العدد 2855 - الأربعاء 30 يونيو 2010م الموافق 17 رجب 1431هـ

محمد الدرادجي...عراقي عاشق

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

ما يميز فيلم المخرج العراقي محمد الدرادجي «ابن بابل» وهو الثالث على قائمة أفلامه كمخرج، ليس فقط النقلة الكبيرة على مستوى الصورة والإخراج والحبكة أو «الحدوتة». هذه النقلة التي بدت واضحة من خلال مواقع تصوير هي غاية في الجمال والتعبير عن كل ثيمات الفيلم ومدلولاته. في واقع الأمر أن الدرادجي وهو الذي يسعى جاهدا لإبراز معاناة أبناء بلاده العراق عبر أفلامه تلك، يفعل أكثر من ذلك في فيلمه هذا. إنه يبدأ حملة يسعى من خلالها لجمع أكبر عدد من التوقيعات في عريضة يطمح لأن تشكل أداة ضغط تحرك المجتمع الدولي ليعطي أهمية أكبر وإحساس أعلى بمعاناة العراقيين.

لا يعيش الدرادجي في العراق، ربما لم ينشأ فيها أصلاً، تركها طفلا صغيرا، لكن إحساسه الشديد بمعاناة العراق وأبنائه، غيرته على سمعة البلد، حبه لأبناء وطنه سنة، شيعة، عرباً، أكراداً وكل من ينتمي للعراق. كل ذلك ترجمه في أعماله السينمائية التي لم تأتِ لتصنف أيا من أبناء العراق، أو لتلوم أو لتخذل طائفة في مقابل الأخرى أو عرقاً في مقابل الآخر. لم تتهم أفلامه أحداً، لم تتحامل على أي طرف. سخر فنه لخدمة شعبه لا للإساءة إليهم. مشاهدوه سيحبون العراق بكل تأكيد سيدعمون قضية شعبه حتماً. لن يخرج الناس مستاؤون من أي من عناصر الفيلم. قصصه بسيطة، يؤمن أن لا حاجة للمبالغة، موقفه محايد من طوائف الوطن. يحب العراق وطنا جامعا لأبنائه، لا يحب عراقاً شيعياً أو سنياً أو بعثياً أو عربياً أو كردياً.

رسالته الأخيرة في فيلم «ابن بابل» كانت خير ترجمة لحبه ذاك، قدم فيلم «طريق» هو غاية في التأثير في مشاهديه، استعان بممثلين غير محترفين، لكنهم عراقيون محبون للعراق. أبرز هؤلاء امرأة تعيش الدور مرتين، مرة في الفيلم حين تتقمص دور الجدة التي تفقد ابنها في أحد الحروب المجنونة التي خاضتها البلاد رغماً عنها. وقبل ذلك كانت هذه المرأة ولا تزال تعيش الدور ذاته، فهي فاقدة في واقع الأمر لزوجها. لا تعرف أي مقبرة تحتوي عظامه، ولربما كانت جولتها في الفيلم تستهدف أمرين، أن تنجز الدور الذي اتفقت مع الدرادجي على أدائه، وأن تواصل رحلة بحثها الحقيقية عما تبقى من زوجها.

الدرادجي الذي لا يمكنك إلا أن تحترم حبه الشديد وتعلقه بوطنه وتقديسه لكل ما هو عراقي، يأبى إلا أن يبهرك حين يقدم رسالة هي غاية في النضج والرقي يدعو فيها أبناء شعبه إلى المصالحة التي لا يجد سواها للعراق مخرجاً. هو في واقع الأمر ليس سوى فنان عراقي عاشق لبلاده

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 2855 - الأربعاء 30 يونيو 2010م الموافق 17 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً