العدد 2753 - السبت 20 مارس 2010م الموافق 04 ربيع الثاني 1431هـ

هيئة العراق بعد الانتخابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أزمة العراق ما بعد الانتخابات النيابية يرجح أن تكون مفتوحة على احتمالات قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الهيئة السياسية لبلاد الرافدين. فالنتائج المبدئية كشفت عن انقسامات بنيوية طائفية ومذهبية ومناطقية يصعب تغطيتها بالكلام عن «القومية» و«الوحدة الوطنية» و«الليبرالية» و«العلمانية». هذا التشرذم الذي تمظهر في توازنات هيكلية بين مقاعد المحافظات يرسم ملامح «دولة» تقارب نموذج فيدراليات تتحكم في آلياتها السياسية تكتلات نيابية محلية تسيطر عليها قوى حزبية (أيديولوجية وعشائرية) تطمح بإنتاج زعامات في الدوائر الجغرافية الخاضعة لتوجهاتها العابرة للحدود.

الواقع العراقي المنقسم إلى هويات وعصبيات ضيقة كان القوة الفائزة في الانتخابات النيابية. والأصوات التي توزعت على اللوائح المتنافسة جاءت منسجمة مع الغالبية الطائفية والمذهبية والأقوامية في كل محافظة. الصوت الكردي مثلا ذهب إلى مصلحة التحالف الكردستاني في المحافظات الثلاث ذات الغالبية الكردية. والصوت السني أيضا ذهب في غالبيته إلى مصلحة «القائمة العراقية» برئاسة إياد علاوي في المحافظات الأربع. والصوت الشيعي توزع على قائمتين في المحافظات التسع، بينما توزعت النسب على اللوائح الأربع في محافظة بغداد المختلطة مذهبيا ومدينة كركوك المختلطة أقواميا وعشائريا.

الفرز الطائفي - المذهبي - الأقوامي ليس بحاجة إلى ذكاء للتأكد من ارتسام معالمه السياسية في محافظات العراق. فالغالبية الشيعية في بابل والنجف وميسان والقادسية والمثنى والبصرة وكربلاء وواسط وذي قار أعطت ثقتها السياسية للائحة المالكي (6 محافظات) ولائحة الحكيم - الصدر (3 محافظات). والغالبية السنية في ديالى وصلاح الدين ونينوى والأنبار أعطت ثقتها السياسية للائحة علاوي. والغالبية الكردية في أربيل والدهوك والسليمانية أعطت ثقتها السياسية للتحالف والتغيير الكرديين. وتوزعت المقاعد الأخرى بحسب التوازنات الطائفية والمذهبية والعرقية والأقوامية في بغداد وكركوك.

الخريطة المذكورة تكشف عن فرز سياسي توزع على المناطق بحسب تكوين المحافظة. فالكردي صوّت للكردي. والشيعي للشيعي. والسني للسني حتى لو كانت رئاسة القائمة لشيعي أو علماني. فالتصويت لم يكن على أساس البرنامج وإنما على معطى مذهبي - طائفي أعاد تشكيل صورته وفق هيئة المحافظة وتلك الغالبية المحلية التي تتحكم في إدارة مفاصلها وآلياتها.

هذا الانقسام المتوارث أنتج الآن ما يمكن تسميته بتوازن الكتل النيابية التي تعكس في مضمونها مصالح لا تتجاوز حدود المحافظة وما تمثله من ثقل سكاني يرجح هوية المنطقة المذهبية أو الطائفية، الأمر الذي يكشف عن وجود أزمة ثقة تعطل التعايش أو على الأقل تعرقل إمكانات التوصل إلى تفاهم وطني يتخطى العصبيات المحلية التي انبعثت وانفجرت في ظل الاحتلال الأميركي.

التشرذم النيابي وتوزعه على تكتلات سياسية تقارب هيئة المحافظات يفترض الآن قيام حكومة ائتلافية تتمثل في إطارها العام مختلف قوائم الطوائف ولوائح المذاهب حتى تنسجم الصورة الموحدة مع واقع مبعثر على عصبيات ليست بالضرورة متناغمة في توجهاتها الأيديولوجية وتطلعاتها الإقليمية. والحكومة الموعودة المراد تشكيلها تتطلب تنازلات قاسية من كل الأطراف وعقلية تسووية تضع مصلحة الدولة العليا فوق الاعتبارات المحلية والهويات والعصبيات الضيقة. فهل تنجح التكتلات النيابية في إنتاج صيغة توافقية تعتمد نظام المحاصصة (التعايش الطائفي والمذهبي) أم تتجه المنافسة إلى تشكيل تحالفات تعزل بعض الأطراف وتستبعد أخرى؟

الجواب يفترض وجود نزعة تصالحية تطمح نحو إعادة إنتاج دولة عراقية تضع في أولوياتها طرد الاحتلال من البلاد، واسترداد الهوية العربية، ومحاربة الفساد والسرقة والنهب والسلب والرشى وتهريب الأموال. وهذه المهمات الثلاث يرجح ألا تكون في طليعة اهتمامات قوى تم انتخابها على أسس لعبت العصبية المحلية الدور الأفعل في عملية الاختيار.

غياب الكتلة النيابية الممتدة وطنيا على مساحة العراق الجغرافية يعطل فعليا عملية إعادة توحيد صورة الدولة القوية والعادلة ويدفع بالقوى المتنافسة إلى إنتاج حكومة تعتمد توازنات طائفية ومذهبية تتكيف مع واقع تشرذم بعد الاحتلال. علاوي قوي في المحافظات السنية وضعيف في الشيعية، والمالكي قوي في الشيعية وضعيف في المحافظات السنية مثله مثل حال ائتلاف الحكيم - الصدر، والتحالف الشمالي قوي في المحافظات الكردية وضعيف في المناطق العربية. وهذا التشكل الانتخابي لمواقع القوى ومراكزها يرفع من نسبة التزاحم والتوتر ما يؤكد احتمال نمو أزمة عراقية مفتوحة على استحقاقات قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الهيئة السياسية لبلاد الرافدين.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2753 - السبت 20 مارس 2010م الموافق 04 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:30 م

      الأستاذ وليد على هونك!!

      الأستاذ وليد دائماً يهول المشكلات ويقول بأنها ستكون مفتوحة على مصراعيها، كما في تحليله لأزمة إيران، ولبنان، والآن العراق!! كلهم أزمات مفتوحة والاحتمالات على مصراعيها! الله يهديك يا أستاذنا العزيز، .

    • زائر 2 | 12:24 م

      فاتك من الحق والدقه الشئ الكثير

      ياسيدي انت تجاهلت ظاهره , ومررت عليها مرور الكرام , كان المفروض منك وانت العارف المطلع على هذه الخفايا , الانتباه لها وتمجيدها , والطعن بمخالفيها , وهي تخلي الاخوى السنه عن الطائفيه, باختيارهم شخص شيعي علماني , عكس الاخوه الشيعه الذين بقوا متمسكين بطائفيتهم المقيته ,واعتقد جل السبب هو مراجعهم, والذين كانوا على مدى تاسيس الدوله العراقيه الحديثه بالضد منها .!

    • زائر 1 | 10:41 م

      عبد علي عباس البصري

      اريد ان اعرف ليش في اول اسبوع كان المتقدم دوله القانون وبعده الائتلاف العراقي وعلاوي في المرتبه الثالثه ، وبعد ايام من نهايه الاقتراع والمماطله في استخراج النتائج اتضح ان الاول علاوي غريبه في التخطي للفوارق الكبيره الى الصداره

اقرأ ايضاً