العدد 1878 - السبت 27 أكتوبر 2007م الموافق 15 شوال 1428هـ

قراءة في تقرير «التوقعات البيئية العالمية الرابع» (1)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

صدر في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري تقرير التوقعات البيئية العالمية الرابع (جيو 4) الذي أعده برنامج الأمم المتحدة للبيئة والذي يصدر كل خمس سنوات وشارك في إعداده نحو 390 خبيرا وراجعه أكثر من 1000 خبير من مختلف مناطق العالم. ويعتبر هذا التقرير من أكثر التقارير شمولية وموثوقية في تقويمه الوضع الحالي للبيئة على مستوى العالم ومناطق العالم والمرجع الرئيسي لتحليل القضايا البيئية التي يواجهها العالم حاليا ومستقبلا، والأكثر تأثيرا في وضع أجندة العالم في المجال البيئي.

صدر التقرير الرابع تحت عنوان «البيئة من أجل التنمية» لتأكيد دور البيئة الحيوي والأساسي في خدمة التنمية؛ ومراجعة وتتبع التقدم المحرز في تحقيق التنمية المستدامة بعد عشرين عاما من نشر تقرير «برنتلاند بشأن التنمية المستدامة» بعنوان «مستقبلنا المشترك» في العام 1987، الذي يرجع له الفضل في إبراز ونشر مفهوم ومبادئ التنمية المستدامة عالميا والدعوة إلى إنشاء التوازن بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة واستدامتها، والحث على النظر إلى استخدام الموارد الطبيعية بعقلانية لخدمة احتياجات الجيل الحالي من دون التضحية باحتياجات الأجيال القادمة، والمساهمة في وضع موضوع التنمية المستدامة على جدول أعمال حكومات العالم.

واحتوى التقرير على عشرة فصول رئيسية تنتقل من التحليل المنظم والمعمق للقضايا البيئية على مستوى العالم ومناطقه المختلفة، إلى رؤية مستقبلية مبنية على سيناريوهات مستقبلية تمتد إلى السنوات الخمسين المقبلة، وانتهاء بخيارات العمل والتحرك الملحة والمطلوبة لتعديل المسار في مجال المحافظة على البيئة واستدامة التنمية.

الفصل الأول، بعنوان «البيئة من أجل التنمية»، يبيّن كيف لتدمير البيئة أن يؤدي إلى إعاقة التنمية ويهدد الرفاه الإنساني الحالي والمستقبلي، ويبيّن أن العالم قد تغير اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بشكل راديكالي منذ 1987، فلقد زاد عدد سكان الكرة الأرضية بنسبة 34 في المئة، وازداد حجم التجارة ثلاثة أضعاف وزاد متوسط الدخل العالمي للفرد بنحو 40 في المئة، إلا أن هذه الزيادة والتغيرات كانت متفاوتة وغير متساوية بين مناطق العالم. فعلى سبيل المثال زادت الديون على الكثير من دول العالم النامية وأصبحت تعوق التنمية فيها، إذ تدفع بعض الدول الواقعة جنوب الصحراء في إفريقيا ديونا تساوي ثلاثة أضعاف ما تقدمه لشعوبها من خدمات أساسية.

ومن ناحية أخرى فإن عولمة التجارة سهلت عملية انتشار الأجناس الغازية على مستوى العالم، كما أدى التصنيع وتلوث البيئة إلى زيادة الأمراض المتعلقة بالتلوث والتعرض للتلوث البيئي إلى ما نسبته ربع الأمراض الكلية التي يتعرض لها البشر في العالم، مثل الأمراض التنفسية وبعض أنواع السرطان والأمراض المنتقلة من الحيوان إلى الإنسان (مثل انفلونزا الدجاج). أما بالنسبة إلى الطاقة، فيواجه العالم حاليا خطرا مزدوجا من حيث عدم وجود إمدادات كافية وآمنة للطاقة من ناحية، والتدهور البيئي الناتج من الاستهلاك العالي من الطاقة من ناحية أخرى. كما أن التنمية نفسها قد تكون في بعض الأحيان مسببة للتدهور البيئي، مثل مشروعات التنمية الحضرية التي تتسع وتتمدد على السواحل من دون الأخذ في الاعتبار تخفيف تأثيراتها المدمرة على البيئة البحرية.

ويعنى الفصل الثاني بالغلاف الجوي ويركز على ثلاثة موضوعات رئيسية هي تلوث الهواء وخسارة طبقة الأوزون وتغير المناخ. ويشير الفصل إلى الجهود المبذولة في تنظيف بيئة الهواء في السنوات العشرين الماضية في بعض مناطق العالم، إلا أنه يشير كذلك إلى أن التقدم كان مجزءا وأن هناك أكثر من مليوني شخص على مستوى العالم يموتون قبل بلوغ سن الوفاة بسبب تلوث الهواء الداخلي والخارجي، كما يشير إلى زيادة تلوث الأوزون الأرضي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية مؤثرا على صحة البشر وإنتاج المحاصيل. أما بالنسبة إلى مشكلة الأمطار الحمضية فقد أصبحت ذات أهمية متدنية في دول أوروبا وشمال أميركا ويعتبرها قصص نجاح بسبب الإجراءات التي تم اتخاذها لمواجهة هذه المشكلة في هذه المناطق، ولكن هذه المشكلة أصبحت تهدد بعض منطقة آسيا. ويشير التقرير إلى أن بعض النجاحات التي تم تحقيقها في الدول المتقدمة في مجال بيئة الهواء كانت على حساب الدول النامية، إذ تم تصدير إنتاج البضائع إلى هذه الأخيرة مع تأثيراتها البيئية.

وفي قضية تغير المناخ العالمي يشير الفصل إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الإحفوري، قد ازدادت بمقدار الثلث خلال السنوات العشرين الماضية، ومن المتوقع أن تزداد هذه الانبعاثات إذ من المتوقع أن يستمر النفط والغاز في الهيمنة على مصادر الطاقة في العالم في السنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة. وبسبب ذلك فإن المحيطات قد أصبحت أكثر حمضية وأصبحت الشعب المرجانية والحيوانات الرخوية مهددة بشكل أكبر. وحاليا يوجد دليل واضح وجليّ على تأثيرات تغير المناخ وكذلك إجماع عام على أن الأنشطة البشرية هي المسبب الرئيسي لعملية التسخين، إذ ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمي نحو 0.74 درجة مئوية منذ العام 1906 ومن المتوقع أن ترتفع ما بين 1.8 إلى 4 درجات مئوية خلال هذا القرن، كما يتوقع العلماء أن تقوم عمليات إذابة الثلوج وزيادة بخار الماء في الغلاف الجوي بزيادة هذا المدى الحراري المتوقع، ومن المتوقع أن يؤدي زيادة درجة الحرارة إلى تفاقم بعض الأمراض مثل الملاريا وإنقاص الإنتاج العالمي للغذاء.

ويشير التقرير إلى أن الدول المتقدمة مازالت تمتلك أعلى نصيب للفرد من استهلاك الطاقة الإحفورية، وأن الطلب على الطاقة الإحفورية في تزايد مستمر في الكثير من القطاعات مثل النقل والمواصلات، فعلى سبيل المثال زادت المسافات المقطوعة بواسطة الطائرات بنسبة 80 في المئة في الفترة من 1990 إلى 2003. ولذلك، فإن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات حادة لتقليل هذا الطلب أو تعديله لتقليل الانبعاثات الغازية، وهذا بدوره سيتطلب الإرادة السياسية ومشاركة الكثير من ذوي العلاقة. كما أنه على رغم أن موضوع التكيف مع تأثيرات تغير المناخ قد أصبح حاليا من الأولويات العالمية، فإن هناك تلكؤا ومستوى استجابة يرثى له في موضوع تقليل الانبعاثات الغازية الناتجة من الأنشطة الإنسانية، إذ رفضت بعض الدول ذات الانبعاثات الغازية العالية، مثل الولايات المتحدة، التصديق على اتفاق تغير المناخ العالمية (بروتوكول كويوتو).

وعُني الفصل الثالث من التقرير بموضوع الأراضي، وبيّن أن النمو السكاني والتنمية الاقتصادية والأسواق العالمية قد أدت إلى تغيرات في استخدامات الأراضي بمعدلات غير مسبوقة، وأنه على رغم أن معدل التوسع في الأراضي الزراعية قد انخفض منذ العام 1987، فإن تكثيف استخدامات الأراضي قد زاد بشكل دراماتيكي، إذ زاد متوسط معدل إنتاج المزارعين من طن واحد إلى 1.4 طن، ومتوسط إنتاج الهكتار الواحد من 1.8 طن إلى 2.5 طن، ويؤدي هذا التكثيف في الإنتاج الزراعي لدرجات تفوق طاقة التربة إلى تدهور هذه الأراضي وعدم استدامتها، وخصوصا في المناطق الجافة، بسبب التلوث الناتج من الاستخدام المكثف للمياه واستنزافها وتملح المياه والتربة، وكذلك بسبب تكثيف استخدام الكيماويات لزيادة الإنتاج الزراعي وتأثيراته الخطرة على الإنسان والتربة والمياه، وزيادة معدلات نضوب المغذيات التي تمتلكها التربة، وتعرية وخسارة التربة، وفي النهاية خسارة الأمن الغذائي.

ويتوقع التقرير أن يزداد التلوث الكيماوي مع الوقت وفي ضوء هذه الممارسات غير المستدامة، إذ يتم حاليا استخدام أكثر من 50 ألف مركب كيماوي تجاري للأغراض الزراعية، يضاف إليها أكثر من 100 مركب سنويا، ومن المتوقع أن يزداد إنتاج هذه الكيماويات بنسبة 85 في المئة في السنوات العشرين المقبلة، إذ يعتمد نحو ثلثي سكان العالم في تحقيق أمنهم الغذائي على هذه الأسمدة الكيماوية وخصوصا النيتروجين، ومن المتوقع أن تزداد الأضرار البيئية للإنسان والبيئة الحيوية بسبب المخلفات الناتجة من استخدام هذه الكيماويات بشكل مكثف.

وفي موضوع التصحر يشير التقرير إلى أن تدهور الأراضي يؤدي إلى الفقر، إلا أن الفقر يعمل بدوره على تزايد تدهور الأراضي، ويشير إلى أن الدول الفقيرة الواقعة في المناطق الجافة المتعرضة لعملية التصحر تسجل معدلات منخفضة في التنمية البشرية وتشير الإحصاءات إلى أنها تعاني من ارتفاع معدل وفيات الأطفال (54 لكل ألف شخص) بنسب تصل إلى 23 في المئة أعلى من الدول المتقدمة وعشرة أضعاف الدول الصناعية، ويبيّن أن ندرة المياه تعيق التنمية وصحة الإنسان وسلامة الأنظمة الحيوية، وأن 70 إلى 80 في المئة من المياه تستخدم حاليا في الزراعة، وأنه لتحقيق الهدف الإنمائي للألفية المتعلق بخفض نسبة الجوع في العالم فإن ذلك سيتطلب زيادة الإنتاج الزراعي الحالي إلى الضعف؛ ما يعني زيادة الكميات المستهلكة وبالتالي زيادة استنزاف المياه وتدهور نوعيتها.

كما يشير التقرير إلى أن النمو السكاني سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على الغذاء في العالم بما نسبته من 2.5 إلى 3.5 أضعاف عن المستوى الحالي، وأن في ضوء تناقص الأراضي الزراعية بسبب التنافس المحموم عليها من التنمية الحضرية والأنشطة الترفيهية والأنشطة الاقتصادية الأخرى وتحويلها لهذه القطاعات، وكذلك بسبب وصول الإنتاج في أنظمة المزارع القائمة حاليا إلى أقصى طاقاتها، فإن من المتوقع أن يبدأ إنتاج الغذاء العالمي بالهبوط بعد وصوله إلى نقطة الذروة. ويطرح التقرير بعض الطرق لمواجهة هذه التحديات من خلال تحديث طرق الزراعة واستخدام الزراعة المحكمة والدقيقة واستنباط محاصيل مقاومة للحشرات، إذ تؤدي الحشرات إلى خسارة 14 في المئة من المحصول الزراعي العالمي. أما بالنسبة إلى استنباط المحاصيل المعدلة وراثيا فمازالت هذه القضية مثيرة للجدل في الكثير من الدول، وهناك مخاوف عدة منها على المدى البعيد، كما يمكن أن تؤدي إلى اختفاء تلك المحاصيل الأصلية غير المعدلة وراثيا.

يستكمل المقال القادم فصول التقرير المتعلقة بالمياه والتنوع الحيوي وحال البيئة في أقاليم العالم المختلفة.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1878 - السبت 27 أكتوبر 2007م الموافق 15 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً