العدد 1930 - الثلثاء 18 ديسمبر 2007م الموافق 08 ذي الحجة 1428هـ

إشكالية التوجه نحو اقتصاد السوق الحر

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

عندما انخفضت أسعار النفط بصورة هائلة في الثمانينيات، شعرت بعض الدول الخليجية بأنها في مأزق حقيقي غاصت فيه من أخمص قدميها إلى قمة رأسها، وذلك يعود لكونها تعتمد اعتمادا شبه كلي على النفط كسلعة شبه وحيدة في رفد الموازنة العامة للدولة. في تلك الفترة، منذ أن ارتفعت الأسعار بعد تفجر الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980 إلى 35 دولارا، هبطت مرة أخرى فيما بعد حتى أصبحت 6 -10 دولارات فقط، واستمر ذلك حتى العام 1987. هذا الهبوط الرهيب جعل إحدى أغنى دول الخليج، تتلكأ في دفع الرواتب لموظفيها لمدد تصل لثلاثة أشهر؛ ولو لم تعاود الأسعار الارتفاع، لكان الله وحده يعلم المآل الذي ينتظرها.

وربما يكون لتراجع مردود النفط علاقة بتوجه مملكة البحرين نحو اقتصاد السوق الحر، لتخفيف مسئوليات الحكومة المباشرة، إذ بدأ هذا التوجه كما يبدو حين تقلصت مداخيل النفط حتى العام 1998 لأقل من 16 دولارا (باستثناء ارتفاع السعر في الفترة التي سبقت تحرير الكويت مباشرة)، ولكن ومنذ 1999 حين عاود سعر البرميل في الارتفاع، تصاعد اعتماد الدولة مرة أخرى على المردود النفطي في تشكيل موازنتها، فزاد من أقل من 50 في المئة في العام 1998 إلى أكثر من 76 في المئة حاليا.

وفي السنوات الثلاث الأخيرة، تغيرت المعادلة تماما عن السابق، فزاد إنتاج المملكة بشكل كبير، وأيضا زادت الأسعار بصورة رهيبة، فقد وصل سعر برميل النفط إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل. والفرق بين هذه الفترة وفترة ما قبل 1999، أن سعر النفط كان حتى 1998 لم يتجاوز 18 دولارا للبرميل، وفي تلك الفترة أيضا، كان إنتاج حقل البحرين أقل من 42 ألف برميل، وتتقاسم مع السعودية إنتاج ما يقرب من 140 ألف برميل يوميا من حقل أبي سعفة، ولكن منذ 2004 أصبحت حصة البحرين وحدها 150 ألف برميل يوميا من هذا الحقل، وقريبا سيرتفع إنتاج حقل البحرين، من 35 ألف برميل إلى 70 ألف برميل يوميا. أي ارتفع الإنتاج بشكل رهيب وارتفعت الأسعار بشكل أعظم من السابق وفوق خيال المنتجين.

لقد زاد اعتماد موازنة الدولة على المردود من النفط، إلى حد أن شكلت أكثر من 77 في المئة من موازنة 2006، وكانت الموازنة على أساس سعر 30 دولارا للبرميل، بينما كان في الواقع 70 دولارا. النقطة المهمة هنا، أن موازنة 2007 اعتمدت أيضا على سعر أقل من المتوقع بكثير، فقُدرت على أساس سعر برميل النفط 40 دولارا فقط، بينما وصل السعر حاليا إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل، وهذا يعني أن البحرين تنظر فائضا كبيرا هذا العام، أكثر من العام السابق.

السؤال المهم، في ظل هذه الزيادة الكبيرة جدا في مردود النفط هو: بما أن الدولة تبنت اقتصاد السوق الحر، فهذا يعني أنها تبنت القطاع الخاص باعتباره خيارا لتحقيق التنمية، وهذا يعني أيضا ووفقا لهذا النظام الاقتصادي، أن الدولة ينبغي لها ألا تتدخل من حيث المبدأ في الشأن الاقتصادي مباشرة، وعليها بالذات أن تمتنع عن القيام بإنشاء مشروعات إنتاجية جديدة. وهنا يقع الإشكال، وهو أنه وفي ظل هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط، ماذا ستفعل الحكومة بهذه الدخول الكبيرة والمفاجئة، في حين أعلنت أنها تبنت اقتصاد السوق الحر؟ إذ لابد من توظيف جزء من مردود النفط في بناء هيكل اقتصادي قوي، حتى إذا انخفضت أسعار النفط مرة أخرى، لا ينخفض مستوى المعيشة للمواطنين (مع أنه في الواقع منخفض بل منبطح)، فكيف تنسجم سيطرة الدولة على مردود النفط، وفي الوقت نفسه تتبنى اقتصاد السوق الحر الذي يمنعها من استثمار أموال هذا المردود في مباشرة إنشاء مشروعات استثمارية؟

إن وجود فائض كبير من مردودات النفط، وفي الوقت نفسه تبني اقتصاد السوق الحر، يستوجب على الدولة التفكير بجدية في تشغيل القدرات الشبابية عن طريق تمكينهم من إنشاء مشروعات تنموية يقومون على إدارتها، والدولة لها أن تشارك بنسبة من خلال تمويلها لتلك المشروعات.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1930 - الثلثاء 18 ديسمبر 2007م الموافق 08 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً