العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ

«إسرائيل» والضحك على الذقون

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

انتظر القادة الإسرائيليون ست سنوات بأيامها ولياليها ليتحدثوا الآن عن ضرورة إعطاء دفعة لمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت العام 2002، وبعد أن رفضوها جملة وتفصيلا طوال هذه الفترة، فماذا حدث لهم؟

ولماذا جاء هذا التوجه في هذا الوقت بالذات الذي يتحدث فيه الكبير والصغير عن أزمة المال والاقتصاد وليس عن السياسة؟

ومع قبولها بالمبادرة فإن الدولة العبرية لم تحسن حتى تسمية مبادرتنا بأحسن أسمائها، وهذا دليل على الجلافة وسوء الأدب وعدم تغير العقلية الاستفزازية حينما تطلق عليها دائما «خطة السلام السعودية»، فيما يعرف الجميع أن 22 دولة عربية ذات سيادة تبنتها في قمة رسمية للقادة.

أعتقد أن هذا التوجه جاء كمرحلة ثانية من سيناريوهات التضليل والمماطلة تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط.

فالسيناريو الأول كان إحداث صدمة في الشارع العربي والمسح بذقون الأنظمة على الأرض من خلال الرفض المطلق للمبادرة العربية والإصرار على أنه لا يجب أن تكون هناك شروط عربية مسبقة قبل التقارب والتطبيع مع تل أبيب، وقد حصلت «إسرائيل» على ما أرادت إلى حد ما.

جاءت هذه الإيماءات الجديدة، أولا من الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، حينما دعا إلى إعطاء بعض الحرارة للخطة «السعودية» المعلقة التي تقضي بمبادلة الأرض بالسلام.

وقال بيريز في كلمته: «إن إسرائيل ستحضر أي لقاء يهدف الى إنهاء الصراع مع العرب»، هذا كل ما استطاع أن يقوله بمعنى التنازل عن بعض الكرامة الإسرائيلية والاجتماع إلى العرب الراغبين في التطبيع.

وفي الأسبوع الماضي وبالتزامن مع انعقاد «منتدى المستقبل» الذي نظمته الإمارات بالاشتراك مع اليابان وبحضور 38 وزير خارجية من الدول العربية وبقية أنحاء العالم، أطلق وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إشارات بأن الزعماء الإسرائيليين جادون في إعادة التفكير في مبادرة السلام «السعودية» التي من مكارمها على «إسرائيل» أنها تنادي بالاعتراف العربي الكامل بها إذا انسحبت فقط من الأراضي التي احتلتها في حرب العام 1967 وليس 1948 وقبلت حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين مازالوا محتفظين بمفاتيح بيوتهم التي طردوا منها.

إن تصريحات المسئولين الإسرائيليين هذه الأيام عن المبادرة العربية يجب ألا تنطلي على العقلاء فهي مجرد بالونات للاستهلاك المحلي والإقليمي وحتى تبدو الدولة المارقة على القانون الدولي أنها كيان محب للسلام في حين أن الواقع على الأرض ينافي ذلك، وأكبر دليل سياسة الاستيطان والاستيلاء على الأرض عنوة وتهويد القدس وعكا والحفريات تحت المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان المزعوم، علاوة على ذلك تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية بعضها عن بعض عبر بناء جدار الفصل العنصري.

وقد شهد شاهد من مواطنيها وهم أعضاء جماعة حقوقية إسرائيلية الشهر الماضي بأن المستوطنين في الضفة الغربية استولوا على عشرات آلاف الأفدنة التي هي ممتلكات خاصة للفلسطينيين. ونحن نرى يوميا عبر التلفاز اعتداءات المستوطنين على الشبان الفلسطينيين والمصورين المتضامنين مع المزارعين أثناء محاولاتهم قطف أشجار الزيتون في بلعين ونعلين وقرى أخرى.

كل هذه الممارسات أحرجت «إسرائيل» أمام أصدقائها الغربيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مجلس حقوق الإنسان في جنيف.

وأخيرا أدركت الدولة الصهيونية أن الانتخابات الأميركية الشهر المقبل ربما لن تأتي برئيس أميركي من حزب المحافظين الجدد يسايرها في إرهاب الدولة الذي تمارسه بحق العرب، ولذلك هي ستقبل على مضض بالمرشح الديمقراطي باراك أوباما إذا فاز بالرئاسة الأميركية، مستحضرة وصفه قادتها بالجنون في رفضهم للمبادرة العربية عندما أخبره الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهذا الرفض أثناء زيارة أوباما للأراضي المحتلة في يوليو/ تموز الماضي.

ورغم معرفتنا المسبقة أن أيَّ رئيس أميركي لن يستطيع ممارسة ضغوط على الدولة العبرية، إلا أن الأمل في إحياء مبادرة السلام العربية في هذا التوقيت بالذات يظل أمرا حيويا، ليس لرؤيتها الجادة في حل قضايا الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين، ولكن لأنها ستساعد في إقناع الإسرائيليين المتشككين في أن لهم مكانا في الشرق الأوسط إذا أعادوا الحقوق لأصحابها.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً