العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ

المفهوم الريعي للمواطنة

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

السمة المرتبطة عضويا بالحكم القبلي الخليجي هي العقلية المرتبطة بالاقتصاد الريعي (النفط) حيث تعيد الدولة الريعية توزيع الثروة الريعية على الغالبية من السكان ويقتضي ذلك التفرقة من ناحية بين الأقلية والأغلبية، ونجد أن الفئة المحدودة من المجتمع تحصل بشكل مباشر على الثروة (الريع النفطي) وتصبح بالتالي هي الدولة والحكومة والمستفيد المباشر من هذا الريع، وهي القوة الاقتصادية التي ما تلبث أن تتركز في يدها القوة السياسية.

وعليه تصبح هذه الدولة وظيفتها الأساسية هي توزيع المزايا والمنافع على أفراد المجتمع، هذا الدور للدولة الريعية عكس نفسه على تشكيل علاقات المجتمع بحيث تم ترتيب هذه العلاقات على نحو يسمح للمصالح الخاصة والفئات الاجتماعية المختلفة بالحصول على أكبر قدر من إعادة توزيع الريع، الأمر الذي أدى إلى ظهور فكرة «المواطنة» المرتبطة بعناصر الثروة ومصادر الكسب الاقتصادي لأبناء هذه الدول فقط، بدلا من ارتباط فكرة المواطنة كما هي متعارف عليها في المجتمعات الغربية بفكرة الانتماء للوطن والعمل والإنتاج والكفاءة، لذلك تم تثبيت هذا المفهوم الريعي للمواطنة في قوانين الجنسية، وبرز ذلك الحرص الشديد على عدم التوسع في التجنيس، وظهر التمييز بين فئات المواطنين، بين المواطنين الأصليين والمتجنسين، كل ذلك بهدف أن لا يتم توزيع الثروة الريعية على كل القطاعات الاجتماعية في المجتمع، وإنما على الموالين للحكم والداعمين له، فتكونت علاقة مصلحية بين مالك الثروة وبين المستفيد من توزيع جزء من هذه الثروة عليها على شكل هبات أو مكرمات أو توزيع أراضٍ شاسعة، ومن ثم شراؤها منهم بأسعار عالية، أو إرساء المناقصات التجارية المرتبطة بالولاء أكثر من الجودة والكفاءة، وهذا «خلاف الوظائف الحديثة للدولة التي يصب جهدها على الوظائف التي تؤديها لمواطنيها، أو العمليات التي تنفذها لتحقيق الوظائف التي تلتزم بها أمام مواطنيها، وفي كلتا الحالتين تنتفي الحاجة إلى البحث في أصول الأشياء وأصول المواطنين والناس، وينصب الجهد على وصف المشكلات القائمة ووضع التشخيص لعلاجها، وهكذا تستطيع الدولة الحديثة أن تتحرر وتحرر شعبها من عقد الماضي وأمراضه، وأن تكرس جهدها لمشكلات الواقع المعاش (المصدر: صراع الدولة والقبيلة في الخليج العربي، الدكتور محمد جواد رضا، 1992م).

لقد تزامن مع الاقتصاد الريعي نمو القطاعات الإنتاجية، وكان هذا التقسيم الاقتصادي قد توافق مع تقسيم اجتماعي بين المواطنين والوافدين، وعامة غلب على الوافدين على القطاعات الإنتاجية حيث تركز الاقتصاد الريعي في أيدي المواطنين، وبرز التمييز والفصل بين المواطن والوافد، ليس في الحقوق السياسية وحقوق المواطنة فحسب، بل في شبكة العلاقات الاجتماعية والنظرة الدونية للمهن اليدوية والإنتاجية عموما، الأمر الذي أدى إلى عدم الاستعداد المجتمعي لقبول وانصهار الوافد فيه مهما كانت إقامته في هذه الدولة. ومن المؤشرات التي تفضح هذا التوجه أن التعليم الفني والمهني، وهو تعليم سادت النظرة إليه في هذه الدول بوصفه تعليما مغلقا للفئات الفقيرة والكادحة.

ولقد سادت أيضا وجهة نظر محافظة تقول إن مشكلة هذا النوع من التعليم تعود إلى التكلفة العالية، ولذلك فإن معظم - إن لم نقل كل - الدول الريعية توسعت في التعليم النظري لأنه أقل تكلفة من هذا النوع من التعليم، والمفارقة هنا أن البلدان النفطية الغنية وذات الثروات الهائلة كانت قادرة منذ البدء على أن تقيم تعليما فنيا بشكل أفضل، ولكن ذلك لم يحدث ولم يتم في تلك البلدان، وظل التعليم الفني والمهني قاصرا على الفئات التي وفدت إلى الحضر من البادية، والفئات غير الأصيلة (غير القبلية)، أي الفئات الفقيرة والمحرومة، وظل التعليم النظري مدخلا للتعليم العالي، وقاصرا على أبناء الميسورين، ونستثني هنا البحرين جزئيا باعتبارها ليست دولة نفطية بالكامل، وليست ذات بنية بدوية وقبلية كما هي سائدة في باقي دول الخليج، رغم إبان الطفرة النفطية حاولت إبراز تراث وقيم وتقاليد القبيلة بشكل واضح!

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً