العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ

خطةأعدّت في الغرب لتصفية القضية الفلسطينية وعلى الشعب مواجهتها

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في فلسطين المحتلة يواصل العدوّ وضع حجر الأساس لمزيد من المستوطنات في القدس والضفة الغربية، فيما يتواصل الضجيج الرسمي حول الخطة الأميركية التي يحمل الرئيس الأميركي عناوينها في الخطاب الذي من المقرر أن يلقيه أواخر هذا الشهر في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فالوحدات الاستيطانية تتوالى، حيث أُعلنَ عن العمل لولادة خمسمئة وحدة استيطانية جديدة، في الوقت الذي يظهر فيه أنّ المشكلة لدى الإدارة الأميركية ليست في بناء المزيد من المستوطنات، وإنّما في كشف العدوّ للأرقام المتصاعدة فيها، ممّا قد يُحرج بعض العرب ويكشفهم أكثر أمام شعوبهم.

إن الذي يجري عمليا هو قضم متسارع لما تبقى من أرض فلسطينية في الضفة الغربية وغزة في منأى عن الاستيطان، لتذوب الدولة الفلسطينية القادمة - التي ستكون اسما لغير مسمّى - في بحر من الاستيطان، ولينتهي معها الأمل بعودة القضية إلى دائرة الضوء، بعد أن تكون المعطيات الميدانية والتطورات الدولية والتواقيع العربية قد أكلتها فعلا، لتطوى معها صفحة كاملة من تاريخ الأمة، ولتبدأ الحرب الداخلية في المحاور التي صنعها المحتل، وخطوط التماس الداخلية التي زرعتها الدول المستكبرة في النسيج الداخلي للأمة، وأعانها عليها من أعان.

وللأسف، فإنّه في الوقت الذي يتحرّك المجتمع الدولي، وفي مقدّمته الولايات المتّحدة الأميركية، للتغطية على إنهاء قضيّة فلسطين بالكامل، تماما كما أعلن وزير خارجيّة العدوّ عن شطب القضية الفلسطينية من قاموس وزارته، معلنا أنها ماتت فعلا، يبرز الحديث عن أنّ ثمة دولا عربية وعدت الأميركيّين بالمسارعة بخطوات تطبيعية مع العدوّ بمجرّد الإعلان عن بدء عملية التفاوض التي قد تفضي إلى الإعلان الشكلي عن دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، مع شطب حق العودة نهائيا.

إنني أحذّر من أن الخطة الجهنمية التي أُعدّت في دوائر متعددة في الغرب، بالتنسيق مع كيان العدو تقوم على إحداث حريق كبير في داخل الأمة، يواكب العمل المستمر للتسوية المذلّة أو تبدأ نيرانه بالاشتعال بعد الإعلان عن انطلاق الصفّارة الأولى لعملية تصفية القضية الفلسطينية، لتغرق المنطقة بالفتن المذهبية، والصراعات الداخلية التي يُراد لها أن تحمي جدار التطبيع وتمنعه من السقوط، وأن تؤسس لانهيارات متتالية في البنيان الإسلامي والعربي العام.

إنني، ومن موقع مسئوليتي الشرعية، أدعو الشعب الفلسطيني قبل غيره، للاستعداد لمرحلة أخرى من مراحل المواجهة، لأنه أثبت أنه الوحيد القادر على إبقاء جذوة القضية وشعلتها مشتعلة، كما أدعو الشعوب العربية والإسلامية لمواكبة هذا الشعب، وتقديم كل أنواع الدعم له، لإعادة إطلاق حركة المقاومة التي تعرضت لأبشع عملية حصار، ولمؤامرة دولية كبرى داخل فلسطين المحتلة وغزة وخارجهما.

وإننا في الوقت الذي نلاحظ فيه أن جسد الأمة قد أُثخن بجراح الاحتلال والفتن الداخلية والصراعات الحزبية والمذهبية، نرصد سعيا أميركيا وإسرائيليا ودوليا لاستغلال ذلك كله في عملية الضغط على البطن الرخو في الأمة، لسَوْقها الى التسليم النهائي لعدوّها، وإعلان الهزيمة أمامه، على الرغم من النجاحات بل الانتصارات الكبرى التي تحققت في مواجهة المشروع الصهيوني.

إن الآلام التي تعاني منها الأمة، سواء من خلال ما يجري من تقاتل وتناحر بلا طائل، كما يحصل في اليمن، وما يحدث من احتراب وصراع داخلي في الصومال، ومن عمليات تفجير إجرامية تستهدف الأبرياء وتطاول المدنيين ولا تستهدف الاحتلال كما يجري في العراق، وما يحدث من استباحة متواصلة من الاحتلال في أفغانستان، واستهانة بأرواح المدنيين الذين تلاحقهم الطائرات الأميركية فتقتل وتبيد عائلات بأكملها بحجة الحرب على الإرهاب، إضافة إلى ما يحدث من انقسامات في السودان... إن ذلك كله يمثل جزءا من الخطة المرسومة التي يُراد من خلالها لطاقات الأمة أن تُهدر في الحروب والمنازعات الداخلية، حتى يتمكّن الأعداء من تمرير مشروعهم الذي تعرض لانتكاسات سابقة ويُراد له أن يعود إلى اندفاعه الأول من خلال الدماء التي تصنعها حركة الفتنة المتنقلة هنا وهناك.

ونحن نحذّر من أن الأعداء يعدّون العدّة، ويرسمون الخطط لفتن جديدة تحمل العناوين المذهبية، وتحاول تمزيق الممزَّق وتقسيم المقسَّم، إمعانا في تجريد الأمة من بقية عناصر القوة فيها، وعلى الحريصين أن يتحركوا سريعا، ويعدّوا العدّة المضادة والآليات المناسبة لمواجهة ذلك كله.

أما لبنان، فنحن نعتقد بأن ما يجري فيه يمثل الصدى لما يجري في المنطقة، لأن الخطة الدولية تسعى لقطع الطريق على أية حلول موضعية، بانتظار جلاء الأمر في الملف الكبير المتمثل بالملف الفلسطيني، ولذلك فإننا لا نستبعد أن تكون أطرافا دولية قد دخلت على خط الأزمة الداخلية، وعملت على عرقلة الأمور، لتبقى المسألة في دائرة تقطيع الوقت ريثما تنضج الطبخة في مواقع إقليمية معينة.

لقد عادت بعض المحاور الدولية لتكتشف أن لبنان لا يزال يصلح كورقة للمساومة، وللضغط على هذا المحور الإقليمي أو ذاك، وعادت اللعبة الدولية الى أوج نشاطها، لتترك اللبنانيين في مهب الرياح الإقليمية والدولية، وعاد الكثيرون للعب دور الوسيط بين هذه الدولة أو تلك وبين شعبهم، وغاب لبنان الوطن عن عيونهم لترتفع أمامهم صورة هذا المسئول الأجنبي أو ذاك المسئول الإقليمي، فيأخذوا من حركته زادا سياسيا لنشاطهم وتصوراتهم حيال ملفات الداخل.

إننا ندعو الجميع للعودة الى رحاب الوطن، وإلى أهلهم وقضاياهم، ولاعتماد لغة العقل، وترك لغة الانفعال التي تعود بالكوارث على البلد ولا تحمي أصحابها، بل تترك الساحة مفتوحة على مخاطر حاضرة وأخرى آتية.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً