العدد 1820 - الخميس 30 أغسطس 2007م الموافق 16 شعبان 1428هـ

الهم الأميركي هو تقسيم الآخرين إلى معتدلين ومتطرفين

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الأميركي؛ يتحدّث بعض مسئولي الإدارة عن ضرورة التحرّك السياسي والأمني والاقتصادي لإبقاء الولايات المتّحدة الأميركيّة في موقع قيادة العالم، بدلا من أن تكون دولة محدودة السلطة العالميّة وراء البحار. ويؤكّد - في خطابه للكونغرس - أنّ الانسحاب العسكري من العراق يحرم أميركا من ذلك الموقع القياديّ.

إنّنا نتساءل: من الذي أعطى الولايات المتحدة الأميركية الحقّ في فرض قيادتها على العالم، والضغط على قضاياه، والسيطرة على مجلس الأمن، وتهديد - من خلال التحالف مع بريطانيا وفرنسا من جديد - إيران إذا بقيت مصرّة على مواصلة تخصيب اليورانيوم، حتّى لأهداف سلميّة؛ بهدف منع العالم العربي والإسلامي من امتلاك الخبرة العلميّة النووية التي تجعله في حال اكتفاء ذاتيّ؟

إنّ الولايات المتّحدة الأميركية تخطّط لاستغلال موازين القوى التي تتحرّك لمصلحتها؛ لتدعيم امبراطوريّتها الكونيّة ودكتاتوريّتها السياسيّة والاقتصاديّة، تحت ذريعة نشر الديمقراطيّة؟

إنّنا ندعو الشعوب كلّها، ولاسيّما الشعوب المستضعفة، إلى إدراك ذلك، لترتّب أوضاعها بما يحقّق لها القوّة والحرّية والكرامة، من خلال اكتشاف مواقع القوّة عندها، وتحريكها في اتّجاه الموقع القويّ الذي يكفل لها التوازن والاستقلال.

ومن جهة أخرى، يتحدّث بوش عن خيبة أمله من القيادة العراقيّة، في حركةٍ إعلاميّة، داخليّة وخارجيّة، تؤكّد أنّ السياسة الأميركية قد فشلت في احتلالها للعراق، وأنّ وجودها أدّى إلى المزيد من الفوضى الأمنيّة، واستمرار المجازر الوحشيّة، وفقدان الخدمات الضروريّة للشعب العراقي، فضلا عن الخسائر التي يتكبّدها الاحتلال في جنوده وقوّاته.

وإذا كان المسئولون الأميركيّون يتحدّثون عن فشل الحكومة العراقيّة في تحقيق أهدافها، فإنّ الجميع يعرفون أنّ الاحتلال نفسه يمارس الضغط على أيّ حكومة في إطار احتلاله، ويقوم بأكثر من لعبة مزدوجة في الواقع العراقي الداخلي، ولاسيّما من خلال الإثارة الطائفيّة، أي بمحاولة ترمي إلى أن تضمن وحدة العراق وتحقيق الاستقرار له؛ لأنّ الاستقرار يعني انتفاء مبرّر بقاء قوات الاحتلال في العراق.

ومن جهة ثالثة، نلاحظ أنّ الولايات المتّحدة الأميركية تعمل على تحريك الصراع المتنوّع في دول المنطقة، وهي إزاء السقوط المدوّي لمشروع الشرق الأوسط الجديد، تخلّت عمّا تسمّيه نشر الديمقراطيّة في العالم العربي، وأصبحت المسألة لديها هي كيف تقسّم هذا العالم إلى محور اعتدالٍ في مواجهة محور دول التطرّف؛ وهي تقصد من الاعتدال التحالف مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، أو الانفتاح عليه، في مقابل الدول التي لا تزال ترفض ذلك الكيان؛ لتقترب هذه الدول «المعتدلة» من الدولة العبريّة، معلنة استعدادها لحضور المؤتمر الذي دعا إليه بوش تحت عنوان السعي نحو السلام، ما قد يؤمّن للكيان العبري الغطاء الواسع في تكريس استراتيجيته في الاستيلاء على أرض فلسطين، وإبقاء مساحات محدودة فاقدة لشروط الحياة الطبيعيّة، مع غياب أيّ فرص واقعيّة لقيام الدولة الفلسطينيّة، في ظلّ التحالف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي.

وفي هذا الجوّ، نلتقي بحال الضعف العربي، ولاسيّما سلطة الرئيس الفلسطيني الذي لم يستطع أن يحصل على أمن الضفّة الغربيّة، سواء من جهة إيقاف الاجتياح والاعتقالات، أو إزالة حواجز الاحتلال... كما أنّ هذه السلطة قد تكون ضالعة في التخطيط مع الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية من أجل الضغط على الشعب الفلسطيني في غزّة اقتصاديّا؛ وذلك تحت عنوان الضغط على حركة حماس، في ظلّ استمرار الطائرات الإسرائيليّة في استهداف المجاهدين تارة، والمدنيّين أخرى، بحجّة الدفاع عن الشعب اليهوديّ، من دون أيّ حديثٍ عن مسألة الاحتلال للأرض التي تدفع المقاومة إلى الاستمرار في المواجهة؛ وذلك هو منطق الغرب في إعطاء العدوّ العذر في وحشيّته، إضافة إلى الصمت الرسمي العربي الذي أدار ظهره للشعب الفلسطيني، فلم تحاول الدول العربيّة الدخول في توحيد هذا الشعب من جديد؛ لينطلق في حكومة وحدة وطنيّة؛ لأنّ أميركا و»إسرائيل» ترفضان عودة حركة حماس إلى مواقعها الرسمية في الساحة السياسية.

إنّ مشكلة العالم العربي، بالنسبة إلى القضيّة الفلسطينيّة، هي أنّ هناك أكثر من موقع نفوذٍ عربيّ يضغط على الحكومة الفلسطينية حتّى تخضع للخطّة الإسرائيليّة - الأميركيّة في تحجيم القضيّة الفلسطينيّة؛ وذلك بهدف تكريس منطق الهزيمة العربية والسقوط السياسي للقمم ومؤتمرات وزراء الخارجيّة العرب، التي تصدر مقرّراتها على طريقة الموضوعات الإنشائيّة. وهذا ما يفرض على الشعوب العربيّة والإسلاميّة التنبّه إلى المستقبل الهزيل الذي يعمل عليه حكّامهم، والذي يُراد له أن يكون مستقبل الأمّة كلّها.

وفي هذا السياق، فإنّنا، في ظلّ وجود الخطر على المسجد الأقصى من خلال الحفريّات التي لايزال الكيان الإسرائيلي يُمارسها، نؤكّد في هذه المرحلة من تاريخنا ضرورة استعادة ذكرى محاولة إحراق المسجد من قبل اليهود، للتدليل على الخطّة القديمة/ الجديدة في نطاق سعيه لإزالة كلّ المقدّسات الإسلاميّة، وتهويد القدس بالكامل.

أمّا لبنان، فإنّ المشكلة التي تكمن في نسيجه السياسي، أنّ الولايات المتّحدة الأميركية لاتزال تضغط على قراراته الحاليّة والمستقبليّة؛ حتّى أنّها تتدخّل في تحديد شخصيّة الرئيس اللبناني؛ لتفرض على اللبنانيّين بعض الشروط السلبيّة في عمليّة اختياره بما يتّفق مع مصالحها في الاستحقاق الرئاسي. ومن الطريف أنّ ثمّة من لايزال يتحدّث عن الحرّية والاستقلال ورفض الوصاية...

كما أنّ الاجتماعات الطائفيّة الداخليّة قد تكون مجرّد تغطية للإيحاءات الدوليّة، في الوقت الذي يعرف الجميع أنّ الخطّ الطائفي، لا الوطني، هو الذي يحكم الواقع السياسي، في استحقاقاته الكبيرة والصغيرة؛ والقضيّة التي تفرض نفسها هنا، أنّ الانتماء المسيحي الماروني للرئيس لا يعني ألاّ يكون للبنانيّين الآخرين دور في تحديد شخصيته، في الوقت الذي سيخضعون لقيادته.

إنّ المسئول الأوّل في لبنان، كبقيّة المسئوليّن في مواقع السلطة الاشتراعيّة أو التنفيذيّة، لابدّ من أن يكون للوطن كلّه، بحيث يلتقي عليه المواطنون، لا طائفته الخاصّة فحسب؛ لأنّ مسألة الانتماء الطائفي لأي مسئول لا يعني أنّ طائفته هي التي تحكم الوطن؛ ليكون اختياره تابعا لطائفته، لا للوطن.

إنّ سقوط الواقع السياسي والاقتصادي والأمني على مستوى الداخل وعلى مستوى انفعال الداخل بالخارج، كان، ولايزال، نتيجة النظام الطائفي المتخلّف؛ فلينطلق اللبنانيّون إلى نظام المواطنة؛ فهو الذي يؤنسن النظام، ويؤنسن السياسة كلّها.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1820 - الخميس 30 أغسطس 2007م الموافق 16 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً