العدد 1890 - الخميس 08 نوفمبر 2007م الموافق 27 شوال 1428هـ

العرب لا يملكون أوراقا في مؤتمر أنابوليس

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

لايزال فريق التفاوض الاسرائيلي يُدخل الجانب الفلسطيني في متاهات سياسيّة، ويُريد من الفلسطينيّين تطبيق خريطة الطريق بكاملها، في حين تنتقي «إسرائيل» ما تريده منها لتطبيقه على ضوء مصالحها، ولاسيّما أنّها أضافت إليها شروطا تمنع من حصول الفلسطينيّين على نتائج كُبرى ممّا يطرحه الفلسطينيّون في شعاراتهم الوطنيّة.

وفي جانبٍ آخر، يطرح نائب رئيس وزراء العدوّ ضرورة إجراء تبادل سكّاني يضمن غالبيّة يهوديّة للكيان العبري، متمسّكا ببقاء شرقي القُدس والحرم الشريف تحت السيادة الإسرائيليّة، واعترض على حقّ اللاجئين في العودة، وعلى فتح الممرّ الآمن بين الضفّة والقطاع، ودعا إلى أن تؤكّد التسوية الطابع اليهودي والصهيوني لـ «إسرائيل»؛ وهذا ممّا وافق عليه الرئيس الأميركي في مرحلة سابقة.

وعلى هذا الأساس انطلقت الخطّة الإسرائيلية لتدعو كلّ يهود العالم للمجيء إلى فلسطين، من أجل أن لا يبقى للشعب الفلسطيني أيّ فرصة للامتداد في أرضه، أو للعودة إلى قُراه ومدنه.

والسؤال الموجّه للعرب الذين يبشّر بعضهم، ممّن يقيم علاقات دبلوماسيّة مع الكيان الغاصب، بانعقاد المؤتمر الدولي: ما هي الأوراق التي يملكها هؤلاء، وغيرهم، التي يُمكن أن تقوّي موقعهم في مفاوضات المؤتمر، في الوقت الذي يعرفون فيه أنّ مبادرتهم «البيروتيّة» لا تمثّل شيئا لدى «إسرائيل» وأميركا كقاعدةٍ للحلّ وكمنطلق للسلام، وأنّ الأهداف التي تعلن عنها السلطة الفلسطينيّة في تحقيق دولتها لا تمثّل دولة قابلة للحياة أمام المستوطنات الكبرى والجدار العازل ومصادرة القدس والسيطرة على المياه؟!

ومن الطريف أنّ بعض المسئولين العرب الذين لم يصالحوا العدوّ حتّى الآن ويعلنون أنّهم سيحضرون المؤتمر، يبرّرون حضورهم بأنّه كحضورهم في الأمم المتّحدة وفي المؤتمرات الدوليّة ممّا لا يمثّل تطبيعا مع العدوّ؛ ولكنّهم يعرفون أنّهم يخدعون أنفسهم قبل أن يخدعوا الناس بهذا الوهم السياسي؛ لأنّ هذا المؤتمر خاص باللقاء مع الكيان العبري، وبإيجاد حالة توافقيّة تطبيعيّة ولو من حيث المبدأ، ولكن من دون أن يحصلوا على أيّ مكسب سياسي لمصحلة القضية العربيّة والفلسطينيّة. لذلك، فإنّنا نكرّر تحذيرنا للعرب من حضور هذا المؤتمر، ولاسيّما بعد أن سمعنا بعض المسئولين الكبار يشكّك في نجاحه؛ لأنّ الشروط المطلوبة للنجاح غير موجودة في داخله؛ ما يجعل الحضور العربيّ خاضعا للضغط الأميركي والابتزاز الإسرائيلي.

ومن جانب آخر، لاتزال «إسرائيل» تمارس العقاب الجماعي ضدّ الشعب الفلسطيني، ولاسيّما المدنيّين في غزّة، وتمنع عنهم - جزئيّا أو كليّا - المحروقات والكهرباء؛ وقد انطلقت الاعتراضات على ذلك من أكثر من دولة أوروبّية وغير أوروبّية، ما عدا الدول العربيّة، ولكن من دون أيّة محاولة للضغط عليها لإيقافها عند الحدود الإنسانيّة في الحقوق المدنيّة. ويبقى الملفّ النووي الإيراني يثير الجدل على المستوى الدولي، في المطالبة الأميركية والأوروبية والإسرائيلية بإيقاف تخصيب اليورانيوم؛ بحجّة أنّ هناك خطرا من تخطيط إيراني لصنع القنبلة النوويّة، في الوقت الذي تؤكّد فيه وكالة الطاقة الذرّية بأنّه لا دليل على أنّ إيران تهدف إلى صنعها، وهذا ما لم يرتح له أعداء إيران الذين يرفضون أيّ كلامٍ جدّي حقيقيّ بشأن الواقع الذي يتمثّل في الخطّ السلمي للملفّ النووي؛ لأنّ المسألة التي تهمّ الغرب هي منع إيران والمنطقة من امتلاك القوّة التي تساهم في تطوير اقتصادها، وفي تقوية قدرتها على الدفاع عن نفسها من خلال الخبرة العلميّة الذاتيّة التي تجعلها في غير حاجة إلى دول أخرى.

ومن الطريف أن كيان العدوّ الذي يملك أكبر ترسانة نووية تهدّد المنطقة العربية والإسلامية تقوم بأكثر من جولة، في روسيا والصين وأوروبا، من أجل تحريكها ضدّ الملف النووي الإيراني وفرض العقوبات الاقتصاديّة، كما لو كانت «إسرائيل» دولة سلام.

وقد حاولت إيران أن تواجه الحملة عليها بطريقة عقلانيّة متوازنة، على لسان وزير خارجيّتها، بأنّ هناك خيارين بالنسبة إلى واشنطن، الأوّل هو التفاهم، والثاني هو المواجهة، وأنّ إيران تفضّل الخيار الأوّل، وكذلك المجتمع الدولي، معتبرا أنّ العقوبات الأميركية الأخيرة لن تحلّ مشكلات واشنطن، وستجعل الولايات المتحدة أكثر عزلة.

أمّا لبنان، فإنّ الخلافات الداخليّة عميقة، والمواقف المعلنة التي توحي أنّ الخارج ينتظر التوافق بين اللبنانيّين هي أقنعة للمواقف الحقيقيّة التي تضع العراقيل أمام توافقهم، وتجبرهم على انتظار التوافق الإقليمي والدولي على ملفّات عدّة في الشرق الأوسط تتجاوز الاستحقاق الرئاسي. وليس أصعب من التوافق الداخلي سوى التوافق الخارجي. ولعلّ المشكلة في لبنان أنّ الأزمة الحاضرة، في كلّ تفاصيلها وتعقيداتها؛ سواء في حكومة الوحدة الوطنيّة أو في الاستحقاق الرئاسي أو في الحوار المسيحي المسيحي، والمسيحي الإسلامي، وفي استعادة الثقة بين الأحزاب والشخصيّات السياسية والطائفيّة، دلّت على أنّ اللبنانيّين لا يستطيعون حلّ مشكلاتهم بعيدا عن الوصاية الخارجيّة التي يعترف بها البعض، ويُنكرها البعض الآخر. هذا، مع ملاحظة، وهي أنّ حصول انتخاب الرئيس في موعده لن يحلّ الأزمة؛ فهناك الكثير من الأزمات المعقّدة التي لا يملك الرئيس الجديد، ولا المؤسّسات الأخرى، النجاح في حلّها على أساس استقرار الوطن كلّه، بل سيبقى الاهتزاز السياسي الذي قد تتحرّك أزمة المنطقة لتحوّله إلى اهتزاز أمنيّ لا سمح الله.

ويبقى الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس يعاني أكثر من مشكلة خانقة، في ظل الأزمة الاقتصاديّة والماليّة، وارتفاع الأسعار، وانخفاض المداخيل، وسقوط الطبقة المتوسّطة، وفقدان التوازن في التعويض على الناس الذين هُدّمت بيوتهم، واهتزّت أو دمّرت مصانعهم وتجاراتهم بفعل العدوان الإسرائيلي، إذ نجد هناك حركة سلحفاتيّة في عمليّة الحلّ لهذه المشكلة، إضافة إلى بعض التعقيدات السياسية... فهل يجد الناس الفرح في الرئيس الجديد، أو أنّ الأزمة ستستمرّ معه كما كانت دونَه؟

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1890 - الخميس 08 نوفمبر 2007م الموافق 27 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً