العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ

«أغورا»... فيلم للمؤسسات الدينية

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

بالنسبة للبعض قد يبدو أهم ما في فيلم «أغورا» الإسباني هو دحضه للنظرية الغربية التي تتهم الدولة الإسلامية بتدمير مكتبة الإسكندرية. الفيلم يوجه لوما شديدا ولاذعا للكنيسة المسيحية في القرن الرابع الميلادي لقيام أتباعها وبأمر من أعلى «قياداتها» بتدمير وضياع ما ضمته المكتبة من تراث علمي بشري قيم.

في واقع الأمر فإن للفيلم أهمية خاصة في مثل هذا الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الصراعات وتنتشر فيه خطابات الكراهية الدينية، ليس بين منتسبي الديانات المختلفة وحسب بل بين أبناء الدين الواحد.

الفيلم يستعرض وقائع مريرة وحوادث بشعة نتجت من التطرف والتشدد الدينين ومن تسلط رجال الدين واضطهادهم لأبناء الديانات الأخرى، وكذلك يسلط الضوء على تبعية الحشود لزعاماتها الدينية ورفض قواعد إعمال قواعد العقل والمنطق من قبل تلك الحشود والقيادات.

هذه الوقائع تتشابه إلى حد كبير في معطياتها مع ما يدور اليوم، ليس في العالم الإسلامي فحسب بل في كل أرجاء العالم. صحيح أن السيطرة والهيمنة على الحشود الإسلامية هي سيطرة دينية في كثير من الدول الإسلامية، إلا أن هناك أنواع أخرى من الهيمنات السياسية والثقافية تمارس ضد الشعوب الأخرى ربما بنفس القدر والتأثير.

ولعل واحدا من أهم الحلول التي يطرحها الفيلم لمواجهة التطرف والتشدد الدينيين، وهما على الأقل ما يعصف بعالمنا العربي اليوم، هو اعتماد التشكيك منهجا حياتيا. التشكيك، بحسب الفيلم، يعني إعمال العقل والقدرة على نقد ممارسات الكنيسة أو أي سلطة دينية متطرفة أخرى. والفيلم لا يدعو إلى التشكيك الديني وحسب، يركز عليه نعم، لكنه يتعرض للنهج التشكيكي في العلوم والفلسفة.

التشكيك في الفيلم هو ما أوصل هيباتيا لنظرية الدورة الهلامية للكواكب لتنقض النظرية القديمة السائدة. كذلك فإن التشكيك في بعض نصوص الكتاب المقدس هو ما مكن الجماهير من الالتفات لتلاعب الكنيسة بمصائر الشعوب وواقعها. التشكيك هو ما جعل «دافوس» عبد هيباتيا، مثلا، يستفسر عن ضرورة قتل اليهود، في حين تحث تعاليم المسيحية على التسامح وتدعو إليه وتثبته سيرة المسيح نفسه.

الفيلم يشكك في الكثير ويثير تساؤلات حول العديد من القضايا التي لم تكن تؤرق أهالي الإسكندرية أو من عاصرهم في القرن الرابع الميلادي، لكنها قضايا تثير إشكالات عديدة اليوم، ربما لمنتسبي جميع الأديان، كقضايا إنسانية المرأة، الاعتراف بالآخر، التسامح الديني، نبذ التطرف والتشدد، ضرورة مراجعة النصوص الدينية وإعمال العقل، الخلاف أو الوفاق بين الدين من جانب والعلم والفلسفة من جانب آخر، وغير ذلك كثير.

قد يكون الفيلم بمثابة وقفة لم تكن تتعلق بالكنيسة المسيحية ولا القرن الرابع الميلادي ولا الإسكندرية في العصر الروماني ولا أيّا من ذلك. لكنه يمكن أن يكون وقفة تحتاج مؤسساتنا الدينية، الإسلامية، على وجه الخصوص، أن تقفها مع نفسها، لتراجع كثير من ملفاتها، على الأقل تلك التي طرحها الفيلم، ولترد على إشكالات عديدة، ولتقف بشجاعة في وجه نهج التشكيك الذي لا يوجه لها من الخارج الآن لكنه على ما يبدو يأتي كنتاج طبيعي للعصر الذي نعيش.

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً