العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ

التفاوت الفاحش والفقر... نتاج النظام البشري (2)

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

مستوى التفاوت في الدخل والانفاق، مرتفع جدا في بعض الدول النامية، وذلك يعود للحكم الاستبدادي، وسيطرة ثلة قليلة تمثل الطغم الحاكمة، على الإمكانات الاقتصادية والثروات بواسطة النفوذ والقوة في أجهزة الدولة، إذ لا يوجد التزام وتطبيق نزيه لنظام اقتصادي معيّن؛ ولكن التفاوت الذي تتسم به المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، ذات الحكم الديمقراطي، فيعود للنظام الاقتصادي ذاته. في الولايات المتحدة الأميركية، حصة 20في المئة فقط من السكان 45.8في المئة من الدخل أو الإنفاق، ويشترك باقي السكان الذين يشكلون 80في المئة في الـنسبة المتبقية. (انظر تقرير التنمية البشرية لعام 2006، جدول 15) ومن خلال التتبع لأكثر من عقد من السنوات الماضية، فإن هذه الحالة مستمرة منذ نهاية الثمانينات.

النظام الذي ينظم علاقة البشر ويحدد الحقوق والواجبات في العملية الاقتصادية، مثله مثل جداول الماء، فمهما كان الماء قليلا أو كثيرا، فإن النتيجة مقررة مسبقا بشأن المكان الذي تجري نحوه تلك المياه.المياه تجري دائما في إطار الجداول. كذلك، فإن النظام الاقتصادي على المستوى المحلي وعلى مستوى تنظيم العلاقة بين الدول، يقرر مسبقا المآل والنتيجة، منصفة أم ظالمة، فلا مكان للضعفاء - عادة - سوى التبعية والعمل بما يفرضه الأقوياء الذين ورثوا المال والثروة من آبائهم، فبقوا أقوياء، لأن النظام يسمح لدور متعاظم للمال في صناعة مزيد من المال، ويجعل من القدرات الفكرية والجسدية مجرد سلعة في السوق، يتحكم فيها قانون العرض والطلب. وبغض النظر عن الاستثناءات هنا وهناك، في ظل النظام القائم حاليا، فان القانون قرر مسبقا كيف تجري اللعبة ولمصلحة أي طرف، فالنتائج عادة ما تصب في صالح رأس المال ومن يملكه.

المعادلة نفسها تنطبق على المستوى الدولي، فإن القواعد والآليات، التي تنظم العلاقة بين الدول في الشأن الاقتصادي، هي السبب الأبرز وراء التفاوت الشاسع الحاصل حاليا بين الغرب المتقدم والشرق المتخلف. حتى قبل ثلاث سنوات، ومن خلال الإحصاءات الموجودة تقرير التنمية البشرية لعام 2003، فإنّ العالم النامي - العالم الثالث - يضم ما يقارب 79في المئة من سكان العالم، إلا أن نصيبه لا يتعدى 20في المئة من مجموع الدخل العالمي، وتستحوذ الدول المتقدمة على أضعاف هذا الدخل مع أن سكانها يشكلون تقريبا 18في المئة من سكان الكرة الأرضية. نصيب الفرد في الدول المتقدمة من إجمالي ما ينتجه العالم ارتفع لأكثر من 16 مرة تقريبا من نصيب الفرد في الدول النامية، مع أن بعض الدول النفطية المحسوبة في خانة الدول النامية، كدول الخليج، يفوق متوسط دخل الفرد فيها بعض الدول المتقدمة، ولو تم استثناء الدول النامية النفطية، لكان البون شاسعا بصورة أشدّ بين نصيب الفرد في العالمين، المتقدم والنامي (المتخلف). وفي تقرير 2006، ذكر أن الفجوة بين أغنى الدول وأفقرها ازدادت، بل أفراد قلائل يمتلكون أكثر من دول بأكملها، فـ «إجمالي دخل أغنى 500 شخص في العالم يفوق الآن دخل أفقر 416».

فيما مضى من الزمن وحتى ثمانينات القرن الماضي، تم إثارة حاجة المجتمع الدولي إلى نظام اقتصادي جديد، يقوم على مبادئ أكثر عدلا، بدلا من النظام السائد الذي أنتج كل هذا التفاوت فيما بين العالمين المتقدم الرأسمالي والعام النامي. وبدلا من الاتفاق على مثل هذا النظام الذي ينصف الدول النامية، ويسمح لها بالتقدم ومنحها القدرة على المنافسة بدلا من التبعية، فإن عددا من الحوادث، منها سقوط التجربة الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفياتي، أدى لمجرى أسوأ من السابق. فقد استطاع أعداء فكر جون كينز الذي ساد منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية في الدول الرأسمالية المتقدمة، في الترويج لليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي تبشّر بمزيد من التفاوت كمقدمة في اعتقاد المنظرين لها لتحقيق التنمية التي سينعم بها الكل فيما بعد. طبيعي أن هذا يتناقض بشدّة مع أدبيات الأمم المتحدة الانمائية، التي ترى أن التنمية فاشلة في حال التفاوت الفاحش في المستوى المعيشي والدخل حتى لو ارتفع متوسط دخل الفرد. لقد تم على المستوى الدولي تكريس مزيد من العلاقات غير المتوازنة بين الدول المتقدمة وتلك النامية (المتخلفة) أشد من السابق. والمتوقع أن يحدث التوجه الاقتصادي العالمي الجديد فجوة أوسع في التفاوت لصالح العالم المتقدم، وعلى حساب الدول النامية المندمجة في الاقتصاد العالمي بقيادة تلك الدول المتقدمة.

إن الفقر يتزايد كلما يسوء توزيع الدخل، سواء على مستوى المجتمع الدولي، نتيجة النظام الاقتصادي السائد بالدرجة الأولى، أو المجتمع المحلي حيث يتآزر مع مشكلة النظام الاقتصادي ذاته فيما يتعلق بالدول النامية، استبداد بالدخل والثروة، تدعمه قوة وبطش الجهاز السياسي الحاكم.

ملاحظة: أكثر الأرقام مأخوذة من تقريري التنمية البشرية للعام 2003 والعام 2006.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً