، أما الشخص المبدع بصورة سلبية فيسميه الناس «طمّاعا». المعطاء يبني لنفسه وللآخرين، أما الطمّاع فهو يبتلع ما يبنيه الآخرون. المعطاء يتصدر الخير بطبعه، والطمّاع يتصدر الشر بطبعه ... الطمّاع يعيش كالوحش الذي يكتسح الآخرين الأضعف منه، أو يعيش كالطفيلي الذي يأكل من تعب الآخرين. أما المعطاء فهو يعيش معتمدا على نفسه ولا يرمي كَلَّهُ على غيره، لأن الحديث يقول: «ملعونٌ من ألقى كَلَّهُ على الناس»

إقرأ أيضا لـ "أفق آخر (منصور الجمري)"

العدد 179 - الإثنين 03 مارس 2003م الموافق 29 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً