العدد 250 - الثلثاء 13 مايو 2003م الموافق 11 ربيع الاول 1424هـ

إيتوني بمثل هؤلاء

محمود حسن جناحي comments [at] alwasatnews.com

-

تاريخهم هو تاريخ الاسلام نفسه، بدأ ظهورهم زمن رسول الله (ص)، فكان رائداهم والدي عمار بن ياسر رضي الله عنهم، أما آخرهم فلا يعلم به إلا الله عز وجلّ، قوافلهم تسير من دون كلل أو انقطاع إلى قيام الساعة. إنهم... الشهداء. وفي زماننا هذا، إذ تكاثر علينا الأعداء، وأوشكنا على اليأس، وبلغت القلوب الحناجر، فإذا برب العالمين يتداركنا بلطفه، ويرينا عجائب رحمته بما تقر به عيوننا، ونجدد به ايماننا بأن النصر في النهاية لهذه الامة لا لغيرها. لقد اصبح شهداء الانتفاضة المباركة عاملا يسّره الله لنا لنجدد به ايماننا، ونتذكر ان الله بالغ امره، وناصر جنده مهما طال الزمن، وعظمت المصائب. لقد اصبح واجبا علينا ان نهتم بأمر إخواننا في فلسطين، وبجهادهم المبارك في هذا الزمن الذي عز فيه من يخرج في سبيل الله بنفسه وماله فلا يرجع منهما بشيء. إن شهداء هذه الانتفاضة المباركة قد قلبوا الموازين المادية رأسا على عقب، وأثبتوا للعالم كله أن دماء المسلمين لاتزال عزيزة غالية، وان دموعهم لاتزال دموع عزة وإباء، لا دموع ذلّ وانحناء. وهذه سطور عن بعض شهداء الانتفاضة، العامرة بالعبر لأولي الابصار.

الشهيد يحيى عياش (مهندس الانتفاضة رقم 1)

فهذا يحيى عياش، شهيد الانتفاضة وبطلها الذي خرج في جنازته نحو نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وحده. ولد هذا البطل في العام 1966 في قرية (رافات) القريبة من مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، التحق بجامعة النجاح، وتخرج في كلية الهندسة الكهربائية العام 1988. ونشط في صفوف كتائب عزالدين القسام منذ مطلع 1992 وتركز نشاطه في مجال تركيب العبوات الناسفة، وطور لاحقا اسلوب الهجمات الاستشهادية عقب مذبحة المسجد الابراهيمي في فبراير/ شباط 1994، واعتبر مسئولا عن سلسلة من الهجمات ضد الصهاينة ما جعله هدفا مركزيا للعدو، وظل ملاحقا ثلاث سنوات حتى تمكنوا من اغتياله بعد ان جندوا المئات من العملاء والمخبرين. فقد استشهد في بيت لاهيا شمال قطاع غزة في الخامس من يناير/كانون الثاني 1996 بعد انفجار عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه. ونفذ ابطال الكتائب سلسلة من الهجمات ثأرا لاستشهاده، أدت إلى مصرع نحو 70 إسرائيليا وجرح مئات آخرين.

الشهيد محيي الدين الشريف (مهندس الانتفاضة رقم 2)

هو الشهيد محيي الدين الشريف، من مواليد (بيت حنينا) شمال القدس العام 1966. درس هندسة الالكترونيات في كلية العلوم والتكنولوجيا، إحدى كليات جامعة القدس المفتوحة. انتظم في صفوف الحركة الاسلامية أثناء دراسته الجامعية، واعتقل لمدة سنتين في بداية الانتفاضة، كما اعتقل لمدة عام ونصف العام في سنة 1991 بسبب ايوائه مجاهدين من كتائب القسام. رافق الشهيد عياش طويلا وعملا معا في الضفة والقطاع، وتلقى منه علومه في تركيب المتفجرات من مواد اولية قبل ان يطور بنفسه اسلوبا شديد التعقيد حرم الصهاينة من معرفة المكونات الاصلية للعبوة بعد انفجارها. كما عمل قبل اغتياله على تطوير اسلوب التفجير بواسطة جهاز التحكم عن بعد. واستشهد في 29 مارس/ آذار 1998 بعد ان تم تفجير المكان الذي كان يختبئ فيه بمدينة رام الله.

الشهيد محمود أبو هنود

من مواليد بلدة (عصيرة) شمال نابلس العام 1967. التحق في العام 1995 بكلية الدعوة واصول الدين بالقدس إذ حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الاسلامية. وكان من المشاركين في فعاليات الانتفاضة، واصيب في العام 1988 بجروح خطيرة جراء طلق ناري خلال مواجهة مع جنود الاحتلال، وتم اعتقاله لاحقا لعدة شهور في سجن (مجدو). وبعد اطلاق سراحه اصبح من ناشطي حماس في منطقة نابلس. وفي ديسمبر/ كانون الاول العام 1992 كان من بين 400 عضو في حركة حماس والجهاد الاسلامي ابعدوا إلى جنوب لبنان. ولم تثن عملية الابعاد أبو هنود عن مساره، بل واصل نشاطه العسكري في الحركة وأضحى بعد استشهاد محيي الدين الشريف المطلوب رقم واحد لأجهزة الامن الصهيونية والفلسطينية على حد سواء. انضم هذا البطل إلى قائمة الشرف والشهادة مساء يوم الجمعة 23 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2001، عندما تمكنت طائرات الاباتشي من اغتياله في قصف صاروخي للسيارة التي كان يستقلها شمال نابلس.

الشهيد أحمد عمر عليان

شاب نشأ في طاعة الله، كان مؤذن المسجد في مخيم (نور شمس)، وكان حافظا للقرآن، وله صوت ندي يحبه الناس. كان له من العمر 22 سنة، امتلك من المال مبلغ الفي دينار، ما يسمح له ان يبدأ رحلته مع الحياة: زوجة واولاد، ولكنه آثر ان يبدأ الخطوة الاولى مع الحياة الاخرى الابدية. كتب وصيته بأن قسم المدخرات بين شقيقته الطالبة في جامعة النجاح، وإكمال بناء مسجد الحي. كان اذان الفجر هو آخر ما وصل الناس من صوته الندي. حمل حقيبته ومضى صوب نتانيا، وصلها واختار موقعه الافضل واشعل الفتيل. النتيجة: اربعة قتلى وسبعون جريحا من شذاذ الآفاق.

الشهيد محمود مرمش

اصدرت كتائب عز الدين القسام البيان الآتي: «أبناء شعبنا البطل وابناء امتنا العربية والاسلامية المرابطين. ويمضي شهيدنا البطل محمود احمد مرمش والبالغ من العمر 20 ربيعا صباح الجمعة المباركة الموافق 18/5/2001 إلى هدفه المحدد الواقع على شارع هيرتزل في عقر دار العدو التي اغتصبها منا ويدعيها له، وفي قلب مدينة نتانيا، ليفجر عبوته المدمرة ويمضي إلى جنان رب العالمين صادقا محتسبا، ويخلف وراءه خمسة قتلى واكثر من سبعين جريحا يتخبطون بدمائهم».

هذا البطل من مواليد طولكرم، وينتمي إلى عائلة فقيرة، ونشأ مع 13 من اخوانه واخواته. وذكرت مصادر مقربة من عائلة مرمش أن الشهيد كان مسرورا جدا في اليوم السابق للعملية، وقام بزيارة لجميع شقيقاته، وكان يتحدث باستمرار عن الشهادة. وفي صباح استشهاده احضر علبة من الحلوى وطلب من والدته ان توزع العلبة من دون ان يذكر السبب، ثم ترك عبارة على قصاصة من ورق يقول فيها : «إن من يظن ان الجهاد سينتصر بغير دم فهو واهم».

الشيخ صلاح شحادة

هوقائد كتائب عز الدين القسام الشيخ الشهيد صلاح مصطفى شحادة رحمه الله تعالى، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الاسلامية (حماس). بطل من ابطال هذه الامة العظيمة، وأحد شهدائها الابرار في طريق العزة والكرامة. إنه الرجل الذي اسس كتائب الجهاد القسامية، وابتكر اقتحام المستوطنات، وطور السلاح، بدءا من مدافع الهاون، إلى القذائف المضادة للدبابات.

ولذ الشهيد في 4/2/1953 في قرية (بيت حانون) شمال قطاع غزة، وكان الابن الاول الذي رزق به والده بعد 8 بنات، 6 منهن توفاهن الله، ونشأ بين والديه يغدقان عليه حنانهما، ويخافان ان تجرح نسمة الهواء خديه! إلا انهما غرسا الرجولة فيه منذ نعومة اظافره.

تروي شقيقته سميرة: «عندما تزوجت شقيقتي الكبرى اصر والدي على ان يصطحب صلاح أخته إلى بيت زوجها نيابة عنه، على رغم انه لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره بعد! وفي الاعياد كان ابي يعطيه الاموال ليعيّدنا يوم العيد، وكأنه شاب كبير، فمنذ صغره ووالدي وجميع افراد الاسرة يتعاملون معه على انه رجل ومسئول».

وتضيف شقيقته: «كان لصلاح منذ صغره شعر ناعم ووسامة بادية، وكان يولي اهتماما لمظهره، وتميز بهذا بين جميع اطفال القرية، وهو ما جعله موضع حسدهم، فأراد احد الشبان - وكان يكبره بـ 5 سنوات - الانتقام منه، فجمع 6 اطفال، وترصدوا لصلاح إلا ان صلاح صرعهم جميعا!

ما كاد هذا البطل الصغير يتجاوز 15 عاما حتى بدأ يؤوي المطاردين في مزارع القرية، ويزودهم بالأكل والشرب خفية عن والده الذي كان يخشى ان يخوض ابنه غمار المقاومة حتى لا يفقده، ففضل الوالد ان ينجو بطفله صلاح بأن ينتقل بأسرته إلى مخيم الشاطئ، الذي وجد فيه البطل صلاح ضالته، فالتحق مع المسجد ليستمع إلى دروس الشيخ المجاهد احمد ياسين حفظه الله، ويترعرع على يديه، وليتعانق في قلبه حب الوطن مع الاسلام. وعندما لم يجد الاب من سبيل لصد ابنه عن طريق الجهاد اعاده إلى قريته ثانية، ومن ثم اصر والده على ان يلحقه بجامعة الاسكندرية ليبعده عن الطريق، ولكن صلاح تعرف في الاسكندرية على مجموعة كبيرة من الشبان الفلسطينيين من حركة الاخوان المسلمين، وخصوصا احمد الملح لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الحياة الجهادية للبطل صلاح شحادة.

وفي العام 1984 تعرض لاول عملية اعتقال على يد المخابرات الاسرائيلية لمدة عامين، بتهمة الانضمام إلى حركة الاخوان المسلمين، وما كاد يخرج من المعتقل حتى أعيد اليه العام 1989 بتهمة قيادة العمل العسكري، اذ قضى في السجن أكثر من 12 سنة، تعرض خلالها لكل اساليب التعذيب. يحدثنا البطل الشهيد: «لم يدع جنود الاحتلال شعرة في ذقني أو صدري الا نتفوها، حتى شككت في أن تنبت لي لحية مرة أخرى، واقتلعوا اظافر قدمي ويدي، ولكني والله ما شعرت بألم، ولم أتفوه بآهة واحدة، فقد كنت اردد القرآن» ويحدثنا عبدالعزيز الرنتيسي: قضيت مع شحادة أحلى سنوات عمري داخل السجن العام 1988 ثم التقيته العام 1995، وكان شحادة الخطيب في المعتقل والمسئول عن تدريب الشباب في طابور الصباح... كان يمارس معهم رياضة قاسية حتى ان ادارة السجن شكته عدة مرات، وادعت انه يدربهم تدريبات عسكرية. وبعد الاستراحة يبدأ شحادة بتغذية المعتقلين ثقافيا في درس الصباح الذي يحضره جميع المعتقلين بينما كان يؤثر مجموعة من اخوانه الذين قرأ في شخصياتهم الجرأة والقيادة في دروس خاصة عن موضوع الصحة النفسية.

أما الشيخ القائد أحمد ياسين فيؤكد أن الشهيد صلاح شحادة تولى مسئولية الجناح العسكري لحماس العام 1988 ويضيف: نجح شحادة خلال العامين في بناء الجهاز العسكري لكتائب القسام ونجح من خلال المؤسسة أن يجد له تلاميذ في الميدان يتولون القيام بمهمته فور غيابه.

تصفه زوجته ماجدة فتقول: «كان دائما يضع مخافة الله أمام عينيه وكأنه يمشي على الصراط وكأن الجنة والنار ماثلتان أمامه يفتش عن نيته قبل أن يخطو خطوة... تعلمت منه التواضع وامتلاك الأعصاب الهادئة والتصرف في الأمور بحكمة، وكان يقول لي القائد يجب أن يكون هادئ الأعصاب لا ينفعل... كان حقا صحابيا في القرن الحادي والعشرين... كان شعاره: أحب أن ألقى ربي وليس في كتابي مظلمة لأحد، أريد أن أفوز بالجنان وأرضي الرحمن».

أصبح الشيخ صلاح شحادة المطارد رقم (1) لجيش الاحتلال، وقد كان المجرم شارون يشرف شخصيا على مطاردته ومحاولة اغتياله. حتى جاءت لحظة الفراق واللقاء: فراق هذه الدنيا، ولقاء محمد (ص) فلقي ربه شهيدا في جريمة من أبشع جرائم الاحتلال الصهيوني في مدينة غزة، في مذبحة راح ضحيتها 15 شهيدا، معظمهم من النساء والأطفال بتاريخ 13/7/2002.

ابراهيم المقادمة

أما الشهيد ابراهيم المقادمة، فهو من كبار قادة حماس، وأحد كبار مفكري الاخوان المسلمين في فلسطين. ولد العام 1950 في بيت (دراس)، وقضى أيام شبابه في مخيم (جباليا)، التحق بكلية طب الأسنان في احدى الجامعات المصرية وتخرج فيها طيبا للأسنان. كان من المقربين للشيخ أحمد ياسين.

وفي العام 1984 اعتقل للمرة الأولى بتهمة الحصول على أسلحة وانشاء جهاز عسكري في قطاع غزة، فحكم عليه بالسجن ثماني سنوات، كما تعرض في سجون الحكم الذاتي الفلسطيني للتعذيب الشديد وذلك في العام 1996، وكان المقادمة من اشد المعارضين لاتفاق اوسلو، وكان يرى أن أي اتفاق سلام مع العدو الصهيوني سيؤدي في النهاية الى تصفية القضية الفلسطينية، وأن المقاومة هي السبيل الوحيد للاستقلال لقيام الدولة الفلسطينية.

ألف المقادمة عدة كتب ودراسات وهو داخل السجن وخارجه، أشهرها كتاب (معالم في الطريق الى تحرير فلسطين)، ودراسة بعنوان (الصراع السكاني في فلسطين).

اغتالته قوات الاحتلال الصهيوني مع ثلاثة من مرافقيه صبيحة يوم السبت 8/3/2003 وذلك عندما قامت طائرات الأباتشي بقصف السيارة التي كان يستقلها ومرافقيه بالصواريخ، ما أدى الى استشهادهم جميعا بالاضافة إلى طفلة صغيرة كانت مارة في الطريق.

هؤلاء هم شهداء الانتفاضة... هؤلاء هم الرجال في زمن عزّ فيه الرجال.

سلام عليكم يا شهداء الانتفاضة، وعلى كل الشهداء والمجاهدين، من مضى منهم، ومن ينتظر، وما بدلوا تبديلا

العدد 250 - الثلثاء 13 مايو 2003م الموافق 11 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً