العدد 1799 - الخميس 09 أغسطس 2007م الموافق 25 رجب 1428هـ

نريد لبنان محبة لا بغضاء

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الأميركي قرر الرئيس بوش رفع مساعداته لـ «إسرائيل» بنسبة 35 في المئة ليكون المجموع ثلاثين مليارا من الدولارات في مدى عشر سنوات، وذلك من أجل الحفاظ على التفوق النوعي العسكري على الدول العربية مجتمعة، ذلك أن الولايات المتحدة ترغب في أن تجعل «إسرائيل» قادرة أنى تشاء على القيام بعدوان على العرب والمسلمين المعارضين للسياسة الأميركية ليبقوا في موضع الضعف، وتبقى «إسرائيل» في موقع القوة.

وفي الوقت نفسه، قررت واشنطن تزويد دول الاعتدال العربي - كما تسميها أميركا، بالأسلحة المتطورة بما يبلغ عشرين مليارا من الدولارات من أجل مواجهة قوى الممانعة أو قوى التطرف، كما تسميها، كإيران وسورية وحماس وحزب الله، والدفاع عن السياسة الأميركية وعن مصالحها في المنطقة.

ومن المعلوم أن الأسلحة الأميركية المباعة للعرب مشروطة بشروط قاسية بحيث ينحصر استخدامها ضد العرب والمسلمين في الفتن والحروب التي تثيرها أميركا في أوساطها وليس من المسموح استخدامها ضد «إسرائيل» حتى لو تغيرت ظروف العلاقات العربية معها... ويعلم الجميع أن الأسلحة التي زودت بها الولايات المتحدة «إسرائيل» استخدمت منذ الخمسينات في حروب الدولة العبرية على العرب، والتي كان آخرها الحرب على لبنان، وما جرى خلالها من دعم مطلق لـ «إسرائيل» تمثل بالجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة الأميركية لإرسال القنابل الذكية المتطورة إلى العدو من أجل مساعدته في العدوان وقصف المدنيين اللبنانيين في قراهم ومدنهم في حرب تموز، لأن هذه الحرب كانت حرب أميركا مع «إسرائيل» على المقاومة وعلى لبنان وليست حرب «إسرائيل» وحدها.

من جانب آخر، فإن زيارة وزيرة خارجية أميركا رايس ووزير الحرب الأميركي «غيتس» إلى المنطقة هدفت إلى تجديد تعهد الولايات المتحدة أمن الشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين في المنطقة، وهي الدول التي تصفها «رايس» بالدول «المعتدلة» تحت عنوان مواجهة تهديدات إيران... ونحن نعلم أن هذه الزيارة هدفت إلى إيجاد حالة أمنية خطيرة في المنطقة لمصلحة أميركا، لأن الأوضاع لا تحمل أي تهديد لدول مصر والأردن وكذلك دول الخليج بل إن إيران تعمل على طمأنة دول المنطقة والتأكيد لها بأنها ليست عنصر تهديد لأحد بل هي عنصر سلام على قاعدة التعاون الأمني الذي يحمي دول الخليج من أيّ خطر. فالطاقة النووية الإيرانية لن تستخدم في مجال صنع السلاح العسكري، بل في المجالات السلمية وهو حق لكل الدول بما في ذلك الدول العربية التي بدأت تفكر في ذلك.

ولكن أميركا التي فشلت في احتلالها للعراق، الذي يواجهها بالمزيد من القتلى والجرحى من جنودها يوميا، تحاول أن تغطي هذا الفشل بإثارة الاهتزاز الأمني في المنطقة كلها وإثارة الفتن والحروب السياسية وتعقيد الأزمات المستعصية، كما يحدث في لبنان الذي أطبقت عليه سياسة الإدارة الأميركية من أجل تحويل ساحته إلى ساحة تنفتح على مشروعها في الشرق الأوسط الجديد وذلك من خلال الخصوصية اللبنانية التي تسمح بمثل ذلك انطلاقا من الحرية المتعددة الأبعاد التي يملكها لبنان ومن النظام الطائفي الذي يجعل لكل طائفة علاقة ببعض الدول القريبة والبعيدة للحصول على موقع للقوة في الأوضاع الطائفية المعقدة.

إن أميركا تتخبط في إدارتها السياسية والأمنية في المنطقة ولا سيما في العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان، وتبقى حركتها تأخذ شكل الدوامة الدامية التي تحصد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب من المدنيين في حالة من الهستيريا الاستكبارية التي جعلت منها دولة مكروهة من أكثر من موقع في الشرق الأوسط وفي العالم، لأنها لا تخطط بطريقة إنسانية بل بطريقة وحشية بدأت تنعكس على أوضاعها الداخلية لدى الرأي العام الأميركي الذي أصبح يرفع الصوت عاليا ويطالب بالانسحاب من العراق بفعل الخسائر البشرية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، وبذلك انخفضت شعبية الرئيس الأميركي إلى أدنى المستويات، كما فقد حزبه موقعه الريادي في الحسابات السياسية.

وفي المشهد العربي كان مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة يرحب بما أسماه «العناصر الإيجابية» التي تضمنها خطاب الرئيس الأميركي، حيث رأى إمكان البناء عليها وخصوصا ما يتعلق بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية ودعوته إلى تأييد عقد مؤتمر دولي في حضور الأطراف المعنية بما يسمى عملية السلام بما يؤدي إلى إطلاق المفاوضات المباشرة على المسارات كافة، والبناء على ما تم إنجازه في هذا الشأن إلى آخر هذه الوعود المعسولة، والتي لم تنطلق من أرضية حقيقية لتحقيق السلام، لأن الرئيس الأميركي كان يكرر بين وقت وآخر شعار الدولة الفلسطينية ولكنه لم يتقدم خطوة واحدة في هذا الاتجاه، سواء من خلال خطة الرباعية الدولية أو خريطة الطريق أو الضغط على «إسرائيل» لتغيير الأوضاع الاستيطانية وكارثة الجدار الفاصل وعودة اللاجئين وغير ذلك، وبالأخص الانسحاب من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية على الأقل وإلغاء الحواجز التي تزيد حياة الفلسطينيين سوءا وإيجاد فرصة سياسية للبحث في مفاوضات الحل النهائي الذي يكرر مسئولو العدو بأنهم يرفضونه في هذا الوقت، فضلا عن التمسك بالشرط الأميركي - الإسرائيلي في إيقاف الانتفاضة واعتبارها حركة إرهابية ما يعطّل أيّ حوار جدي بشأن المقاومة الفلسطينية.

هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن الموقف الأميركي - الصهيوني - العربي الذي يلتزم مواجهة «حماس» لمصلحة «فتح» يمنع أي إمكان لإيجاد وحدة وطنية ترتكز عليها الدولة المقبلة ما يؤكد أن هذا الموقف يعمل على إلغاء أية حركة فلسطينية تملك ذهنية التحرير في خط المقاومة، في وقت لم يستطع رئيس السلطة - على رغم من تنازلاته الكثيرة - أن يحقق للشعب الفلسطيني أي مكسب يخفف مشكلاته، بل كل ما هناك أنه يسمع كلمات فضفاضة ووعودا معسولة وتشجيعا على الوقوف ضد حركة حماس وتكرار رفض الحوار معها إلا بشروط تعجيزية.

والسؤال هل هناك عناصر إيجابية واقعية في خطاب بوش؟

الجواب هو أنها كما في الماضي - تمثل وعودا عرقوبية، لأن الإدارة الأميركية من خلال القوى التي تحركها لا تملك الضغط على «إسرائيل» وتسخر بالقرارات العربية في كل مؤتمراتها ونحن نعرف أن أميركا تتعامل مع «إسرائيل» بالمواقف ومع العرب بالكلمات الساحرة.

ويبقى للمؤتمر العربي مجرى الحديث عن موقف الدول العربية الذي يدعو إلى تحقيق السلام العادل والشامل وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وفق مبادرة السلام العربية والمبادئ والأسس التي تستند إليها، وأهمية استمرار الجهود طبقا لخطة التحرك والإطار السياسي اللذين حددتهما لجنة مبادرة السلام في اجتماعها الماضي على المستوى الوزاري.

ولا ندري هل يضحك المؤتمرون العرب من وزراء الخارجية على شعوبهم عندما يتحدثون عن هذه القرارات التي جربوها منذ انطلقت مبادرة السلام العربية في بيروت مما كانوا يواجهون الموقف الأميركي الذي رفض اعتبارها قرارا للتنفيذ بل للمفاوضات التي يعرف الجميع أنها لن تصل إلى نتيجة، والموقف الإسرائيلي الذي اعتبر أنها لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه، حتى أننا لاحظنا أن وزيري خارجية مصر والأردن أكدا للجانب الإسرائيلي في زياراتهم الأخيرة المبادئ الأساسية للمبادرة العربية للسلام، كما لو كانت «إسرائيل» لم تطلع عليها، وقد قالا إن هذه الزيارة كانت بتفويض من لجنة السلام العربية للشرح وليس للتفاوض.

أما «إسرائيل»، فقد أرادت من كل وزراء الدول العربية أن يأتوا إليها خاضعين في عملية استجداء للسلام الذي لا يملكه أحد منهم بل هو ملك «إسرائيل» جملة وتفصيلا، لا سيما بعدما ألغى العرب خيار المواجهة العسكرية على رغم من الأسلحة الضخمة التي اشتروها، حتى أن أكثر المسئولين العرب هاجموا انتصار المقاومة في لبنان على «إسرائيل» لأنهم يخافون حتى من حركة النصر ضد «إسرائيل» بعدما عاشوا ثقافة الهزيمة.

إننا نقول لهم لن تحصلوا من «إسرائيل» على مكسب لمصلحة السلام العادل ولحساب الدولة الفلسطينية القوية القابلة للحياة وسيبقى اللهاث العربي وراء «إسرائيل» حتى تنقطع الأنفاس.

أما لبنان، فإنه ينتقل من أزمة وطنية إلى أزمة فرعية، ما يشغل المواطنين ويستثير الأحقاد في داخل الطائفة الواحدة، ويحرك التصريحات في اتجاه عناصر الإثارة بالأساليب التي لا يحترم فيها أصحابها عقولهم، فيحرفون الكلام عن موضعه ويبعدون المواطنين عن وعي الحقيقة الوطنية التي تجمعهم على الوطن الواحد في خط المواطنة التي يشعرون معها بالمساواة في الحقوق والواجبات... وهكذا يواجهون حالة التنوع والاختلاف بالمذهبيات والعصبيات وتنطلق التصريحات الدولية التي تحذر اللبنانيين من حرب أهلية قد يخطط لها الذين يصنعون المأساة للإنسان اللبناني ليضيفوا إلى حرب الجوع والحرمان حربا حارة جديدة عنوانها التخويف...

إننا نقول لهؤلاء إن اللبنانيين يرفضون الحرب في الداخل على أساس طائفي أو مذهبي أو حزبي لأنهم يريدون السلام للوطن كله وللإنسان كله، وسيسقطون كل الذين يخططون للحرب ويطردونهم من الساحة التي تنفتح على المحبة سواء كانت مسيحية أو إسلامية... ليكون لبنان لبنان المحبة لا لبنان الحقد والبغضاء.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1799 - الخميس 09 أغسطس 2007م الموافق 25 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً