العدد 2535 - الجمعة 14 أغسطس 2009م الموافق 22 شعبان 1430هـ

الأزمة الإيرانية في أسبوعها العاشر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخلت تداعيات أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية أسبوعها العاشر وتبدو احتمالات الحل مفتوحة على مزيد من التدهور في حال لم تتوصل السلطة السياسية إلى تسوية معقولة تضمن استقرار الجمهورية الإسلامية.

الأسبوع الماضي شهد الكثير من التعارضات بين تيار يطالب بفتح تحقيق بإشراف لجنة قضائية محادية بشأن ما حصل من تجاوزات واعتداءات في السجون. وبين تيار يدفع باتجاه استكمال دائرة التسلط وتوسيع حلقة الاعتقالات والمحاكمات لتشمل رموز قوى الاعتراض وقادة الثورة والدولة.

الاتجاهان يتنازعان لكسب معركة الشارع واحتمال عودته إلى الاحتجاج في حال تواصلت سياسة إقفال الأبواب والطرقات ومنع الناس من التظاهر السلمي كما تنص المادة 27 من الدستور. وعودة الشارع إلى التحرك مسألة غير مستبعدة في ظل اشتداد التنافس على تشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض أن يتقدم بها رئيس الأمر الواقع محمود أحمدي نجاد إلى مجلس الشورى خلال فترة لا تزيد عن الأسبوعين. فالحكومة المقبلة تعتبر من المؤشرات السياسية التي تدل على توازن القوى بين تيار المحافظين الجدد الذي يقوده الثنائي أحمدي نجاد/ مشائي معتمدا على دعم المؤسسات العسكرية (الحرس الثوري) واحتياطها الشعبي (قوات الباسيج) وبين تيار المحافظين التقليديين الذي تدعمه المراجع الدينية في مدينة قم وتجار البازار والقطاعات الحرفية والمهنية.

التوازن بين التيارين يعني أن الحكومة تعكس مصالح القطاعين الاقتصاديين الحديث والقديم وبالتالي ستكسب غالبية أصوات مجلس الشورى. وعدم التوازن يعني أن الكفة أخذت تميل نحو ترجيح قوة تيار المحافظين الجدد الذي يستخدم الفائض النقدي من احتياط إنتاج الغاز والنفط لتوظيفه واستثماره في القطاعات العسكرية ومؤسسات التصنيع الحربي. وهذا الأمر في حال تشكل رسميا في الحكومة الجديدة يؤشر إلى نمو كتلة اقتصادية تعتمد على قطاعات إنتاجية تشرف عليها الدولة مركزيا بعيدا عن رقابة المراجع الدينية التقليدية. ونمو هذه الكتلة من خلال استخدام أدوات السلطة السياسية سيؤدي لاحقا إلى تكوين جناحين يتجاذبان الدولة والثورة باتجاهين متعارضين: الأول حديث يطمح إلى تكوين قوة مستبدة تلقي القبض على المجتمع وتهمش دور الشارع من خلال ملاحقته وكسر شوكته. والثاني تقليدي يؤمن بالتنوع والتعدد وتوازن السلطات وعدم السماح بسيطرة الأجهزة القمعية (وزارة الداخلية وشبكة المخابرات) على الجمهورية.

احتمال نجاح قوى التسلط على مفاصل الدولة ومصادر الثروة مسألة واردة حتى لو ظهرت المراجع التقليدية في موقع المنقسم بين فئة تدعم الثنائي أحمدي نجاد/ مشائي وفئة تطلب العدل لقوى الاعتراض وحقها في التظاهر السلمي والاحتجاج في الشارع. فالانقسام في المواقع التقليدية ليس بعيدا عن تنوع مصادر الإنتاج والدخل وإعادة التوزيع واختلاف المصالح بين قوة تراهن على نمو الاقتصاد الحديث (النفط وصناعة السلاح) وقوة تتخوف من انهيار القطاعات الإنتاجية القديمة (الزراعة والمهن والحرف).


قوتان مركزيتان

المعركة بين القوتين المركزيتين بدأت. والحكومة الجديدة تشكل خطوة مضافة في سياق تجاذبات يرجح أن تأخذ وقتها الطويل في جمهورية تعتمد على دستور يمنع انفراد فئة بالسلطة من دون مراجعة ومراقبة. وبسبب خصوصية الدستور الإيراني يمكن أن تتحول المعركة إلى ساحات سياسية تترسم في إطارها تعارضات غير مفهومة بين طموح القطاعات الاقتصادية الحديثة (النفط والسلاح) إلى الهيمنة المطلقة على مؤسسات الدولة (المخابرات والأجهزة) مقابل مقاومة القطاعات الاقتصادية التقليدية (البازار والصناعات اليدوية والحرفية والمهنية) ظاهرة الاحتكار واضطرارها إلى دعم حركة الشارع لتطوير قدرات المجتمع على الممانعة. فالقوة الحديثة (الجيل الثاني) في إيران محافظة ومتشددة وغير متسامحة مع الداخل وعندها الاستعداد للتعامل مع الخارج لضمان تسلطها وتغطية انحرافاتها واستبدادها. والقوة التقليدية (الجيل الأول المؤسس) تميل نحو التقدم الهادئ والانفتاح المدروس وتفضل التسامح مع الداخل وتتخوف من الخارج واحتمال تدخله لكسر التوازن الذي استقرت عليه الجمهورية في العقود الثلاثة الأخيرة.

هذه الخصوصية الإيرانية (المفارقة بين الحديث والتقليدي) ستظهر تباعا في الأسابيع والشهور المقبلة وهي قد بدأت تعطي إشاراتها السياسية من خلال الملاحقات والمحاكمات. فتيار الثنائي أحمدي نجاد/ مشائي أخذ يستخدم المعتقلين واسطة لفتح قنوات الاتصال والتفاوض مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي مقابل صمت عواصم الغرب على سياسة القمع والتعذيب ومصادرة الحريات. وهذا النوع من التعامل كشف عن ازدواجية المعايير التي استخدمها الإعلام الأوروبي - الأميركي في تغطية المحاكمات. وأسلوب التعاطي مع «المحاكم الثورية» يدل على وجود توجهات سياسية دولية تشجع السلطة في طهران الانفتاح على الخارج مقابل الصمت على الانغلاق في الداخل. فالزعماء في الولايات المتحدة ودول الاتحاد اهتموا بسلامة بعض الموظفين في السفارات العاملة في طهران (اتصالات بشأن إطلاق سراحهم مقابل كفالات نقدية) مقابل السكوت عن المظالم والاتهامات التي صدرت ضد المعترضين الإيرانيين. والتمييز الإعلامي بين الفئتين ليس جديدا على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو يتجاوز في إشاراته السياسية مسألة السيادة وعدم التدخل لأنه يرسل علامات تبدي الاستعداد للتفاوض على الملفات الأخرى بغض النظر عن مصير حقوق الإنسان في إيران.

قنوات الاتصال بين الثنائي أحمدي نجاد/ مشائي يرجح أن تتسع وتتطور مع عواصم الغرب وصولا إلى تفاهمات متبادلة تضمن تغطية أمن النظام وعدم عرقلة طموح الكتلة الاقتصادية الجديدة (المحافظون الجدد) في استكمال السيطرة السياسية على مفاصل الدولة ومصادر الثروة.

هناك مفارقات غريبة يرجح أن تظهر على الشاشة السياسية الإيرانية من خلال مراقبة تشكيل الحكومة وتلك التوازنات التي ستكشف عنها وقائع نقاشات مجلس الشورى. فالحديث (الجيل الثاني) سينفتح على الخارج ويستخدم علاقاته به لتشديد القبضة على الداخل وتحويل السلطة إلى أجهزة ملاحقة ومطاردة ومحاكمة. والتقليدي (الجيل المؤسس) سيدفع ثمن الانفتاح على الخارج وسيضطر للممانعة والدفاع عن محاولات «تيار المحافظين الجدد» تهميش وظيفة مؤسسات داخلية لعبت دورها في حماية الجمهورية من مخاطر الأعداء.

إنها مفارقات ولكن التاريخ أعطى الكثير من الأمثلة في محطاته الزمنية تقارب ما يحصل الآن في إيران. في السنوات الأخيرة من عهد السلطنة العثمانية وقعت حوادث متشابهة حين أقدم السلطان عبدالحميد الثاني على تطوير المؤسسات والأجهزة وتحديث وسائط النقل والمدارس والمعاهد وإرسال البعثات إلى الخارج للتعلم في الجامعات والأكاديميات العسكرية وانتظر السلطان ثلاثة عقود للبناء على الجيل الذي أسهم في تربيته ورعايته وكانت النتيجة أن الأبناء (ضباط جمعية الاتحاد والترقي) انقلبوا عليه وعطلوا صلاحياته وانتهى معه زمن السلطنة. السيناريو العثماني ليس مستبعدا والتراجيديا التركية في مطلع القرن العشرين (1908) يمكن أن تتحول إلى تراجيديا إيرانية في مطلع القرن الجاري.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2535 - الجمعة 14 أغسطس 2009م الموافق 22 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً