العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ

تأملات في «الفتوى الأمنية» للشيخ المعاودة

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

دعونا نتفق أولا أن خطبة النائب الشيخ عادل المعاودة الأخيرة - والتي جهر فيها برفض تخفيض موازنة الجيش لصالح قطاع الخدمات - كانت دراسة أمنية سيواستراتيجية، وحملت أبعادا عسكرية عميقة مع استدلالات اقتصادية على قدرٍ عالٍ من التركيز، وفيها من التحليل نصيب كبير، على أن هذا البحث الأمني المعمق والذي ربما استغرق أسابيع لأن يطبخ على نار هادئة لا يجب أن نمر معه مرورا عابرا.

البحث الأمني الاستراتيجي - وليس الفقهي الاستدلالي - لا غرو أنه صادر إما من جهة الاختصاص، أو من مركز أبحاث ضليع في القضايا الأمنية المعمقة، وبالتأكيد أن إعداده تطلب جهدا منقطع النظير، ومن البديهي أنه كان نتاج مؤسسة أو فريق عمل وليس فردا واحدا أو حتى نائبا ذكيا كالشيخ عادل المعاودة.

يجب أن نحترم في البحث الأمني القيم الذي قدمه لنا الشيخ المعاودة من على منبر الجمعة أنه استخدم منهجية علمية صحيحة بصرف النظر عن النتائج القطعية التي وصل إليها، ومن هذا الباب يكون بحث المعادة نموذجا صالحا للتطبيق لدى جميع الخطباء والنواب والنواب الخطباء، فبدلا من الاسترسال في الكلمات الإنشائية الجوفاء يجب أن تكون أبحاثكم وتصريحاتكم وخطبكم على منوال الخطبة الأمنية للشيخ المعاودة.

لا يهمني كثيرا من كتب هذا البحث الأمني، لأن المصدر لن يغير من حقيقة أنه كان بحثا علميا ممنهجا، بل أنا أغبط الشيخ المعاودة سواء كان هو من أعد هذا البحث الأمني أم غيره، طالما أن البحث يتوافق مع ما ندعو إليه من أهمية أن يكون أعضاء السلطة التشريعية واعين ويقظين وبعيدي النظر، وكثير منهم لم يقدموا بحثا نوعيا، بل إن وجودهم تحت القبة التشريعية لم يكن فيه من إضافة حقيقية بل أصبحوا وبالا على المجلس وعلى البحرين أيضا.

على أن احترامنا وتقديرنا لهذا البحث الأمني المتقدم فإن ثمة وقفات ضرورية تستدعي لا شك قراءة معمقة وليست سطحية لبحث الشيخ عادل المعاودة، وهو بحث جدير من حيث أهميته أن يشغل الرأي العام بعض الوقت.

من الواضح أن هذه الدراسة الأمنية - وإن ارتدت ثوب خطبة الجمعة - لا تستهدف جمهور المصلين في جامع الشيخ عيسى بن علي بالمحرق، وإنما موجهة لأبعد من ذلك ويراد لها أن تأخذ صدى أكبر، وهناك قرائن مختلفة على ذلك وهو لجوء الشيخ المعاودة لتعميمها عبر جمعيته على كل وسائل الإعلام، وهذا بخلاف ما جرت عليه العادة من خطب المعاودة، ولنا أن نقرأ من ذلك أن الخطبة كانت استثنائية على مستوى أهميتها للشيخ المعادة ولتياره السياسي حتى يحرص على أن يقرأها الجميع، ولم يكتف بجمهور المصلين خلف المعاودة في الجامع.

الآن، وبعد أن تأكدت لنا أهمية هذه الخطبة/ الدراسة يجب أن نسأل عن الفئة المستهدفة الحقيقية وراء هذه الخطبة التي حملت قدرا من التصعيد في رفض تخفيض موازنة الجيش، والسؤال لماذا اختار الشيخ المعاودة أن يقدم لنا هذه الدراسة من منبره وليس من موقعه كرئيس للجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني، وليس من موقعه كعضو في كتلة الأصالة بل وليس حتى مقابلة صحافية.

جهات كثيرة أسمعها المعاودة صوت تياره بوضوح من حسم مسألة تخفيض موازنة الجيش مبكرا، الرسالة الأولى هي للدولة وأننا نشاطركم ما تذهبون إليه وأننا الأقدر على أن نوصل الرسالة بوضوح وجرأة، والرسالة الأخرى والأهم هي لقوى المعارضة عموما وكتلة الوفاق خصوصا مفادها أننا ها نحن قد أوصلنا لكم الرسالة بالعربي بالفصيح، وأنه ليس من مقدوركم أو خير لكم ألا تقتربوا من هذه المساحة ذات العلاقة بالموازين الاستراتيجية للسلطة.

ولكن لنا أن نسبر أكثر في مضامين هذه الخطبة/ الدراسة، فمن حيث الموضوع فإن الأمن يمثل حالة استراتيجية كبرى لأي نظام سياسي، وفي هذه المساحة نجد أنفسنا متفقين تماما مع المعاودة في تشخيصه لأهمية الموضوع، ولكن ثمة محطات أخرى ننتظر أن يجب عنها الشيخ المعاودة:

أولا: هل الحديث عن تخفيض موازنة الأجهزة الأمنية من المساحات المباحة أم المحرمة شرعا، وهل فتحها يجلب مفسدة أكبر من تركها غامضة، ولكننا في هذه الجزئية نخطأ حين نطرح ذلك لأن الجلي من ظاهر الخطبة أنها لم تقم على قواعد فقهية بل هي أمنية وسياسية بامتياز، ومن أطلقها وإن كان خطيبا متمرسا وعارفا بأحوال الفقه إلا أنه يتحدث هنا من زاوية أخرى، ومؤداها أن الحديث عن إعادة رسم سياسة الموازنة العامة بحيث تكون الحصة الأكبر من الإيرادات لوزارات الخدمات وعلى رأسها الصحة والتعليم والإسكان بدلا من الجيش والشرطة والحرس الوطني كما هو حاصل حاليا حديث محرَم سياسيا ويقع في دائرة المحظورات وبالتالي فإن فتحه يعتبر من الخطايا التي لا تغتفر.

ثانيا: لماذا اختار الشيخ المعاودة أن يوصل هذه الرسالة الآن والآن فقط، وهذا يعني أن عنصر التوقيت ليس في أهميته أقل من العناصر الأخرى التي قادت الشيخ المعادة لأن يجهر بهذه الخطبة الأمنية، والمغزى من التوقيت أنه يستبق تقديم الموازنة العامة للمملكة للعامين 2009 - 2010 إلى مجلس النواب، ومن ثم يقطع الطريق أمام أحلام «الوفاق» التي تترأس لجنة الشئون المالية والاقتصادية في فرض رؤيتها تجاه إعادة رسم أولويات الموازنة لصالح الخدمات عوضا عن الأمن، وفي حال نجح المعاودة ومن يقف معه في هذه المهمة فإن ذلك يعني أن أحلام «الوفاق» بتغيير شيء استراتيجي من داخل القبة قد تبخر، وبالتالي فهي ستكون محرجة أكثر من أي وقت مضى أمام جمهورها، لأنها ليست قادرة على إنجاز تقدم ملموس ولو جزئي في ملف حساس واستراتيجي كالموازنة، وهذا يا جماعة الخير يعني أن المشاركة الحقيقية قد أفرغت من مضمونها.

ثالثا: بما أن الشيخ المعاودة استخدم لغة الأرقام وليس لغة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه المرة، فمن الواجب على من يحملون فكرا مغايرا تجاه فلسفة إدارة الشئون العامة وتوجيه الإيرادات الوطنية نحو منحى آخر أن يدلوا بأرقامهم المخالفة لأرقام المعاودة، ويجب أن يفتح نقاش وطني مفتوح للجميع بشأن مسألة تخفيض الإنفاق طالما المسألة ليست مقتصرة على المعاودة و «الوفاق».

رابعا: من المؤكد أن خطبة المعاودة جاءت رد فعل على الرسالة التي أوصلتها «الوفاق» على لسان النائب جاسم حسين الذي أكد أهمية توفير أموال لوزارات الخدمات مثل التربية والتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية وليس الأمن والدفاع، مستشهدا بما كشف الحساب الختامي للسنة المالية 2007 عن صرف مبلغ إجمالي قدره 399 مليون دينار أي نحو 30 في المئة من مجموع المصروفات المتكررة على الأجهزة الأمنية والعسكرية (وزارات الدفاع والداخلية والحرس زائد جهاز الأمن الوطني)، وخلص حسين إلى أن مصروفات الأمن والدفاع شكلت نحو ربع مجموع مصروفات السنة المالية 2007 والتي بلغت 1818 مليون دينار»، في حين أن هناك ثمة حاجة لتعزيز الأموال التي تصرف للأسر الفقيرة والتي تبلغ 10 آلاف أسرة.

الضرورة المستخلصة من وحي الواقع الذي نعيشه لا تحتاج لمن يفرض علينا كمجتمع أولوياتنا نحو تأسيس دولة عصرية، ومن ركائزها تحكم الشعب في توجيه الإيرادات العامة، ومن خلال شهادة أعيننا وليس أعين غيرنا فإن الحاجة أصبحت ماسة لإعادة قراءة تجاه الإنفاق الأمني المتزايد وإعادة هندسة الموازنة العامة للدولة والاستفادة من الموارد النفطية الهائلة لتحقيق رؤى التنمية التي ننشد، ولا يعني ذلك تغافل الظروف السياسية والأمنية في المنطقة، والموضوعية تقتضي ألا نضع «فيتو أحمر» مسبقا تجاه أية قضية من القضايا... أما الآن وقد أفتى الشيخ المعاودة بفتواه الأمنية، فبقي أن نقول إن «بوعبدالرحمن» اجتهد فأخطأ فله أجر واحد!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً