العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ

تذهب المدوِّنات إلى ما وراء الإعلام التقليدي لرأب الصدوع

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يترك الأسلوب الذي غطى به إعلام التيار الرئيس الأحداث الرئيسية خلال العقدين الماضيين الكثير للتمنّي، فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول حلّ جدل جامد ومتعصّب مكان الطرح الحر والمنفتح، موجداً بيئة ناضجة لصعود المدوّنات.

حدد ظهور طرح «الجيد» مقابل «الشرير»، و»نحن» مقابل «هم» ونظرية «صِدام الحضارات» التي ذاعت شهرتها على يد العالِم السياسي صامويل هنتنغتون، والتي ادعت أن الإسلام والغرب متجهان نحو النزاع، حدد من مدى وجهات النظر التي يغطيها الإعلام التقليدي. وفي الوقت نفسه، وفي مواجهة قيود مالية صعبة جرى تجميع وسائل الإعلام وبشكل متزايد في أيدي قلة من الناس.

رداً على ذلك، ظهرت المدونات ووسائل الإعلام الاجتماعي على الإنترنت بشكل لم يسبق له مثيل، متزامنة مع ظهور التقنيات الحديثة. ولّد هذا التحول نوعاً جديداً من الإعلام هو «إعلام المواطن»، الذي أوجد تحولاً في النموذج السائد، من حيث أسلوب تبادل المعلومات والتعبير عن الآراء.

تسمح المدونات لعدد متزايد من مستخدمي الإنترنت من خلفيات جغرافية وثقافية مختلفة أن يشاركوا في تفاهم انتقالي عبر الثقافات واكتشاف أننا لا نختلف كثيراً عن بعضنا بعضاً في نهاية المطاف.

وقد جاء أحد الأمثلة المثيرة للدهشة في صيف العام 2005 في لندن. بعد أيام قليلة من الهجمات الانتحارية في المدينة، قتل كمال رازا باط الباكستاني البالغ من العمر 48 سنة والذي كان قد وصل للتو إلى لندن لزيارة أسرته، على يد مجموعة من الشباب أطلقوا صيحات عنصرية قبل مهاجمته.

سيطرت الصور النمطية والاتهامات على شاشات التلفزة وموجات الإذاعة وصفحات الجرائد، محللة الدوافع وراء الجريمة ومركزة على «جو الانتقام» الذي كان يسيطر على الدولة. كان هناك على أحد الطرفين هؤلاء الذين ألقوا باللائمة بسبب الإرهاب على تعاليم الإسلام واعتبروا الجالية المسلمة مسئولة إلى حد بعيد عن الهجمات الانتحارية وجو الخوف وانعدام الثقة الذي تلاها ونتجت عنه جريمة قتل رازا. وكان هناك على الطرف الآخر هؤلاء الذين اتهموا المجتمعات الغربية بالعنصرية والفشل في تقبّل الأقليات المسلمة.

لم يترك الحوار المستَقطب في إعلام التيار الرئيس سوى مساحة صغيرة جداً لأصوات التيار الرئيس التي كانت تبحث بيأس عن أرضية مشتركة بين هؤلاء على كلا الجانبين.

وفي هذا المضمون وفّرت المدونات فرصة غير متوقعة، وأكثر من مجرد مصادر معلومات، فقد أصبحت منابر لكافة وجهات النظر. فمن خلال التعليق على المقالات والتعليقات، اكتشف أصحاب المدونات أموراً مشتركة وهم يتصلون مع بعضهم بعضاً. اتفقوا على سبيل المثال أن الإرهاب في جوهره معارض لكافة تعاليم الأديان، بما فيها الإسلام. وفي الأيام التي تلت هجمات لندن ومقتل رازا، أصبحت المدونات منبراً للجدل العاطفي الذي نادراً ما شوهد في إعلام التيار الرئيس.

تشكل المدونة البارزة «قبر لينين» مثالاً كاملاً. ففي هذه المدونة ذات الميول اليسارية يتبادل المتدينون وجهات نظرهم عبر ما يكتبونه على الموقع من تعليقات. ويتبادل المواطنون عبر المدونات والشبكات الاجتماعية التي بدأت تظهر وجهات نظرهم ويبحثون مواضيع شائكة مثل الرهاب الإسلامي. ورغم أن التبادلات لم تكن لطيفة دائماً، إلا أن حواراً برز وأدى بشكل تلقائي إلى نوع من الأرضية المشتركة.

وقد سمحت طبيعة مجال المدونات للمسلمين (وغير المسلمين كذلك) في بريطانيا وغيرها أن يتحدّوا الاتهامات السلبية، وأن يضعوا هجمات لندن وجريمة قتل رازا في مجالهم الأوسع.

بدأ أصحاب المدونات في بريطانيا وكافة أنحاء أوروبا، على سبيل المثال، مناسبات لبحث قضايا مثل العنصرية والاندماج والدين بشكل شخصي، وانضم المدوِّنون من كافة أنحاء العالم إلى مواقع اللقاء لبحث هذه المواضيع بعمق أكبر. وظهر العمل الإيجابي للجمعيات التي تحارب الرسائل العنصرية تحت الأضواء المسلّطة، فبرزت Islamophobia Watch على سبيل المثال، والتي تأسست العام 2005 إلى الواجهة بعد فترة وجيزة من تفجيرات لندن، جزئياً نتيجة لمعرفتها المتزايدة بمستخدمي الإنترنت.

وفي مواجهة الفوضى، وقد يكون بسببها، بدا التفاهم بين الناس ذوي وجهات النظر المختلفة قابلاً للتحقيق.

سوف يقول البعض إن الحقد والقدح والذّم والجهل هي أمور سائدة على الإنترنت. ولكن إذا استخدمت الأصوات المتطرفة هذا الوسط فهي لن تعود وحيدة. لدى الناس ذوي وجهات النظر البديلة، والذين يريد العديد منهم إيجاد تفاهم واحترام متبادلين ، لديهم اليوم الحق لأن يقولوا رأيهم وأن يتم سماعهم.

سمحت المدونات والشبكات الاجتماعية للناس ذوي المعتقدات ووجهات النظر السياسية والثقافات المختلفة أن يتكلموا عن حياتهم وأفراحهم وأحزانهم وحقائقهم. أما بالنسبة للعلاقات بين المسلمين والغرب فشكل الإنترنت مخرجاً لا مثيل له يفتح العيون على الأصوات من كافة الجهات لتقول قولها، وتلطّف الفروق وسوء التفاهم. نعلم اليوم أنه في نهاية المطاف، لسنا مختلفين كما كنا نعتقد في الماضي.

* مدوِّن مغربي وطبيب يعيش في فرنسا ويدوِّن باللغة العربية على مدوَّنته «almiraat2.wordpress.com» وهو مراسل متطوع لـ «Global Voice Online» والمؤسس المشارك لمنبر «Talk Morocco»على الإنترنت، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2789 - الأحد 25 أبريل 2010م الموافق 10 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً