العدد 1911 - الخميس 29 نوفمبر 2007م الموافق 19 ذي القعدة 1428هـ

أميركا تبحث عن نجاحاتٍ شكلية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في الطريق إلى «أنابوليس»، جهدت الإدارة الأميركية في استدعاء المسئولين العرب إلى المؤتمر، في ظلِّ المآزق التي تلاحقها في المنطقة، والتي تظهر تباعا، من المشكلة الكردية - التركية، إلى ما يجري في باكستان، وصولا إلى العراق فلبنان وفلسطين...

لذلك، فإنّ هذه الإدارة تبدو على عجلة من أمرها، للإيحاء بنجاح شكلي لهذا المؤتمر، وهو ما يفسّر إصرارها على حضور العرب بوزراء خارجيتهم، ورفضها لأيّ تمثيل عادي، لأنّها تبحث عن نجاحات سياسية، حتى وإن كانت شكلية، كما تريد لعجلة التطبيع بين العرب و»إسرائيل» أن تسير قدما بين ركام المشكلات والفوضى التي أحدثتها في المنطقة، ولذلك فهي تستعجل الخطى لجمع العرب على هذا الطريق، لتضع له الأولوية، ولتترك الملفات الأخرى رهينة الزمن وحبيسة الظروف القادمة...

ومن هذه الزاوية، يمكن رصد لقاءات رئيس وزراء العدوّ مع رئيس السلطة الفلسطينية، من دون أن تعطي هذه اللقاءات أية إشارات واضحة للفلسطينيين في مسائل الاستيطان، والقدس، والجدار الفاصل، وعودة اللاجئين، لأنّ أميركا تريد لهذا المؤتمر أن يعطي «إسرائيل» فسحة زمنية أكبر لإحكام طوقها الاستيطاني من حول القدس، ولاستمرار مخطَّطها حيال فلسطينيّي الـ 48، إلى جانب سعيها لاستهلاك الوقت الضَّائع ريثما تبتعد الأوضاع الدولية عن الضَّغط عليها، وخصوصا مع حصارها التجويعي والأمني لقطاع غزَّة، واستمرارها في عمليات الاغتيال التي يسقط فيها الفلسطينيون بالسلاح الأميركي الذي يمثِّل آلة القتل والجريمة الأميركية - الإسرائيلية التي يراد لها أن تلاحق شعوب المنطقة وحركات الممانعة فيها تحت ذريعة ملاحقة الإرهاب.

وهكذا، فإنّ منطقة الشرق الأوسط، ولا سيّما المنطقة العربيّة، تعيش الاهتزاز السياسي الحادّ، من خلال ما ينتظرها في المستقبل من الحوادث الأمنيّة والسياسية والانهيارات الاقتصاديّة، بفعل الخطّة الأميركية التي تنتقل مفاعيلها من موقع إلى موقع آخر.

العراق: لا استقرار أمني ولا استقرار سياسي

ففي العراق، لا يزال الوضع يُواجه الخطورة في عمليّات القتل اليومي التي تنطلق بها جهات تكفيرية من جهة، وقوّات الاحتلال من جهة أخرى، وبقايا النظام السابق. هذا، إلى جانب الكتل السياسية المنطلقة من الخطّ الطائفي الذي يستخدم الكثير من الأساليب والمواقف السلبيّة لإسقاط الاستقرار السياسي الذي يحتاجه العراق لتأسيس دولته الحرّة المستقلّة، إضافة إلى الفوضى التي أثارتها خطّة الاحتلال ضمن استراتيجية الفوضى البنّاءة، حسب تعبير الرئيس بوش، والتي يستهدف منها خلط كلّ الأوراق لتحقيق مشروعاته السياسية والاقتصاديّة.

باكستان وأفغانستان ضحيتا الفوضى البنَّاءة

أمّا باكستان الحليفة للإدارة الأميركية، فإنّها تعيش الفوضى السياسية والمشكلات الأمنيّة من خلال الدكتاتوريّة التي تغطّي حكمها بعناوين ديمقراطيّة، على رغم الخطوط التي تلتقي بالسياسة الأميركية التي اعتبرت هذا البلد قاعدة لبسط نفوذها على المنطقة كلّها، من خلال حدودها الواسعة مع أكثر من دولة. هذا إلى جانب شعار مكافحة الإرهاب الذي تستخدمه الإدارة الأميركيّة للضغط على معارضيها، ولا سيما الإسلاميّين.

أمّا في أفغانستان، التي يسيطر عليها الحلف الأطلسي بقيادة أميركا، فلا تزال الضحايا تسقط في ساحاتها وفي أكثر من منطقة من مناطقها، بحيث لم يستطع الشعب الأفغانيّ أن يحصل على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي.

إيران: تهديد بعقوبات جديدة

وتمتدّ المسألة إلى الضغوط الأميركية والأوروبّية ضدّ إيران، تحت تأثير تهمة عزمها على صنع القنبلة الذرّية في ملفّها النووي السلمي، على رغم من نفي وكالة الطاقة الذرّية وجود أيِّ دليل على ذلك. وتقوم أميركا - في المقابل - بمحاولة إتمام الحصار الاقتصادي من خلال إقرار عقوباتٍ جديدة في مجلس الأمن، إلى جانب التهديد المتحرّك بالحرب ضدّها التي قد تؤدّي إلى كارثة جنونيّة في المنطقة الخليجيّة؛ ولكنّ أميركا - من خلال إدارتها العدوانيّة - لا تلقي بالا للشعوب الأخرى إذا كانت مصالحها تفرض عليها تحريك استراتيجيّتها العدوانيّة بما يخدم مصالحها ومصالح «إسرائيل».

لبنان: عقد داخلية وخارجية

أمّا في لبنان، فإنّ هناك أكثر من عقدة داخليّة تتحرّك في ملفِّ الاستحقاق الرئاسي، من خلال صراع فريق معيّن هنا أو هناك على السلطة، بفعل إثارة التعقيدات بشأن هذا الشخص أو ذاك، ما قد يوحي بتكرار خطأ تاريخيٍ سابقٍ، وهو ما نتمثله في التصريحات التي تضع الموانع حول قبول شخصٍ في موقعٍ هنا، أو شخصٍ في موقعٍ هناك.

ولعلّ المشكلة، في خلفيّات الواقع الذي يشغل الجميع، هي الامتدادات الخارجيّة للعقد الداخليّة، ولا سيّما أنّ البعض يتحدّث عن صفقة إقليميّة أو دوليّة لحساب بعض التنازلات الكبرى أو الصغرى في حركة أزمة المنطقة التي تجرّ خلفها أكثر من أزمة داخليّة، وخصوصا أنّ هناك حديثا يتكرّر بشأن واقعيّة البحث عن رئيس توافقي في ظل غياب الوفاق الوطني، أو في ظل شعار «لا غالب ولا مغلوب»، والذي بات يتجسد في الوطن على قاعدة معاكسة يحكمها منطق الغالب والمغلوب.

لبنان: المطلوب دولة شعار أم واقع؟!

أمّا الناس، في هواجسهم وتطلّعاتهم ومخاوفهم، فإنّهم يعيشون الحيرة القاتلة، من خلال التصريحات الاستهلاكيّة المجنونة التي يتحدّث فيها البعض عن خطط أمنيّة، وتنطلق فيها المصالح الدوليّة التي تبحث فيها كلّ دولةٍ عن موطئ قدمٍ في لبنان، لتأكيد موقعها السياسي في ساحة اللعبة التي ترى في هذا البلد منطلقا للصراع في دائرة التجاذبات الدوليّة والإقليميّة. ويبقى الغلاء الفاحش الذي لا ضوابط له يفترس مداخيل الناس، ويُهاجم أوضاعهم الاقتصاديّة، ويثير مخاوفهم الأمنيّة.

إنّه لبنان المزرعة التي لا يخضع فيها القائمون على إدارته لأيّ نظامٍ يحترمون فيه شعبهم، فيما الناس يبحثون عن لبنان الدولة التي ترتفع كشعار، بينما تسقط كواقع عمليّ يسدُّ الآمال أمام الإنسان كلّه والوطن كلّه.

هل عاش لبنان الاستقلال الأصيل؟

وأخيرا، في ذكرى الاستقلال، يتساءل اللبنانيّون: هل بقي لهم استقلال أمام التدخّلات الدولية والإقليمية في الاستحقاق الرئاسي الذي تمتدّ فيه الوصاية التاريخية التي اعتادها البلد، من خلال انتظار كلمة السرّ التي تنطلق من الاتفاقات على الرئيس الذي تلتقي عنده مصالح هذا المحور الدولي أو ذاك؛ لأنّ اللبنانيّين لا يملكون اختيار رئيسهم بشكل حر متوازن؟ ويحدّثونك بعد ذلك، وفي كلّ هذا الجنون السياسي، والسجن النيابي، عن السيادة والاستقلال الجديد، والجميع يعرفون أنّ الوطن لم يعرف الاستقلال الأصيل الذي يولد لبنانيّا ويمتدّ في كلّ موقع سياسيّ لبناني، وإذا عرفوه يوما، فإنّهم لا يلبثون أن يتنكّروا له في متاهات التعقيدات السياسية الضيّقة.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1911 - الخميس 29 نوفمبر 2007م الموافق 19 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً