العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ

التطلع إلى سبوتنيك عربية

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول 1957، تغير التاريخ عندما أطلق الاتحاد السوفياتي بنجاح المركبة الفضائية سبوتنيك 1. لقد كانت أول مركبة فضائية يشهدها العالم في حجم كرة السلة، وبلغ وزنها 183 رطلا فقط، واستغرق دورانها حول الأرض نحو 98 دقيقة.

لقد شكل ذلك الإطلاق فاتحة تطورات جديدة في المجالات السياسية والعسكرية والتكنولوجية والعلمية. وبينما كان إطلاق مركبة سبوتنيك إشارة إطلاق لسباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فقد كان كذلك إشارة إيقاظ على الجبهة التعليمية الأميركية. لقد أصبح واضحا بأن الولايات المتحدة لم تكن في وضع تنافسي مريح فيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا. لم تكن المعاهد الأميركية تُخرِّجُ عددا كافيا من الخريجين المؤهلين في الرياضيات والعلوم.

إطلاق مركبة سبوتنيك 1 غيرت النظرة إلى التعليم في الولايات المتحدة. أصبح هنالك إدراك مفاجئ بالحاجة إلى معالجة الثغرات الأكاديمية في الرياضيات والعلوم. وقد صب صانعو السياسة والكلّيات والمؤسسات موارد كبيرة لإصلاح ذلك الوضع. وفي غضون عقد من الزمان لم تنجح الولايات المتحدة فقط في إنزال أول رجل على القمر بل نجحت أيضا في إصلاح النظام التعليمي إصلاحا جذريا.

وفي غضون ذلك مازال العالم العربي يتطلع إلى تحد على شكل تحدي سبوتنيك فيما يتعلق بشئونه.

مازالت شعوب العالم العربي تكافح فيما يتّصل بأنظمتها التعليمية - وهي دون شك إحدى الأسباب الرئيسية من وراء تقدم العالم العربي الاقتصادي البطيء. فعلى جميع المستويات أداء الطلبة العرب هو أداء ضعيف. العلوم والرياضيات ما زالت ضعيفة. ويكتشف الطلبة بأنهم متأخرون وراء معظم بلدان العالم. في بعض الحالات، انعدام الموارد للتعليم هي السبب في ذلك التأخُّر. ومع ذلك، وحتى عندما تكون الموارد المخصصة للتعليم كبيرة، فإن النتائج ليست مشجعة. وعلى ما يبدو فإن هنالك ما يشبه الجدار الذي يفصل بين أنظمة التعليم العربية وبين سائر العالم.

إصلاح الأنظمة التعليمية العربية هي أولوية ملحة.

مسألتان رئيسيتان اثنتان ما زالتا تنالان من الأنظمة التعليمية في العالم العربي: مناهج جامدة بالية؛ وأساتذة تعوزهم الحوافز. ففي معظم البلدان العربية، فرص التوظيف في قطاع التعليم ليست قائمة على أسس الكفاءة. الأساتذة نادرا ما يُعتبرون مسئولين عن الأداء السيئ لتلاميذهم، والذي هو سيئ عموما.

التعليم في معظم الحالات هو، ويا للأسى، الملاذ الأخير للحصول على وظيفة. إن من الصعب معالجة الإصلاح التعليمي عندما يكون 50 في المئة من القوة العاملة في هذا القطاع مهمشة في بعض البلدان العربية. ويمكن للبلدان العربية أن تُضيف مخزونا جديدا من الأساتذة الأكفاء والمتحفزين إذا تمت إزالة العوائق الثقافية والمؤسسية أمام اشتراك المرأة في سوق العمل. في العام 2003، جرت دراسة تحت عنوان «توجهات في دراسة الرياضيات والعلوم الدولية» تم من خلالها تجربة كفاءات طلاب الصف الثامن في 45 بلدا. الشعوب العربية - بما في ذلك بعض البلدان الغنية المُنتجة للنفط - كانت من بين أواخر درجات التحصيل في الدراسة. وقد عَزَت سوزان ميير من جامعة شيكاغو العلامات المتدنية إلى توقعات الأساتذة قائلة: «إن إحدى الطرق لرفع نتائج الاختبارات هو رفع التوقعات فيما يمكن للطلبة تحقيقه». إذا لم يتغير هذا التوجه الثقافي، فليس بالإمكان إحراز أي تقدم. يُضاف إلى ذلك أن التعليم الابتدائي والثانوي الضعيف هو السبب وراء ضحالة التفكير التحليلي لطلاب الجامعات العربية. ففي كل عام يجد مئات الآلاف من خريجي الجامعات أنفسهم من دون مهارات تؤهلهم للحصول على وظائف. كما إن بطالتهم تُساهم في القلق الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي في الشارع العربي.

في السنوات الأخيرة، بدأت كثير من الشعوب العربية في الاستثمار بسخاء وكثافة في التعليم العالي بحيث جذبت وأقامت شراكات مع بعض من أشهر جامعات العالم. هذه خطوة في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك فإن المثالب الجوهرية في التعليم ما زالت قائمة. الطلبة مازالوا غير متحفزين نحو العلوم والرياضيات. النقائص في العلوم والرياضيات على مستويات التعليم العالي تعود إلى رداءة مستويات التعليم في المراحل التكوينية الأولى. إصلاح التعليم في العالم العربي يتطلب الرؤى والقيادة. يجب أن يتفهم واضعو السياسة العربية بأنه من أجل الاندماج بنجاح في الاقتصاد العالمي يجب القيام بإصلاح شامل لجميع أوجه نظام التعليم العربية. هنالك حاجة ملحة عاجلة للشك في الوضع القائم والمطالبة بتغييرات فورية. إصلاح المناهج من أجل التأكيد على العلوم والرياضيات هو خطوة أولى، وكفاءة الأساتذة ومساءلتهم هي في الدرجة نفسها من الأهمية، فأطفال العالم العربي يستحقون ما هو أفضل.

إن الدراسة المذكورة أعلاه هي واحدة من دراسات عديدة مماثلة توصلت إلى نتائج مماثلة يجب أن تكون ناقوس الخطر لقادة العالم العربي. يجب أن تكون «السبوتنيك العربي». وبينما قد يُقلل البعض أو ينالون من أهمية تلك الدراسات، فالحقيقة هي أن النظم التعليمية في العالم العربي قد كان أداؤها أداء مُخجلا. لقد كانت ردة فعل الأميركيين لمركبة سبوتنيك سريعة، ويجب على العرب أن يكون لهم ردة فعل على التحدي الذي يواجهونه.

*عميد تنمية الموارد في كلية هاريس للسياسات العامة في جامعة شيكاغو، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً