العدد 2344 - الأربعاء 04 فبراير 2009م الموافق 08 صفر 1430هـ

مفارقات الوضع العربي في ضوء حرب غزة (2 - 2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

استعرضنا في الحلقة السابقة مشهد الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد غزة في سياقه التاريخي منذ قيام دولة «إسرائيل» على أنقاض فلسطين وتوسعها على حساب الأرض العربية، ونستعرض في هذه الحلقة مشهد القمع العربي الرسمي للجماهير العربية، المتضامنة مع الشعب الفلسطيني والمحتجة على الحرب الإسرائيلية والتواطؤ الرسمي العربي.

باستثناء بضعة بلدان مثل المغرب، ولبنان وليبيا والكويت وقطر، فإن تحرك الشارع العربي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضحية الحرب العدوانية الإسرائيلية الهمجية، والاحتجاج على الدعم الأميركي والغربي أو التواطؤ الرسمي العربي ضد العدوان، ووجه بمختلف أنواع القمع أو الاحتواء أو التوظيف المخادع أو بمزيج من كل ذلك من أغلبية الأنظمة العربية كان مشهد قوات الأمن العربية المدججة بالسلاح، والتي لم تنجد المقاومة ولم تحم سيادة أمام الاختراقات الإسرائيلية والأميركية، وهي تنهال بالهراوات وتطلق قنابل الغاز السامة والرصاص المطاطي وحتى الحي على الجماهير العزلاء بمن فيهم النساء والأطفال والشيوخ، الوجه الآخر لحرب «إسرائيل» على غزة، والحربان تكملان بعضهما البعض، التحرك الأهلي لجمع التبرعات أو المساعدات الإنسانية حتى ممنوع بحكم القانون، وحدها السلطة تشكل اللجان العليا باسم إغاثة الشعب الفلسطيني في غزة، وتستثمر لصالح إخفاء تواطؤ النظام المعني. وهي التي تسيّر المظاهرات المكيفة لتلميع صورة النظام حيث ترفع صور الحاكم بأمره، إلى جانب صور الضحايا الفلسطينيين، وترفع شعارات الولاء مع شعارات خجولة باستنكار المجزرة.

وحتى عندما تنجح الجماهير العربية في بلد عربي ما أن تنظم صفوفها وتشكل لجان الدعم، وتجمع بعض الأموال من المواطنين العاديين، وترسل بعض المتطوعين من الأطباء مع مواد أو تجهيزات إغاثة، فإنها تواجه بحوائط السد والتي تنتهي عند رفح على الجانب المصري ولا ينفذ منها إلا أقل القليل. نعم فقد أجبرت «إسرائيل» الدول العربية المحيطة بها من خلال اتفاقات الصلح أو الهدنة المديدة، لأن تتحول إلى حرس حدود لـ «إسرائيل»، وحتى عندما تشن حربها ويتحول الوضع في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان أو غيرها إلى وضع كارثة إنسانية، مما يستوجب فتح الحدود سواء لإيواء مهجري الحرب أو القيام بأعمال الإغاثة، فإن الدول العربية تتعلل بالاتفاقات المبرمة مع «إسرائيل» وضرورة احترامها، في حين أن «إسرائيل» لا تحترم هذه الاتفاقات.

هذا القمع لأي تحرك جماهيري لنصرة غزة، ليس مشهدا منعزلا، وقد سبق أن شهدناه خلال العدوان الإسرائيلي ضد لبنان في 2006، وشهدناه في حروب إسرائيلية أو استعمارية سابقة، لكنه اليوم أقسى وأكثر وحشية. هذا القمع للمبادرة الشعبية هو الوجه الآخر للتواطؤ الرسمي أو العجز الرسمي العربي، لأن هذا التحرك الشعبي يكشف خواء الأنظمة، وانفصالها عن الشعب، وتخليها عن التزاماتها القومية، وتواطؤها مع عدو الأمة. هذا العجز أو التواطؤ تجاه قضية فلسطين، وقبلها العراق، والصومال وغيرها، هو امتداد لفشل الدولة الوطنية العربية أولا وفشل النظام العربي وجامعة الدول العربية التي تضم الدول العربية مجتمعة ثانيا.

وبغض النظر عن شكل النظام جمهوريا أو ملكيا، بدستور أو من دون دستور، فإن الدولة العربية لا تعكس إرادة الشعب ولا تستمد شرعيتها منه. الدولة العربية قائمة بفعل الإكراه والتسلط حيث تحتكر السلطة والثروة من قبل هرم الدولة. لقد تكسرت أمواج الحركات الإصلاحية الواحدة تلو الأخرى على صخرة بنية الدولة الاستبدادية، وتمزق المجتمع وقواه الحية. كما تكسرت موجات التحول الديمقراطي لتنتهي إلى أشكال مشوهة من الديمقراطية.

أما جامعة الدول العربية، فهي محصلة هذا العجز، وعلينا أن نتذكر أن اتفاقات الصلح مع «إسرائيل» تلغي التزامات اتفاق الدفاع العربي المشترك وباقي الدول العربية مسلّمة بحكم الأمر الواقع بعدم الالتزام باتفاق الدفاع المشترك.

يتضح مرة أخرى بشكل جلي، أن شعبا غير حر لا يستطيع أن يقاتل دفاعا عن موطنه، ولا يستطيع الإسهام في بنائه وتطويره. الفشل الوطني هنا هو الوجه الآخر للفشل القومي عن إنجاز تحرير الأراضي المغتصبة، أو التكامل الاقتصادي، أو الوحدة.

مرة أخرى تدق غزة ناقوس الخطر للقوى الحية في المجتمع العربي. كفى تعويلا على الأنظمة العربية، كفى تعويلا على النظام الرسمي العربي ومؤسساته، الجامعة العربية أو غيرها، كفى تعويلا على الشرعية الدولية ومؤسساتها الأمم المتحدة أو غيرها. الطريق واضح بنبذ الأوهام والانكباب على بناء تحالف وطني في كل بلد عربي استنادا على برنامج وطني للتغيير الديمقراطي والتحالف القومي استنادا إلى مهمتي التحرير والوحدة، وتحالف دولي لبناء عالم جديد على أنقاض الرأسمالية المتوحشة.

وإذا كانت معركة غزة قد أخرجت الجماهير العربية من انتظارها ومن بيوتها إلى الشوارع، ووحدت قوى متنافرة، فإنها فرصة لتعزيز هذا التحالف ومأسسته في عمل دؤوب ومؤسسات ثابتة وبرنامج طويل المدى يجمع بين المهام الوطنية والقومية والأممية.

فلسطين تجمع ولا تفرّق. وكما جاء في القرآن الكريم «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» (صدق الله العظيم).

فلسطين المأساة تلد فلسطين البطولة، وليس أفضل من الوفاء للبطولة الفلسطينية أن يتوحد الشعب للخلاص من قمع الداخل وغزو الخارج.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2344 - الأربعاء 04 فبراير 2009م الموافق 08 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً