العدد 2796 - الأحد 02 مايو 2010م الموافق 17 جمادى الأولى 1431هـ

«صندوق الدعم المهني»... هل تذكرونه؟

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

عند تأسيسها اواخر العام 2002، تم تثبيت بند مهم وبنود اخرى مرتبطة به في النظام الاساسي لنقابة الصحافيين البحرينيية (قيد التأسيس) وهو: «صندوق الدعم المهني».

لقد مثل الصندوق منذ البداية هدفا اساسيا ارتأينا ضرورته عبر النص عليه في النظام الاساسي. كنا اول من بادر لذلك، وعندما جاءت مسودة قانون النقابات المهنية المقدمة من الحكومة الى مجلس النواب العام 2007، كان «صندوق النقابة» قد تم النص عليه في اكثر من بند في تلك المسودة. العبرة هنا واضحة: لن يكون للنقابات معنى ما لم تتعاط بشكل جوهري مع الاوضاع المعيشية لمنتسبيها وتعمل على دعمها وتحسينها عبر مبدأ التضامن الاجتماعي. ان هذا هو جوهر النقابة كاداة عرفها الناس منذ قديم الزمان لتجسيد قيمة التضامن بين ابناء المهنة الواحدة. لقد كان هذا واضحا في اذهاننا منذ البداية، فالعمل النقابي ليس إصدار بيانات فحسب ولا حفلات ترفيه، بل جهد مثابر ودؤوب لا يكل للتعامل مع الأوضاع المعيشية والمهنية للعاملين في المهنة والدفاع عن مصالحهم الأدبية والمادية.

الان... والان فقط، تصوروا لو ان ذلك الصندوق قد تأسس ومضت الامور في سياقها الطبيعي والسوي، والصحافيون يدفعون اشتراكاتهم بشكل منتظم في الصندوق ومدخراته تتراكم. الان... والان فقط فيما بدأت الازمات تعضنا بالناب وتجرحنا بالمخالب: صحافيون يفصلون من اعمالهم ويلقون على الرصيف، آخرون تتأخر رواتبهم لشهور والمعاناة تتخذ اشكالا لا حصر لها.

تصوروا لو ان ذلك الصندوق كان قائما وحقيقة ملموسة، الم نكن قد بادرنا الى مساعدة زملائنا المفصولين من اعمالهم؟ ألم يكن بامكاننا ان نقدم شيئا لزملائنا الذين راحوا يرزحون تحت اشكال مختلفة من المعاناة جراء ما يواجهونه؟ المفصولين والذين تتأخر رواتبهم امام مصارف لا تعرف الرحمة اقترضوا منها؟ امام التزاماتهم تجاه عائلاتهم ومدارس ابنائهم وجامعات ابنائهم؟

انسوا كل تلك الاشكال العالقة في اذهانكم عن مساعدات العمل الخيري، فنحن نتحدث عن صندوق اشبه بصندوق ضمان اجتماعي يساهم فيه الصحافيون بشكل الزامي وتساهم فيه الصحف ايضا. هل انتابتكم المفاجأة ان قلنا تساهم فيه الصحف؟

نعم، لو كان الصندوق قد أنشئ، لكنا قد شرعنا على الفور في مفاوضات مع الصحف لكي تساهم فيه ولو بنسبة بسيطة لا تتعدى 1 % من المبيعات اليومية. قد يبدو هذا للكثيرين مثل الحلم او حديثا باعثا على السخرية، لكن منذ متى لم تكن المكتسبات مجرد احلام ذات يوم؟ رغم هذا، ساحيل من يظن ذلك الى تجربة صغيرة في احدى صحفنا التي تكفلت بدفع راتب لايتام زميل لنا توفي حتى كبر هؤلاء. لا يتعلق الامر بضمير المسئولين في تلك الصحيفة وحسهم الانساني فحسب، بل ان هذا مثال يثبت ان ذلك الكلام (الذي يبدو باعثا على السخرية) واقعي الى ابعد والى اقصى حد بدليل انه وقع بمبادرة من إدارة صحيفة واحدة. اما اذا تم تأطير آلية الدعم هذه في اطار منظم فهذا لا يعني سوى انها ممكنة تماما.

لكن ذلك الصندوق لم ينشأ، ولم يعرف الصحافيون حتى اليوم سبيلا الى نقاش يبدأ بسؤال مثل هذا: «ماذا يتعين علينا ان نفعل لزملائنا الذين يعانون؟ بل لبعضنا البعض؟». لا شيء من هذا يدور على ألسنة الصحافيين البحرينيين، فهم على الدوام يبدون غير معنين بل ينتظرون الحلول من مكان آخر دوما. لن نخطئ ان قلنا ان التضامن المهني، مازال قيمة مفقودة بشدة لدى الصحافيين البحرينيين، لكن الصحيح ايضا انه تنقصنا الجدية هنا في هذا البلد كثيرا في ميادين عدة، الصحافيون نموذج بارز.

لكن اشكال المعاناة الجديدة، تأتي من رحم اوضاع يعيشها الصحافيون تعيد التأكيد على الاوضاع غير السوية التي يعيشها العاملون في المهنة. فاحدى الحقائق الراسخة في صحافتنا هي ان غالبية لا بأس بها من الصحافيين يعملون اعمالا اضافية. لا يتعلق الامر بالسعي لتحسين مستوى المعيشة او زيادة الدخل، بل بحقيقة اساسية مازالت تبهج المستثمرين من اصحاب الصحف، ان الرواتب لاتزال غير مجزية. هذا لا يفعل سوى ان يجعل الصحافيين غير محصنين امام الحاجة، أي بعبارة اخرى تحت رحمة الحاجة. ان هذه المفردات تبدو تعبيرات ملطفة، فالوقوع تحت رحمة الحاجة ليس سوى مقابل لمفردة اكثر ايلاما «ذمم معروضة للشراء».

من اين جاء هذا كله؟ ليس ثمرة يوم او يومين، بل عقود من التردي المهني المتوالي، والامر جلي، فالتردي المهني رديف التردي المعيشي ومرتبط به عضويا. فاذا انعدم احترام الاصول المهنية، لن يعود لاحترام عفة اليد أي معنى ولن يعود لاحترام العاملين أي معنى ايضا.

ان «لو» تبدو باعثة على الاسى ولربما التهكم على جاري عادتنا، لكنني هنا لست ادعوكم هنا الا للتفكير لبرهة في فكرة طرحت قبل نحو ثماني سنوات ووحدها معاناة زملائنا الماثلة هذه الايام ستدفعني لطرح هذا التساؤل. في ذاكرتي ما لا يسر ايضا. فعندما طرحنا فكرة الصندوق في اجتماع حاشد في نوفمبر/ شباط 2002، تلفت صحافيون يمينا ويسارا، وآخرين كانوا يبتسمون (تمهيدا لاطلاق تعليقات ساخرة)، وآخرين اصيبوا بالتأتأة واللعثمة وبدا ان فكرة ان يدفع الصحافي من جيبه طوعا مبلغا ما لصندوق له ولزملائه أمر يتطلب التردد. ها ان بعضنا يدفع ثمن التردد، وغدا عندما ينضم أي من المترددين الى قائمة المفصولين سيتذكرون من فورهم حتما انهم بحاجة لدعم زملائهم، لكن لن يجدوه للأسف.

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 2796 - الأحد 02 مايو 2010م الموافق 17 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:35 ص

      نريد نعرف الحكمة

      للأسف مع الأيام تظهر جمعية الصحفيين مزيدا من التفسخ والتحلل من الداخل. مؤسف ان تلعب الجمعية هذا الدور الذي يدل على تخبط إن لم يكن غباء. بس خلهم يقولون لنا ويش الحكمة؟ لما تسلم الجمعية إلى عقول صغيرة فخذوها يا صحافيين.

    • زائر 3 | 3:28 ص

      والله طرطرة

      شكرا على ما طرحت استاد محمد. على فكرة انت في وادي والجماعة الثانية في وادي ثاني، ,آخر ابداعاتهم تكوين لجنة لتلقي شكاوى الجمهور ضد الصحفيين. لأن الصحفيين من امثالكم هم الذين سرقوا البلد والاراضي وتلاعبوا بالمال العام، فلابد من لجنة تشكلها الجمعية لتدوين الشكاوى ضدهم.
      ما ٌاول إلا هزلت .

    • زائر 2 | 2:55 ص

      مقال رائع يا ابو اياد

      ولكن للاسف جمعية الصحافيين متفرجة، بل والادها من ذلك ان الجمعية ومن فيها يعلنون فتح باب استقبال شكاوى المواطنين ضد الصحافيين..
      عجبي على هذا التصرف،، اليس الصحافيون في حالة لا يرثى لها بعد ان لاطمت الازمة المالية بالصحف، اليس الصحافيون في واقع مرير من الجرجرة اليومية في المحاكم اليس الصحافيون من ذوي الدخل الضعيف في البحرين
      لم ينقصهم سوى فتح شكاوى المواطنين
      عجبي على هذا الجسم المهني الذي لا يرغب في تحري نفسه

    • زائر 1 | 1:23 ص

      سلمت يداك يا محمد

      هناك صحفيون يحصلون على سيارات ومنازل وأموال وهم لم يبلغوا الثلاثين والسبب اسفاف فى مهاجمة فئات محددة واغراق فى الإشادة والتمجيد حتى انتفخت بطونهم وجيوبهم ولا أبالغ فالأسماء معروفة ومقالاتهم أمام الجميع مكشوفة فأين هم أمام الله حين ينجلى كل شئ .. ولك الله يا محمد فاضل فمازلت ثابتا لم تحركك الأمواج الحريرية

اقرأ ايضاً