العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ

البحر أخضرُ

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

«أريد أن أشاهد البحر، أتنسمه، وأقف قليلا لأتأمل أمواجه، فلا أعرف متى يمكنني أن أقوم بذلك مرة أخرى، أو الحياة لا تمهلني حتى أقوم بذلك من جديد». كانت تلك كلمات زميلة فلسطينية جمعتني معها زيارة قمنا بها أخيرا لتونس الخضراء لحضور أحد المؤتمرات، أصرت زميلتنا تلك علينا أن نشد الرحال إلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط في أحد مساءات تونس الجميلة، على رغم البرد القارس في تلك البقعة، وتأخر الوقت في مدينة تنام بكاملها تقريبا بعد الساعة الثامنة مساء.

كطفل صغير حصل أخيرا على لعبته التي طال انتظاره لها، وقفت تتأمل البحر، مستذكرة أول مرة تعرفت فيها إليه، قالت إنهم خدعوها في المدرسة عندما كانت صغيرة، فالحصار الإسرائيلي كان يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى ضفاف البحر، فأخذتهم المدرسة في رحلة أخبروهم أنها ستكون إلى البحر، ولكنها كانت لأحد البساتين. ظنت بعد هذه الرحلة لون البحر أخضرَ، وطال الوقت قبل أن يصحح لها والدها المعلومة، ويريها البحر الحقيقي الذي وقعت في غرامه لاحقا، والذي استمر منعهم - سكان الضفة الغربية - من زيارته، حتى أصبحت تتصيد أية زيارة لأي بلد يمتلك بحرا؛ لكي تتنشق نسائمه.

الفلسطينيون ممنوعون بقوة السلاح من الوصول إلى بحرهم، وكأنما كتب عليهم أن يكبتوا همومهم في صدورهم، فلا بحر في الدنيا يمكن أن يستوعبها. هذا ما أكدته زميلتي الفلسطينية، التي لم تتمكن من مغادرة الموقع الذي استطعنا الوصول إليه أخيرا، ولكني لم أكن أقل منها متعة في تأمل ذلك البحر، وكأني أعيش مثلما تعيش هي تماما، في حصار قسري يمنعني من الوصول إليه وتأمل أمواجه، على رغم مجيئي من بلد تحيط بها المياه من جميع جوانبه.

شعور جميل ينتابك وأنت تتأمل البحر، كأنه هبة الله تعالى الطبيعية لنا نحن بني البشر لكي نجدد حياتنا، ونستعيد ذواتنا. هبة منعت علينا في البحرين تماما، على رغم أنه البلد الوحيد في العالم الذي يحمل في مضمون اسمه «بحرين» وليس بحرا واحدا، والذي لا يمتلك أهله نصف بحر يتنسمون هواءه، وهم الذين سطّر تاريخهم حكايات وروايات للصيد والغوص.

كل ما يرد إلينا من أنباء عن البحر والسواحل في البحرين يثير الحزن، والغضب، والقهر فوقهما. فسواحل القرى الغربية التي قيل إنها ستُسْتَمْلَك لتتحول إلى سواحل للعامة، هي في حقيقة الأمر جزيرة اصطناعية تملك منفذا بين الأراضي الساحلية التي تحولت جميعها إلى ملكيات خاصة. وبلاج الجزائر، المنفذ الوحيد المتبقي أمام العامة ليتأكدوا أنها جزيرة تطل على البحر، استؤجر بعقد موقع لمجموعة إثمار لمدة 99 عاما لتطويره، وتحولت مهمة الإشراف على 90 في المئة منه من وزارة شئون البلديات والزراعة إلى مجلس التنمية الاقتصادية. وعلى رغم التأكيدات أنه سيظل مفتوحا للعامة بعد تطويره، لايزال الوقت مبكرا للحكم على صحة هذه المعلومات وما ستؤول إليه الأمور. ساحل المدينة الشمالية المقرر إنشاؤها، المنطقة بين الجسرين الفاصلة بين جزيرتي المحرق والمنامة، كلها مناطقُ ساحلية لا يعرف مصيرها، وهل ستصبح سواحل للعامة فعلا أم أن وصول البحريني إلى ساحل بحره يتطلب تأشيرة من نوع ما؟

هل سيأتي على الأطفال في البحرين يوم لا يعرفون فيه لون البحر؟

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 1947 - الجمعة 04 يناير 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً