العدد 2806 - الأربعاء 12 مايو 2010م الموافق 27 جمادى الأولى 1431هـ

اللجان والهيئات الوطنية لحقوق الإنسان بين العمل الحقوقي والطموحات السياسية (2-2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

المحك الرئيس في تقييم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان هو ما يطلق عليه مبادئ باريس التي أقرتها مجموعة عمل في العام 1991 وهي تؤكد علي أمرين رئيسين أولهما الاستقلالية عن الحكومة المعارضة والفئات والأحزاب، وثانيهما التنوع والتعدد في انتماءات أعضائها . فهي تعبر عن أطياف المجتمع السياسية والجندرية والعرقية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية كافة وفي حالة فقدان أي من الشرطين المشار إليهما تفقد المؤسسة صفتها الوطنية ولا يعترف بها في لجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية ولا في الأمم المتحدة .

هذا ويتم إنشاء اللجان أوالمؤسسات الوطنية بقرار من السلطات الرسمية سواء رئاسة الدولة أو الحكومة أو السلطة التشريعية ويتم إقرار قانونها بنفس الطريقة ويحدث التنوع أحيانا من حالة دولة لأخرى في هذا الصدد .

ورغم أن الإقرار الرسمي لمفهوم المؤسسات الوطنية تم بقرار الجمعية العامة المعتمد في 20 ديسمبر/ كانون الاول 1993 والسابق الإشارة إليه إلا أن فكرة المؤسسات الوطنية في مجال حقوق الإنسان وغيره من المجالات ذات الصلة بمبادئ الأمم المتحدة تم الإشارة إليها في القرارات الصادرة من الجمعية العامة منذ العام 1946.

ولقد كان من حظي أن يتم اختياري عضواً في المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر منذ إنشائه العام 2003 بقانون من مجلس الشعب المصري وتم اختيار أعضائه بقرار من مجلس الشورى، وذلك لمدة ثلاث سنوات تم تجديدها لثلاث سنوات أخرى، ثم جرى تغيير ثلث الأعضاء وكنت من بين من شملهم التغيير.

ولابد من الإشارة لحقيقة مهمة كتبت عنها كثيرا في السنوات السابقة وهي أن عملية الاختيار الأولى للمجلس كانت عملية اتسمت بالإبداع والموضوعية في أنها شملت طوائف المجتمع كافة وفئاته الحزبية والسياسية والنقابات والمنظمات غير الحكومية والقضاء والقانونيين من الأكاديميين والدبلوماسيين والمرأة والأقباط والمسلمين ومن الحزب الحاكم ومن المعارضين ومن مجلسي الشعب والشورى والنقابات المهنية . وان كانت التشكيلة على مدى الفترات الثلاث افتقرت لعنصرين هما رجال الاقتصاد ورجال الثقافة، ولذلك عانت اللجان التي تناولت هذه الموضوعات من قلة الخبراء المتخصصين بين أعضائها في هذه المجالات وان تم تلافي ذلك جزئيا عن طريق ما أطلق عليهم مستشارون للمجلس .

وفي هذه المقال فإنني أطرح هنا حصيلة خبرتي في هذا العمل عن معرفة علمية لانشغالي بالقضايا الحقوقية في الأمم المتحدة أثناء عملي ممثلاً لمصر في الأمم المتحدة بنيويورك ثم في جامعة الدول العربية ونشرت ثلاثة كتب في مجال حقوق الإنسان، ولعل ذلك هو ما دعا من قاموا بتشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان لاختياري، ثم مارست أهم ثلاثة أمور أثناء فترة عضويتي في المجلس. أولها دعوت بالتنسيق مع المجلس وأمانته العامة لأول مؤتمر حقوقي للمجلس خارج القاهرة، وبالذات في محافظة أسيوط العام 2005 وبعد ذلك تتابعت أنشطة المجلس القومي لحقوق الإنسان خارج القاهرة. وثانيها توليت مهمة عقد مؤتمر حول التنمية ودورها في حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وثالثها توليت مهمة إعداد التقرير السنوي للمجلس العام 2008، بالطبع في كل تلك المهام الرئيسة حصلت أولاً على موافقة المجلس وعلى مساندته لأن الأصل في العمل الحقوقي أو السياسي هو العمل كفريق، وفقاً لمحددات وقواعد معينة، وليس عملاً فردياً. واعتز بالفترة التي عملت فيها وأشعر بالسعادة بعد انتهاء فترة عملي وحلول زملاء آخرين يواصلون المسيرة، كما مثلت المجلس في عدة مؤتمرات دولية في كوريا الجنوبية والهند والصين وإيطاليا، إما ضمن فريق من الأعضاء أو بمفردي، وفي كل مؤتمر كنت حريصاً على المساهمة ونقل خبرة الدول الأخرى لمصر للاستفادة بها وشاركت في حوارات مع مجالس حقوقية عربية وآسيوية وأوروبية وأمريكية، وأكدت تلك الحوارات الطبيعة الحقوقية لعمل هيئات ولجان ومجالس حقوق الإنسان الوطنية ولصفتها الاستشارية، وهو ما ركزت عليه مبادئ باريس المشهورة التي صدرت العام 1993، وأيضاً قرار الجمعية العامة الذي كان نقطة البداية لإنشاء تلك المؤسسات.

وأشعر بفخر لفترة عملي في المجلس القومي وبرضا عما شاركت فيه خاصة من خلال مقالاتي العديدة في الصحف المصرية أيضاً. واعترف أن حصيلة التجربة كانت أحياناً مشجعة، وأحياناً أخرى محبطة، ولكن في الحالتين كان هناك إصرار على التعبير عن الرأي بصراحة وشجاعة واستقلالية سواء في مداولات المجلس، والتي اتسمت بالاستقلالية والصدقية، لأن الأعضاء كافة كانوا غير حكوميين كل منهم، وفقاً لمبادئ باريس ولكل عضو مكانته وتاريخه الذي يعتز به وينبغي احترامه. وكان رئيس المجلس وأعضاؤه يحترم كل منهم الآخر تماماً، ولا يتعرض له بكلمة جارحة، مع استمرار الاختلاف في الرأي والنقاش الحر، وفي النهاية يصدر القرار إما بالتصويت وفقاً لقواعد إجراءات المجلس أو بتوافق الآراء.

وكان الرأي الغالب في المجلس هو ضرورة السعي للحوار مع مؤسسات المجتمع المدني الأخرى وفي مقدمتها المؤسسات الحقوقية الأهلية المسماة غير الحكومية Non-governmental أو مع الحكومة وسلطاتها الرسمية باعتبارها شريكة في قضايا حقوق الإنسان وبدون تعاونها لا يمكن تطوير وتحسين ذلك. والحوار في كلتا الحالتين كان مفيداً لإزالة اللبس وسوء الفهم وتحقيق الهدف أو بعض منها وليس كل ما يتمناه المرء يدركه. ويعجبني في هذا الصدد القول اللبناني المشهور «نحن نريد أن نأكل العنب وليس قتل الناطور» والقول اللبناني الثاني القائم على فلسفة «لا غالب ولا مغلوب» أو ما نسميه في السياسة والاستراتيجية النصر للجميع Win-win game.

ومن حواراتي مع المؤسسات الحقوقية الوطنية للدول المتقدمة مثل اليونان وفرنسا وسويسرا والدانمرك وغيرها، إن الجميع يؤكد على أمرين أولهما الصفة الاستشارية لهذه المؤسسات وثانيها البعد عن الانشغال بالسياسة لاختلاف الأمر بالنسبة لها عن العمل الحقوقي.

ولعل البعض يتساءل ماذا أنجز المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر عبر 6 سنوات في الدورتين الماضيتين وهذا مجال طويل للتقييم، ولكن يكفي أن نشير إلى عشرة إنجازات ذات دلالة:

الأول: بعث الوعي على مستوى مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والتنفيذية، وعلى مستوى المحليات بأهمية احترام حقوق الإنسان المصري وأخذ ذلك في الحسبان في تصرفاتها وقراراتها.

الثاني: بعث الوعي لدى المواطن في المدن والقرى والمحافظات والمناطق النائية بأن للمواطن حقوقاً ويجب الدفاع عنها والتمسك بها في مواجهة السلطة بأجهزتها المتعددة.

الثالث: تقديم تقارير موضوعية سنوية وفي المناسبات المتعددة لتحليل وتقويم أوضاع حقوق الإنسان في مصر، والتقدم بتوصيات ومقترحات عملية لتطوير وتحسين هذه الحالة.

الرابع: إثبات صدقية المجلس القومي على مستوى المنظمات الدولية ذات الصدقية مثل لجنة التنسيق للمؤسسات الوطنية الخاصة بحقوق الإنسان ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغيرهما من المحافل ذات الصدقية.

الخامس: الدخول في حوار بناء مع المنظمات الحقوقية الأخرى ذات الميول السياسية والإيديولوجية التي تعمل من أجل مصالح خاصة بدولها أو بأحزابها ضد طبيعة ومرحلة التطور الاقتصادي والاجتماعي في الدول النامية وتوضيح حقيقة الموقف في مصر بموضوعية وحيادية وبمنهج علمي.

السادس: وضع خطة وطنية لحقوق الإنسان في مصر والمساهمة بمقترحات في خطة التنمية للدولة ومتابعة ذلك باستمرار.

السابع: القيام بزيارات ميدانية للسجون وأماكن الاعتقال وكذلك لمواقع الأحداث والاحتكاكات بين الأقباط والمسلمين وغيرهم، والتقدم بمقترحات موضوعية وعملية لتحسين الموقف وإعادة اللحمة الوطنية.

الثامن: إثبات الصدقية الوطنية التي سعت بعض الأجهزة الرسمية أو المنظمات غير الحكومية من خلالها للطعن في المجلس وصدقيته وجدواه، حيث البعض اعتبره واجهة لتحسين صورة الدولة، بينما البعض الآخر اعتبره مؤسسة لا تؤمن بوطنها وبلادها وتسعى لإزعاج السلطات وإثارة الشكوك حولها.

التاسع: القيام بدور التقريب بين المنظمات غير الحكومية وبين مؤسسات الدولة والدفاع عن مطالب المنظمات غير الحكومية تجاه مؤسسات الدولية في العديد من المناسبات والسعي للتنسيق بين هذه المنظمات بعضها البعض.

العاشر: عقد الكثيرمن المؤتمرات والندوات وورش العمل علي المستويات الوطنية والإقليمية والدولية والقيام بالعديد من الحملات لنشر مفاهيم حقوق الإنسان في طول البلاد وعرضها.

هذه بعض دروس التجربة وخبرتها أهديها لمن يرغب في الاستفادة من تجارب الآخرين.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2806 - الأربعاء 12 مايو 2010م الموافق 27 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً