العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ

الأمة الإسلامية... الدين والسلطة (1)

هشام جعفر comments [at] alwasatnews.com

الأمة - في الرؤية والتصور الإسلامي - تتكامل فيها عناصر أربعة هي:

- جماعة يسودها الإيمان بالمقومات الأساسية للدين الإسلامي، أو مرجعية الإسلام، سواء اتخذ هذا الإيمان معنى عقديا (المسلم)، أم معنى حضاريا/ ثقافيا (غير المسلم).

- هذه الجماعة تملك إدراكا واحدا في كل ما له صلة بهذه المرجعية، وأهمها الخضوع لهذه المرجعية، واحترام ما ينبثق عنها كنظام متكامل للسلوك الفردي والجماعي، الذي تجسده الشريعة.

- يلف جميع عناصر تلك الجماعة مبدأ التضامن، بما يعنيه ذلك من سيادة قيم التراحم والتعاون والتعارف «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا،وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ،َ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».

- محور الوظيفة الحضارية لتلك الجماعة المتضامنة هو مفهوم «الدعوة»، بما يعنيه ذلك من سعي للالتزام بتلك المرجعية في السلوك الفردي والجماعي، واتخاذها أساسا لبناء النظم، وهذا الالتزام بالمرجعية هو سبيل تحقيق الشهادة على العالمين «لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا».

ومصير الأمة - بهذه المقومات الأربعة - لا يمكن فصله عن مسار العقيدة/ الدعوة؛ فكل قوة للأمة تنقل العقيدة/ الدعوة نقلات كبرى في أرض الواقع، والعكس صحيح أيضا، وتظل في كل الأحوال العقيدة/ الدعوة مبعث الحيوية والتجديد للأمة.


الأمة... قوام الدين

هذا الترابط بين العقيدة/ الدعوة وبين الأمة: مبعثه حقيقة جوهرية في التصور والرؤية الإسلامية، وهي أن الأمة هي الوعاء الجماعي المطلوب منه شرعا أن يجسد تعاليم الدين في أرض الواقع؛ فالأمة في التصور والرؤية الإسلامية هي «قوام الدين» وليس السلطة؛ فهي المخاطبة بشرائعه وأحكامه، وهي المنوط بها تحقيقه وتطبيقه.

إن كون قوام الدين لا يتحقق إلا بالأمة قد جعل منها -أي الأمة- «قيمة عليا» ثابتة تتجاوز الحقيقة التاريخية الموقوتة أو الشكل النظامي أو المؤسسي الذي يجسدها (دولة أو سلطة)؛ لذا فقد اكتسب مفهوم الأمة في الخبرة الحضارية الإسلامية استمرارية تاريخية بغض النظر عن التعبير النظامي أو المؤسسي الذي قام بالتعبير عنها سياسيا. وحدث في أحيان كثيرة في تاريخنا أن سقط التعبير النظامي أو الشكل المؤسسي (الدولة أو السلطة السياسية) وقامت الأمة بملء الفراغ الناجم عن ذلك حين تنتدب من بينها من يتقدم ليتولى المسئولية السياسية عنها.

حدث هذا في التاريخ القديم، كما حدث في التاريخ الحديث: ففي التاريخ القديم شهدنا ظاهرة سقوط الدول «الإسلامية» وقيامها في ظل تحديات خارجية بالغة الخطورة (تحدي المغول ثم الفرنجة «الصليبيين»)، وعندما عجزت الدولة العثمانية - دولة الخلافة وقتها - عن مواجهة خطر الغزو الغربي المتدفق على العالم الإسلامي برزت حيوية الأمة بجلاء حين قامت تدافع عن دينها وأرضها وعرضها.

الأمة في الرؤية الإسلامية - إذن - هي المجال الحيوي لإرساء قواعد المثالية الإسلامية، وهي المجسدة لقيم الإسلام التي تعيش في وجدانها وقلبها، وإن انحرف واقع السلطة عنها، فقد شهدت عهود الحكم الإسلامي انحرافات تفاوتت قلة وكثرة، خطورة وتفاهة عن بعض قيم الإسلام وتقاليده، غير أن هذه الانحرافات لم تصب هذه القيم في شيء من مضمونها وإحساس الناس بها، ولا من التعبير المستمر في مدونات الفقه وكتب الفقهاء عن ضرورة الالتزام بها، وهذا في حقيقته مبعثه فاعلية الأمة وحيويتها.

إن القول باستمرارية الأمة تاريخيا وتجاوزها للحقيقة التاريخية الموقوتة بماضٍ ولّى إلى واقع نعايشه اليوم على رغم انتفاء مظهرها النظامي المجسد لها (الخلافة) يستند إلى مجموعة من الأسس كما ترى منى أبوالفضل في كتابها القيم «الأمة القطب»:

- إن الرسول (ص) قد سعى لإنشاء أمة قبل قيام الدولة أو السلطة التي تجسد نظاميا ومؤسسيا هذه الأمة.

- إن الرسول (ص) قد خلّف وراءه عند وفاته «أمة» قبل أن يخلف إماما، وأنه لو لم تكن الأمة لما وُجِدَ من يؤمّها. وبالتالي فإن وجود الإمام وجود منسوب أو مشتق - والأمة أو الجماعة تصير هي الأصل.

- إن «الأمة» بهذا المعنى تصير هي المستودع للرسالة المحمدية، أي إن الأمة هي وعاء القرآن الكريم.

يترتب على هذه العلاقة العضوية المنشئة للأمة أن بقاءها إنما هو مرتبط بالعلة، وليس بالمعلول، أي إن أمة القرآن هي باقية ببقاء الذكر الحكيم - أما اختفاء الإمام أو الخلافة فهو أمر وإن أضعف وحطّ من فاعلية الأمة بحكم أن الإمامة هي الرمز المجسد للأمة والممثل لها وأداتها التنفيذية التي تقوم بمصالحها - إلا أنه مع ذلك لا ينفي وجودها - الذي يعد هو ذاته ضمانا لتجددها.

فالأمة في الإسلام هي التي تفرز النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحكم مضمون الإسلام كعقيدة وشريعة - ذلك المضمون الذي تحمله هذه الأمة والذي تؤمن به نهجا شاملا لحياة لا انفصام فيها بين الدنيا والآخرة، مما يولّد في الأمة قوة دفع ذاتية للسعي حثيثا نحو تطبيق نظمها وتجسيدها في أرض الواقع. وقد عبر «لووي جارديه» عن هذا المعنى عندما قال: «إن الإسلام ليفترض ذلك الرباط الوطيد الذي لا انفصام فيه بين الدين والدولة، وبين الجماعة والعقيدة، وإن هذه العلاقة الارتباطية العضوية إنما تفرض نفسها فرضا مستوجبة لها تلك التنظيمات الوضعية الملائمة التي تجسدها والتي لا يكتمل النظام بدونها».

العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً