العدد 1891 - الجمعة 09 نوفمبر 2007م الموافق 28 شوال 1428هـ

تصدير العمالة الوطنية مظهر للإقصاء الاقتصادي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إن تدشين مكتب التوظيف البحريني القطري الذي يتأهب للانطلاق في أنشطته، والذي تمّ بناء على توقيع مذكرتي تفاهم مشترك بين الدولتين في مجالات تنمية الموارد البشرية والعمل، يعد بما لا يقبل الشك في جانب من جوانبه السلبية عجزا للسلطة التنفيذية عن الإيفاء بالواجبات والالتزامات المتوقعة منها لجهة توفير فرص عمل لائقة للمواطنين. إنه - بتعبير أدق - فشلٌ فاقعٌ في معالجتها المخاطرَ التي تواجه فئة من الناس ممن فقدوا عملهم وشحت فرص حصولهم على مصدر رزق دائم وآمن يعتاشون منه، فما ورد على لسان بعض المسئولين إن الوظائف المعروضة من قِبل المكتب ستكون للراغبين فقط، وإنها وظائفُ منتقاة وأجورها مجزية وذات مزايا وظيفية جيدة وتوفر حياة كريمة ولائقة للبحرينيين الباحثين عن فرص عمل في قطر، كلامٌ لا يحل ولا يربط ولا يلزم، إنه من قبيل توزيع الآمال والأمنيات والتوقعات.

لماذا التوظيف في قطر ورزق الله على السيف؟

إلى ذلك، بالعقل والمنطق ومعهما الضمير الذي يحتاج إلى صحوة، يحق للمرء أن يتساءل: لماذا يتشحطط البحرينيون في الغربة ويواجهون احتمالات معاملة غير إنسانية؟ لماذا وكلنا يدرك والوزير أولنا والمسئولون في وزارة العمل المتحمسون لحل معضلتهم مع ظاهرة البطالة المتفاقمة يدركون - بدورهم - الكيفية التي يعامل بها المواطن الخليجي مع غيره من بقية خلق الله الذين أتوا سعيا وراء الرزق ولقمة العيش في دياره من الأجناس والملل المختلفة؟ لماذا يتشحططون ويتغرّبون ورزق الله على السيف؟ لماذا وعملية التجنيس والتوطين والتوظيف للأجنبي والوافد قائمة على قدم وساق؟ لماذا ومشروعات التدريب وبرامجه التي تنفذ في المعاهد والجامعات الخاصة تتكاثر كالفطر؟ ما الذي تركته تلك الدورات التدريبية والتأهيلية التي أنفق عليها الملايين من بصمات، إن لم تكن قد أعدت وهيأت المواطن ليعمل بمستويات متطلبات السوق، والمقتدر في آن أن يمسك بزمام وظيفته ومهنته في وطنه الأم في ظل المنافسة غير المتكافئة؟ أَمِنَ المعقول أنها لم تخرّج أحدا مثل العباقرة والخبراء القادمين من أقاصي الشرق والغرب ليشغلوا المهن والوظائف؟ ألا يدرك الوزير ومن حوله من معنيين حقيقة المشهد المأسوي، وهم يقومون مع سبق الإصرار والتبرير بتصدير العمالة البحرينية والزج بها في أتون الغربة والشحططة؟ ألا يدركون ما ستؤول إليه هذه المفارقة المخجلة، الهروب بالمشكلة بتصديرها إلى الخارج؟

إن ظروف العمل والمزايا الجيدة التي يكثر الحديث عنها هلامية ونسبية وغير واضحة المعالم وهي لا تتوازى - بحسب الظن والتقدير - مع مستويات المعيشة المرتفعة في بقية دول الخليج، والجميع يعلم أن المواطن القطري - على سبيل المثال - قد حصل على زيادة في مستوى دخله تراوحت بين 40 في المئة إلى 50 في المئة تؤهله لمواجهة مستويات الارتفاع المطرد في أسعار السلع والخدمات التي هي أيضا تزداد ارتفاعا في غالبية دول المنطقة؛ ما يجوِّز لنا السؤال عنه: هل تلك المزايا الجيدة التي يتحدثون عنها ستهيئ وضعا طبيعيا وعيشا كريما للبحريني في قطر بما يتناسب في حدوده الدنيا - على أقل تقدير - مع المستويات المعيشية المرفهة والسائدة في المجتمع القطري؟

العمل محور رئيسي في حياة الإنسان

في هذا الصدد، ثمّة ما يصدق القول إن مجتمعنا بحاجة إلى عقول تفكر وتعمل بمنطق عقلاني، لا بل بضمير إنساني، فالنهضة الأوروبية قامت وترعرعت على مثل هذه العقول التي أحبت أوطانها وأخلصت لمواطنيها ولم تسخر منهم، والفشل النهضوي في ديارنا العربية قائم على افتقاد الحس والضمير الإنساني الجاد في حل المشكلات والأزمات؛ ذلك ما يحتم ألا نشجع أبناءنا وبناتنا على مغادرة وطنهم الأم، إلا في حالات استثنائية جدا حين تكون لصالح إبرامهم عقود عمل ووظائفَ ذات عوائدَ مجزية وفي حالات تستدعيها طبيعة تخصصهم العلمي والمهني وتلبية لطموحاتهم ورغباتهم وخياراتهم في العمل خارج البلاد، بمعنى ألا يغادروا الوطن مضطرين؛ بسبب ضيق اليد وشح فرص العمل المتاحة.

علينا أن ننمّي فيهم روح مقاومة هذه المهزلة التي أخذت تتفاقم، ونقف معهم ونتضامن؛ فهم مواطنون وأصحاب حق، أما أن ندفع أبناءنا إلى البحث عمّا يسد الرمق وسط المجتمعات الخليجية التي تتكاثر فيها الذئاب كي تنهش لحمهم وتهين كرامتهم، فإن لذلك وجهة نظر وموقفا يتطلب المواجهة بحزم على كل الصعد والمستويات من الأفراد والمؤسسات الأهلية والسياسية، لا يجب بأي حال من الأحوال التساهل والتراخي مع ظاهرة تصدير عمالتنا الوطنية إلى الخارج، ولا تسويغها تحت أي اعتبارات أو مسوّغات ذات مصالحَ نفعية وطائفية، لا ينبغي أن نرخص في خيرة خبراتنا واستنزاف مقدراتنا البشرية، ولاسيما أن العمل - كما يشير عالم الاجتماع الإنجليزي المعاصر أنتوني غدِنِز - يمثل محورا رئيسيا لحياة الإنسان سواء على صعيد حياته اليومية أو الأهداف التي يصبو إليها، إنه عنصر جوهري في شخصية الإنسان.

فهل يقبل أي مسئول في الدولة أن يتغرّب ابنه أو ابنته بعيدا عنه فقط لشح فرص العمل وقلّتها في البلد، ورغما عن إرادته؟ إن التشجيع على هذا النمط من تصدير الموارد البشرية إلى الخارج، هو في مضمونه آلية من آليات الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي للإنسان في مجتمعه، ولاسيما أن مفهوم الإقصاء يتسع ليشمل شح فرص العمل وحرمان الإنسان من تحسين ظروفه المعيشية. إنه تعبير صارخ عن اللامساواة في إتاحة هذه الفرص التي يفترض أن يحصل عليها المواطن في إطار مفهوم المواطنة وحقوقها التي تنادي بها أية دولة من الدول.

ما جدوى حكم أية دولة لمواطنيها؟

الخلاصة، وفي الأصل إن المواطن - بحسب الدين والدستور والعرف والتقليد - له حقوق في وطنه من بينها حق العيش بسلام وأمان وكرامة، له الحق في الحصول على وظيفة وعمل يتناسب مع قدراته ومؤهلاته كي يعتاش منه، ومن حقه التمتع بحياة نشطة يحصل فيها على المنافع الشاملة وتلبية حاجاته من السلع والخدمات الأساسية من سكن وصحة وتعليم وتأمين عالي الجودة ونقل ومواصلات واتصالات، في بلد يعد من الدول النفطية التي يتم فيها تدوير العائدات ورؤوس الأموال والاستثمارات والمشروعات السياحة، وإلا فما جدوى حكم أية دولة لمواطنيها؟ ما الداعي لوجود هذا الكم من أجهزتها البيروقراطية والإدارية إن لم تستطع حل المعضلات التي تواجه المواطن والتي تأتي على قمتها البطالة وعدم الأمان الوظيفي والحفاظ على الكرامة؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1891 - الجمعة 09 نوفمبر 2007م الموافق 28 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً